التوكل فريضة يجب إخلاصه لله تعالى ، لأنه من أفضل العبادات
وأعلى مقامات التوحيد ، فلا يقوم به على وجه الكمال إلا خواص
المؤمنين .
قال تعالى :
(( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ))
وإن ذكر اسم الإيمان دون سائر الأسماء في هذه الآية دليل على استدعاء
الإيمان للتوكل فقد جعل الله سبحانه في الآية التوكل شرطا في الإيمان ،
فدل على انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكل ، وأن قوة التوكل وضعفه بحسب
قوة الإيمان وضعفه ، وكلما قوي إيمان العبد كان توكله أقوى .
والتوكل من أعمال القلوب التي لا يجوز صرفها لغير الله ، فكلما ازداد
قرب المؤمن من ربه ازداد توكله فهو من لوازم الإيمان ومقتضياته.
حقيقة التوكل
قال تعالى : (( وتوكل على الحي الذي لايموت ))
في هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم
أن يتوكل عليه سبحانه وتعالى ، وألا يركن إلا إليه لأنه الحي
الذي لا يموت ، وهو القوي القادر سبحانه وتعالى ، ومن يتوكل
عليه سبحانه فهو حسبه ( أي كافيه ومؤيده وناصره )
ومن توكل على غير الله ، فإنما يتوكل على من يموت ويفنى .
والتوكل معناه
صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع
المضار ، من أمور الدنيا والآخرة كلها ، وأن يكل العبد أموره كلها
إلى الله سبحانه ، وأن يحقق إيمانَه بأنه لا يعطي ولا يمنع ، ولا يضر
ولا ينفع سواه عز جل ..
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :
" لو أنكم توكلون على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ،
تغدو خِماصا، وتعود بِطانا "
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في تفسير هذا الحديث :
( هذا الحديث أصل في التوكل ، وأنه من أعظم الأسباب التي
يُستجلب بها الرزق )
و قال تعالى :
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن التوكل يجمع أصلين :
(علم القلب وعمله )
أما علمه
فيقينه بكفاية وكيله ، وكمال قيامه بما وكله إليه ، وأن غيره
لا يقوم مقامه في ذلك.
وأما عمله
فسكونه إلى وكيله وطمأنينته إليه ، وتفويضه وتسليمه أمره إليه ،
ورضاه بتصرفه له فوق رضاه بتصرفه هو لنفسه .
فبهذين الأصلين يتحقق التوكل .
والمقصود
( أن القلب متى كان على الحق كان أعظم لطمأنينته وسكونه ووثوقه
بأن الله وليه وناصره )
والتوكل على الله نوعان
أحدهما : توكل عليه في تحصيل حظ العبد من الرزق والعافية
وغيرهما .
والثاني : توكل عليه في تحصيل مرضاته .
فأما النوع الأول
فغايته المطلوبة وإن لم تكن عبادة لأنها محض حظ العبد ، فالتوكل
على الله في حصوله عبادة ، فهو منشأ لمصلحة دينه ودنياه.
وأما النوع الثاني
فغايته عبادة ، وهو في نفسه عبادة ، فإنه استعانة بالله على ما
يرضيه ، فصاحبه متحقق بإياك نعبد وإياك نستعين .
قال بعض السلف :
لا تكن ممن يجعل توكله عجزا، وعجزه توكلا .