[size=7] و انا اقوللهؤلاء[/size]
((((وليس أخي مَنْ ودَّني بِلسانِهِ
ولكنْ أخي مَنْ ودَّني في النوائب
ومَنْ مالُهُ إذا كنتُ مُعدِماً
ومالي لهُ إن عضَّ دهرٌ بغـارب
فلا تحمَدَنْ عند الرخاءِ مؤاخِياً
فقد تنكر الإخوان عند المصائب ))))
ومن أخبار سادة الأجواد في هذا الباب ـ أيضاً ـ ما ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ حيث قال :
خرَّج الإمام أحمد من حديث بنت الخبَّاب بن الأَرَتّ قالت : خرج خَبَّاب في سرية ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهدنا ، حتى يحلب عَنْزَةً لنا ، في جَفْنَةٍ لنا ، فتمتلئ حتى تفيض ، فلما قدم خباب حلبها فعاد حِلابُها إلى ما كان . تشير إلى بركة رسول الله عليه الصلاة والسلام .
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم ، فلما استخلف قالت جارية منهم : الآن لا يحلبها ، فقال أبو بكر : بلى ، وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله ، أو كما قال .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعاهد الأرامل يستقي لهن الماء بالليل ، ورآه طلحة رضي الله عنه مرةً بالليل يدخل بيت امرأة ، فدخل إليها طلحة نهاراً ، فإذا هي عجوزٌ عمياءُ مقعدة ، فسألها : ما يصنع هذا الرجل عندك ؟ قالت : هذا مذ كذا وكذا يتعاهدني ، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى ! فقال طلحة : ثكلتك أمك يا طلحة ، أعوراتُ عمر تتبع !.
وكان أبو وائل رحمه الله يطوف على نساء الحي وعجائزهن في كل يوم ، فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن .
وخرج عبد الله بن المبارك رحمه الله مرةً إلى الحج ، فاجتاز ببعض البلاد ، فمات طائرٌ معهم ، فأمر بإلقائه على مزبلة هناك ، وسار أصحابه أمامه ، وتخلف هو وراءهم ، فلما مرَّ بالمزبلة إذا جاريةٌ قد خرجت من دار قريبة منها ، فأخذت ذلك الطائر الميت ، ثم لفَّته ، ثم أسرعت به إلى الدار ، فتبعها وجاء إليها فسألها عن أمرها وأخذِها الميتة ؟!.
فقالت : أنا وأخي هنا ليس لنا شيءٌ إلا هذا الإزار ، وليس لنا قُوتٌ إلا ما يُلقى على هذه المزبلة ، وقد حلَّت لنا الميتة منذ أيام ، وكان أبونا له مال ، فظُلِم ، وأُخِذَ مالُه وقُتل !!.
وأما هذه الحال المؤثرة ، كيف صنع ابن المبارك ؟!.
لقد أمر برد أحمال القافلة ، وقال لوكيله الذي معه المال : كم معك من النفقة ؟ قال : ألف دينار . فقال : عُدَّ منها عشرين ديناراً تكفينا للرجوع إلى مَرْو ( بلدته ) ، وأعطها الباقي ، فهذا أفضل من حجنا هذا العام ، ثم رجع .
أيها الفضلاء : إن هذه الفتاة لها نظائر كُثيراتٌ وكثيرات اليوم في بلاد المسلمين ، مع وجود الثروات الهائلة بأيدي المسلمين والتي تقدر ( زكواتها ) بالمليارات !!
ولكن الفرق : أن هذا المال يحتاج لنَفْسٍ كريمة نبيلة ، كنفس عبد الله بن المبارك .
وكان حسَّانُ بن سعيد المنيعي رحمه الله قد عمَّ الآفاق ببرِّه وخيره ، وكان من جملة ذلك أنه كان يكسو في كل شتاء نحواً من ألف نفس . رحمه الله وألبسه من حلل الجنة .
وكان زبيد بن الحارث التابعي رحمه الله إذا كانت ليلة مطيرة طاف على عجائز الحي ، ويقول : ألكم في السوق حاجة ؟ .
هذه بعض أخبار الأجواد في جودهم وإحسانهم حال نزول الحاجات ووجود الفاقات ، ولا ريب أن هؤلاء هم الذين تحتاجهم المجتمعات وهؤلاء هم الذين يفقدون عن الدنيا إذا رحلوا .
وأما من يكتنز المال ولا يجود به ولا تحدثه نفسه بالجود والسخاء في تلك الأحوال فماله في منزلة أولئك من نصيب .