مشكلة الإنسان مع همومه أن ضعفه يغريها بالالتصاق به.. وأن اهتمامه بها يمنحها الفرصة لتتعاظم في أثرها.
بينما لو شغل عنها بالتأمل في هموم الآخرين وأضعف من شأن همومه لاستطاع أن يغلبها. يحكي د.زكي نجيب محمود في أحد كتبه عن مقال جيد فكرته تدور حول الهموم.
حيث ذهب جماعة من الناس يجمعهم الهم بمختلف أنواعه وصوره ليتخذوا من المثل القائل (مصائب قوم عند قوم فوائد) أساساً للتخلص من همومهم، حيث يذهبون جميعاً إلى مكان فسيح، ويلقي كل واحد منهم بهمه لعله يناسب الآخر فيختاره بدلا من همه الحقيقي.
وبالفعل رمى كل واحد همه على الأرض حتى تكدست الهموم فصارت مثل جبل مرتفع.
وبدأ كل واحد يحاول اختيار هم جديد من كومة الهموم.
والمفاجأة أن كل واحد منهم آثر همه القديم الذي اعتاده فاختاره وعاد به إلى داره؛ فقد أيقن أنه أسعد حالاً أمام هموم الآخرين.
هذه الحكاية دلالة على أن الإنسان أحياناً في وسط همومه وأحزانه يحسب أنه المنكوب الوحيد، بينما لو أدرك أن لكل إنسان على هذه البسيطة نصيبه من الهم والكدر لاستراح، ولذلك استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم من الهم والكرب وأوصى بدعوات يدعوها المكروب.
حيث أورد ابن تيمية في صحيح الكلم الطيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت).
إن ضعف النفس البشرية يغري الهموم بأن تعشعش فيها؛ لذلك ينبغي ألا يخضع المهموم إلى نفسه المتعبة، بل ينشد القوة من لجوئه إلى الله، ومن ثم التيقن بأن الهم عارض من عوارض الحياة بإمكانه أن يحتل جزءاً من الوقت يسيراً، إذا ما آمنا بعدم قدرته على هزيمة الروح المؤمنة.
وبما أننا هذه الأيام نعيش رمضان.. هذا الزائر الكريم، فإن التغيير الذي يحدثه في قلوبنا بالسكينة والأمل في قبول ما نقدمه من طاعات وتقرب إلى الله يمنحنا القدرة على التغلب على الهموم.
رمضان هو أجمل صورة للأمل في الخير؛ فأيامه كلها عطاء وخير..
والنور فيه فرصة سانحة للقلوب التي أتعبها سواد الهموم.. فضياؤه يملأ الأرض كلها ويتغلغل إلى أعماق النفوس.