تابع
بما أن الكون اليوم يتوسع باستمرار فلا بد أن حجمه كان أصغر حتى نعود لنقطة البداية، ومن هنا برزت للوجود نظرية الانفجار العظيم التي تفسِّر نشوء الكون من كتلة ذات وزن عظيم جداً، انفجرت وشكلت هذه المجرات ولا يزال الانفجار مستمراً حتى يومنا هذا.
هذه النظرية أصبحت اليوم حقيقة علمية يقينية تؤكدها كل الظواهر والمكتشفات، ولا أحد يستطيع اليوم أن ينكر حركة المجرات مبتعدة عنا والتي تبلغ سرعتها أكثر من عشرة آلاف كيلو متراً في الثانية الواحدة! هذه الحقيقة العلمية نجد حديثاً دقيقاً عنها في كتاب الله تعالى الذي فيه تفصيل كل شيء. يقول عز من قائل: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30]، وهنا يتفوق البيان القرآني على حقائق العلم الحديث. فالعلم الحديث يسمى بداية الكون (كتلة) وهذه تسمية غير صحيحة علمياً، فالكتلة لا تشير إلى أي نوع من أنواع البناء أو الحركة.
بينما القرآن يعطينا مصطلحاً دقيقاً وهو (الرتق) وفي هذه الكلمة نجد إشارة إلى البنية النسيجية للكون، وفيها إشارة إلى وجود النظام منذ بداية الخلق وليس كما يصفه العلماء بأن الكتلة الابتدائية التي خُلِق منها الكون كانت تعجّ بالفوضى!
وفي كل يوم نجد العلماء يعدلون مصطلحاتهم ويغيرونها بما يتناسب مع جديد الاكتشافات، ولكن الله تعالى خالق هذا الكون والذي يعلم السرَّ وأخفى حدَّد المصطلحات الدقيقة والثابتة منذ بداية نزول القرآن.
يتابع القرآن تفوقه على العلم من خلال كلمة (فَفَتَقْنَاهُمَا) ففي هذه الكلمة يتجلّى كل النظام في عملية فتق الكون وتشكيل هذه المجرات التي نراها. فالعلم يسمي هذه العملية بالانفجار وكلمة (انفجار) لا تفيد إلا الفوضى، فلا يمكن للانفجار أن يكون منظماً أبداً. بينما الكلمات التي يستخدمها خالق هذا الكون والخبير بأسراره هي كلمات واقعية: (الرَّتق) و(الفتق)، فالنسيج الكوني كان رتقاً ففتقه الله تعالى بقدرته.
وتأمل معي كلمة (فَفَتَقْنَاهُمَا) كيف تعبر عن طاقة وقدرة عظيمة وصفها الله تعالى ليبدأ بها خلق السماوات والأرض، وإن الكلمات التي يستخدمها العلماء لتعجز فعلاً عن وصف حقيقة الأمر. فكلمة (انفجار) لا تعبر تماماً عن ضخامة الحدث، ولا عن حقيقة هذا الحدث، بينما نجد كلمات الله تعالى تعطي الدقة في وصف الحقيقة العلمية:إذن بكلمتين: الرتق والفتق، وصف الله تعالى نشوء الكون، بينما نجد آلاف الأبحاث العلمية في هذا المجال وبالرغم من هذا الكم الضخم من المؤلفات لم يتمكن العلماء من تلخيص نظريتهم عن بداية الكون بكلمات قليلة.
وهنا تتجلى عظمة وإعجاز القرآن بيانياً وعلمياً، فالإعجاز القرآني لا يقتصر على عرض الحقائق العلمية فحسب، بل يصف هذه الحقائق بدقة بالغة يعجز البشر عن الإتيان بمثلها. وفي هذه الآية أمر لا بد من ملاحظته وهو بداية الخطاب في الآية، فالله تعالى يخاطب بها الذين كفروا، وفعلاً تم اكتشاف بداية الكون على يد غير المؤمنين. فإذا كان القرآن من عند بشر وهو النبي الأمي عليه الصلاة والسلام، كيف علم بأن هذه الحقيقة ستُكشف من قِبَل الملحدين فوجَّه الخطاب لهم؟
إذن هذه الآية تمثل معجزة علمية، فقد بدأت بخطاب الكفار بحقيقة كونية هم من سيكتشفها، ثم وصَفَت الحقيقة الكونية هذه بأقل عدد ممكن من الكلمات. وخُتمت الآية بالهدف من هاتين الحقيقتين وهو الإيمان بالله تعالى: (أفلا يؤمنون)!؟
وهذا يدل على أن وجود الحقائق العلمية في كتاب الله تعالى ليس هدفاً بحد ذاته، بل هذه الحقائق وسيلة لهدف عظيم وهو الرجوع إلى الخالق سبحانه وتعالى والإيمان به. ويدل أيضاً على أن المؤمن مكلَّف بإيصال هذه الحقائق إلى غير المؤمن، إذن الإعجاز وسيلة ندعو بها إلى الله تعالى. وإذا لم ندرس نحن المؤمنون هذا الجانب الإعجازي المهم ونبلِّغه لغير المؤمنين فمن يفعل ذلك إذن؟
شكل (3) نرى فيه قصة الكون منذ البداية وحتى العصر الحاضر، وكيف أن الكون بدأ بانفجار عظيم منذ 13.7 بليون سنة، ثم بدأت الذرات بالتشكل ثم النجوم الأولى ثم المجرات ثم مجموعتنا الشمسية ثم أخيراً تأتي مرحلة خلق الحياة على الأرض.
القرآن يتحدث عن نهاية للكون
توسع الكون لن يستمر للأبد، بل سيأتي ذلك اليوم عندما يتوقف هذا التوسع ويعود الكون ليتقلَّص ويصغر حجمه لينتهي عند النقطة التي بدأ منها. هذا ما تدل عليه بعض الدراسات اليوم عن مستقبل الكون من خلال دورة كونية بدأها الكون من كتلة ثقيلة انفجرت وشكلت كل ما نراه اليوم في هذا الكون من كواكب ومجرات وإشعاعات وغازات وغيرها. وسوف تنطوي هذه الأجزاء على بعضها لتعود مرة أخرى فتقترب من بعضها وتشكل كتلة واحدة من جديد، ولكن كيف بدأت قصة هذه النظرية؟
في أواخر القرن العشرين بدأ العلماء يلاحظون وجود مادة معتمة تنتشر في أرجاء الكون وبين المجرات وبكميات ضخمة. وقدّروا حجم هذه المادة بأنها أضخم بكثير من الكون الذي نراه. إذن المادة التي لا تُرى حجمها أكبر بكثير من المادة التي نراها.
هذه المادة المظلمة ذات جاذبية تبلغ أضعافاً مضاعفة لجاذبية الكون المرئي. وفي ظل وجود هذه المادة لن تستطيع أجزاء الكون أن تُفلت وتذهب بعيداً، ولن يستمر توسع الكون للأبد، بل عند نقطة حرجة من التوسع سوف يتوقف هذا التوسع، وسوف تبدأ المجرات بالتسارع وتعكس اتجاه حركتها لتعود من حيث بدأت.
والآن نأتي إلى آية صريحة تحدثنا تماماً عن هذه النهاية ولكن بدقة أكبر، يقول تعالى عن ذلك اليوم: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء:104]. سبحان الله العلي العظيم! ما هذه الدقة الفائقة في تحديد نهاية الكون؟ إنها المصطلحات العلمية الدقيقة، إنها فعلاً عملية طيّ لأجزاء الكون، هذا ما تقوله آخر الأبحاث الكونية.
جميع علماء الكون يصرِّحون بأن الخطوط المستقيمة لا وجود لها في هذا الكون، بل كل شيء منحنٍ. جميع أجزاء الكون من كواكب ونجوم ومجرات ونيازك ومذنبات وإشعاعات وثقوب سوداء... جميعها تتحرك بأفلاك منحنية. لذلك من المنطقي أن تكون نهاية الكون منحنية تماماً كما تُطوى الورقة.
إن العلماء اليوم يتصورون الكون على أنه مسطح وليس كروياً. والسبب في هذا التصور الظواهر الكونية التي يشاهدونها والتي تدل على ذلك. فالمجرة التي نعيش فيها والتي تُعتبر الشمس أحد نجومها، ليست كروية الشكل، بل هي على شكل قرص قطره أكثر من مئة ألف سنة ضوئية، وسماكته بحدود الثلاثين ألف سنة ضوئية.
وهكذا جميع المجرات تأخذ أشكالاً حلزونية أو اهليليجية ولكن تبقى قريبة من الشكل المسطَّح. فالسِّجِلّ هو الورقة المكتوب عليها، وعندما تُطوى هذه الورقة فإنها تطوي بداخلها الكلمات المكتوبة وتلفّها لفّاً، وهذا ما سيحدث فعلاً للمجرات عند نهاية الكون حيث ستلتفّ حول بعضها كما تُلَفّ الورقة. يتساءل المرء عن هذه الدقة في وصف مستقبل الكون في كتاب الله تعالى، هل جاءت من عند بشر أم هي بتقدير العزيز العليم؟
في قوله تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)، نجد إشارة إلى أن بداية الكون يمكن تشبيهها بورقة من النسيج الكوني كانت ملتفَّة على بعضها ففتقها الله تعالى وباعد بين أجزائها، وهي لا تزال تُفتح وتتمدَّد حتى يأتي ذلك اليوم لتعود وتلتف وتُطوى.
شكل (4) يؤكد العلماء اليوم أن الخطوط المستقيمة لا وجود لها في هذا الكون، إنما جميع الأشكال منحنية، وأن المجرات تتوضع على شبكة نسيجية محبوكة حبكاً محكماً، وهذا النسيج يشبه شبكة العنكبوت.
وأخيــــراً...
وفي هذا المقام نوجه سؤالاً إلى أولئك الذين لا تقنعهم آيات الله عز وجل: إذا كان القرآن من صنع محمد عليه الصلاة والسلام أو أصحابه، فمن أين جاءوا بهذا العلم؟ إن فكرة البنية النسيجية أو (ذات الحُبك) لم يتم طرحها إلا في أواخر القرن العشرين، أي بعد نزول القرآن بأربعة عشر قرناً، كذلك فكرة البناء الكوني وكذلك توسع الكون وتمدده. ووجود هذه الحقائق في كتاب الله ألا يعني أنه كتاب حقّ بكل ما جاء فيه؟
فهل ندرك بعد هذه الحقائق قدرة الله تعالى وأنه هو الواحد الأحد؟ وأن القرآن هو كلام الحق عز وجل؟ وهل ندرك أن القرآن هو كتاب الحقائق العلمية؟ وهل تخضع أعناقنا أمام عظمة كلام الحق تبارك شأنه؟
ربنا ما خلقتَ هذا باطلاً سبحانك...
المراجع
--------------------------------------------------------------------------------
http://www.historyoftheuniverse.com/
http://www.damtp.cam.ac.uk/user/gr/public/gal_home.html
http://www.damtp.cam.ac.uk/user/gr/public/bb_home.html
http://map.gsfc.nasa.gov/m_uni/uni_101bbtest3.html
http://map.gsfc.nasa.gov/m_uni/uni_101bb1.html
http://map.gsfc.nasa.gov/m_uni/uni_101bbtest1.html
http://cassfos02.ucsd.edu/public/tutorial/BB.html
http://csep10.phys.utk.edu/astr162/l...ogy/hotbb.html
http://www.321books.co.uk/reviews/bi...imon-singh.htm
http://www.pbs.org/deepspace/timeline/
http://news.bbc.co.uk/1/hi/sci/tech/1270726.stm
http://rst.gsfc.nasa.gov/Sect20/A10.html