عرض مشاركة واحدة
  المشاركة رقم: 1  
قديم 11 / 01 / 2006, 00 : 06 PM
عمرو عبده
vipvip
المنتدى : الثقافة الاسلامية 2005-2010
تاريخ التسجيل العضوية المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
01 / 06 / 2005 834 662 0.09 يوميا 251 10 عمرو عبده is on a distinguished road
عمرو عبده غير متصل

مَنْ عَلَّم آدم

لقد دأب أعداء الإسلام على مهاجمته من خلال التشكيك في لغة الوحي، وقد ذكر ذلك في القرآن الكريم وها هم يعاودون الكرة، ولكن في هذه المرة من خلال عملاء لهم من المنتسبين إلى الإسلام، فظهرت فتنة الشعر الجاهلي وفتنة الآيات الشيطانية ومفهوم النص يريدون بها أن يوحوا لعقول البسطاء غير الراسخين في العلم بأن لغة القرآن أو منطوقهقابل للتغير في الزمان والمكان، بل قابل للنقض والإبرام كما هو في أي نص أدبي من إنتاج البشر، حتى يخرجوا النص القرآني من جانب الوحي الإلهي إلى جانب الوضع الإنساني، بمعنى أن يجعلوه كلام بشر، ولكن هيهات لهم أن ينجحوا في ذلك، لأن الحق سبحانه وتعالى جعل في كتابه آيات وفي كونه آيات، وجعل العقل دليلاً يستطيع أن يصل إلى الحق والحقيقة وهذا العلم دليلٌ على ذلك، وهذا البحث يحتاج إلى إمعان فكر لأنه بلغة علمية رصينة ونتيجة أبحاث علمية متينة.

ولأن الكمال لله والعجز من شيمة البشر، فإني أعتذر للقارئ المفكر من قصور قد يجده في سياق البحث ولكن ليكن هذا البحث بداية أعمالعلمية موسعةتشترك فيه مجموع من العقول الباحثة عن الحقيقة المجاهدة في سبيل إعلاء كلمة الحق بالفكر والعلم ومن تعصب ولا حول ولا قوة إلا بالله.

خلق أعداء الوحي (القرآن) أفكاراً جديدة تتمثل في اتجاهين:

1) ـ اتجاه يشكك في الإسناد المتمثل في الشعر الجاهلي كمرجع للبيان العالي وللإعجاز البياني، ويقولون إن الشعر الموجود في بداية نزول الوحي شعر مزيف منسوب للشعر الجاهلي، وهم يريدون بذلك أن يهدموا المرجع للإعجاز البياني في اعتقادهم، وإذا هدموا المرجع هدموا إعجاز النص المرسل بالوحي في اعتقادهم.

2) ـ اتجاه آخر يقول بأن النص المرسل من جنس البشر ولغة البشر اصطلاحية بشرية أو تطورية نشأت بالصدقة ثم بالاصطلاح البشري البحت يريدون أن يقولوا أن النص المرسل قابل للتغير في الزمان والمكان، ومدلولاته قد تعطي مفاهيم في زمان غير الذي تعطيه في زمان آخر، وهذه الفرية تهدم الإعجاز والثبات والعالمية للنص المرسل بالوحي. (ملحوظة: المقصود بالنص المرسل بالوحي هنا القرآن الكريم المعجزة الخالدة)، ومع اشتراك أصحاب هذه الاتجاهات في هدف واحد وهو الإيحاء ببشرية النص ولأنه بشري فهو قابل للنقض والإبرام والتغير في الزمان والمكان. ومع ذلك فوسيلة الوصول إلى ذلك الاتجاه الأول تختلف بل تتناقض مع وسيلة الاتجاه الثاني.

فالاتجاه الأول يعتبر أن اللغة وصلت إلى قمة مجدهاوبيانها عند نقطة معينة، وبعدها حدث الانهيار والضعف، وعند هذه النقطة يكون الإسناد والقياس والمرجعية، ولأن هذه النقطة مفقودة فالإسناد ضعيف.

والاتجاه الثاني يقول العكس بأنه لا إسناد ولا قمة بل اللغة تتطور إلى الأصلح دائماً وأبداً، فهي مع الإنسان في حركته في الزمان والمكان، وما كان مبيناً معجزاً في وقت لهو غير ذلك في وقت آخر، بل قد تختلف الدلالة بالكلية من زمان إلى زمان بل ومن مكان إلى مكان.

ولأن هذه القضايا من تلبيس إبليس فإن الرد العلمي هو خير وسيلة لمنع الآثار المدمرة لهذه الفتن الشيطانية، فهيا بنا مع العقل والعلم مع الفكر الهادئ لنصل إلى الحقيقة بإذن الله.

العقل هو أداة التكليف وهو ميزة بشرية عالية، وهو لطيفة ربانية ميزت جنس الإنسان عن بقية المخلوقات، وهو موجود غير محسوس، وهو مدرك بآثاره الواضحة، والتي منها الفرق بين من له عقل ومن لا عقل له، وحتى هذا الفرق لا يدرك إلا به، وهو اللطيفة التي بها يفهم الحس ويتوصل به إلى نتائج ذات معنى من مقدمات متعددة، وهو المقباسالمخترع المبدع وهو هبة من الله للإنسان تكليفاً وفي غيابه يسقط التكليف وبه يتمايز المكلفون. ولكي تتواصل العقول كان لا بد من لغة فيها بيان من خلالهاتتلاقح الأفكار لتولد المعاني، والمعاني الجديدة ومن خلاله تتواصل المعاني الداخلية من فرد إلى فرد، ومن أمة إلى أمة وبقدر العقول تكون درجة ذلك البيان، وهذه اللغة وذلك البيان علم والعلم يحتاج إلى معلم فمن علم الإنسان؟ الإجابة أبواه وأساتذته وبتسلسل القضية حتى آدم يسأل العقل من علم آدم؟ وتسمع الإجابة من رب آدم:)وعلم آدم الأسماء كلها .. ([الآية 31 سورة البقرة].

ومن هنا بدأت قضية اللغة: أتوفيقية هي أم اصطلاحية؟ بمعنى هل هي إلهام من الله أم من تواضع البشر؟ ولهذه القضية تاريخ طويل فهيا بنا في رحلة مع القضية عبر الزمان.

نشأة اللغة:

هناك أربع نظريات في نشأة اللغة هي:

(النظرية الأولى)إلهام إلهي هبط على الإنسان فعلمه النطق وأسماء الأشياء وذهب إلى هذا الرأي:

أ ـ في العصور القديمة:الفيلسوف اليوناني هيراكليت، ب ـ في العصور الوسطى: ابن فارس، ج ـ في العصور الحديثة: الأب لامي والفيلسوف دوبونالد. قال ابن فارس.

أقول: إن لغة العرب توفيق ودليل ذلك قوله تعالى: )وعلم آدم الأسماء كلها (فكان ابن عباس يقول: علمه الأسماء كلها وهي هذه التي يتعارفها الناس من دابة وأرض وسهل وجبل وحمار وأشياء ذلك من الأمم وغيرها. وعن مجاهد قال: علمه اسم كل شيء، وقال غيرهما: إنما علمه أسماء الملائكة، وقال آخرون: علمه أسماء ذريته أجمعين. فإن قال: أفتقولون في قولنا سيف وحسام إلى غير ذلك من أوصافه أنه توفيق حتى لا يكون شيء منه مصطلحاً عليه؟ قيل له: كذلك نقول، والدليل على صحة ما نذهب إليه إجماع العلماء على الاحتجاج بلغة القوم فيما يختلفون فيه أو يتفقون عليه، ثم احتجاجهم بأشعارهم، ولو كانت اللغة، واضعة واصطلاحاً لم يكن أولئك في الاحتجاج بهم بأولى منا في الاحتجاج لو اصطلحنا على لغة اليوم ولا فرق.

ولعل ظاناً يظن أن اللغة التي دللنا على أنها توقيف إنما جاءت جملة واحدة وفي زمان واحد. وليس الأمر كذلك بل وفق الله جل وعز آدم عليه السلام على ما شاء أن يعلمه إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه وانتشرت من ذلك إلى ما شاء الله، ثم علم بعد أدم عليه السلام من عرب الأنبياء صلوات الله عليهم نبياً نبياً ما شاء أن يعلمه، حتى انتهى الأمر إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فآتاه الله عز وجل من ذلك ما لم يؤت أحداً قبله، تماماً على ما أحسنه من اللغة المتقدمة، ثم قر الأمر قراه فلا نعلم لغة من بعده حدثت. فإن أخطأ أحد في اللغةوجد من نقاد العلم من ينقيه ويرده.

ونقطة أخرى أنه لم يبلغنا أن قوماً من العرب في زمان يقارب زماننا أجمعوا على تسمية شيء من الأشياء مصطلحين عليه، فكنا نستدل بذلك على اصطلاح كان قبلهم. وقد كان من الصحابة رضي الله عنهم ـ وهم البلغاء والفصحاء ـ من النظر في العلوم الشريفة ما لا خفاء به وما علمناه اصطلحوا على اختراع لغة أو أحداث لفظة لم تتقدمهم.

ومعلوم أن حوادث العالم لم تنقضيإلا بانقضائه ولا تزول إلا بزواله وفي ذلك دليل على صحة ما ذهبنا إليه من هذا الباب. ورد ابن جني على النظرية بتأويل الآية )وعلم آدم الأسماء .. (بأنها قد تحتمل أن الله تعالى أقدر الإنسان على وضع الألفاظ.

وفي العهد القديم، سفر التكوين: ( الله خلق من الطين حيوانات الحقول وجميع طيور السماء ثم عرضها على آدم ليري كيف يسميها وليحمل كل منها الاسم الذي يضعه لها الإنسان، فوضع آدم أسماء لجميع الحيوانات المستأنسة ولطيور السماء ودواب الحقول ..). ويقول الأستاذ الدكتور / علي عبد الواحد: أن ككل هؤلاء يقررون بأن اللغة التوفيقية إلهامية ولكن أصحاب هذه النظرية لا يكادون يقدمون بين يدي مذهبهم دليلاً يعتد به. وأما أدلتهم النقلية فبعضها يحتمل التأويل وبعضها يكاد يكون دليلاً عليهم لا لهم.

النظرية الثانية:

تقول بأن اللغة اصطلاحية حدثت بالتواضع والاتفاق وارتجال ألفاظها ارتجالاً ومن أهم من تكلموا عنها ابن جني(3)يقول: (هذا موضع محرج إلى فضل تأمل، غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تراضه واصطلاح لا وحي (وتوقيف) ويشرح رحمه الله ذلك بقوله: وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لا بد فيه من المواضعة قالوا: وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعداً فيحتاجون إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات، فيضعون لكل واحد منها سمة ولفظاً ثم يقول رحمه الله: (أن كل اللغات تجري على هذا المنوال ثم يتولد منها لغات كثيرة، ولكن لا بد لأولها أن يكون متواضعاً عليه بالمشاهدة والإيماء).

وقال أصحاب هذا الرأي: إن القدير سبحانه لا يجوز أن يوصف بأنه يواضع أحداً من عبادة على شيء، إذ قد ثبت أن المواضعة لا بد لها من إيماء وإشارة بالجارحة نحو المومأ إليه، والمشار نحوه، والقدير سبحانه لا جارحة له فيصح الإيماء والإشارة بها منه.

ثم قالوا: ولكن يجوز أن ينقل الله اللغة التي قد وقع التواضع بين عباده عليها، بأن يقول: الذي كنتم تعبرون عنه بكذا عبروا عنه بكذا، والذي كنتم تسمونه كذا ينبغي أن تسموه كذا، وجواز هذا منه ـ سبحانه ـ كجوازه من عباده.

ويعلق ابن جني رحمه الله قائلاً: إلا أنني سألت يوماً بعض أهله، فقلت: ما تنكر أن تصح المواضع من الله تعالى؟ وإن لم يكن ذا جارحة، بأن يحدث في جسم من الأجسام، خشية أو غيرها، إقبالاً على شخص من الأشخاص، وتحريكاً لها نحوه، ويسمح في نفس تحريك الخشية نحو ذلك الشخص صوتاً يضعه اسماًله، ويعيد حركة تلك الخشية نحو ذلك الشخص دفقات، فتقوم الخشية في هذا الإيماء، وهذه الإشارة مقام جارحة ابن آدم في الإشارة بها في الواضعة ثم يعقب قوله: وأعلم فيما بعد، أنني علم تقادم الوقت، دائم التغير والبحث عن هذا الموضع، فأجد الدواعي والخوالج قوية التاذب لي، مختلفة جهات التقول على فكري، وذلك بأنني إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة، وجدت فيها من الحكمة والدقة، والإرهاف والرقة، ما يملك على جانب الفكر، حتى يكاد يطمح به أمام غلوة السحر، وانضاف إلى ذلك وارد الأخبار المأثورة بأنها من عند الله عز وجل فقوي في نفسي اعتقاد كونها توفيقاًمن الله سبحانه وأنها وحي، ثم أقول في ضد هذا. كما وقع لأصحابنا ولنا تنبهوا وتنبهنا، على تأمل هذه الحكمة الرائعة الباهرة، كذلك لا ننكر أن يكون الله تعالى خلق من قبلنا ـ وإن بعد مداه عنا ـ من كان ألطف منا أذهاناً وأسرع خواطر، وأجرأ جفاناً فأقف بين هاتينالخلتين حسيراً، وإن خطر خاطر فيما بعد يعلق الكف بإحدى الجهتين ويكفها عن صاحبتها قلنا به، وبالله التوفيق.

وهكذا انتهى بحث ابن جني عن نشأة اللغة أو الكلام البشري بالحيرة والتردد وعدم الجذم وهذا إحساس صادق لعالم كبير كما سترى في سياق البحث.

ويعلق الأستاذ الدكتور / علي عبد الواحد وافي في كتابه(4)بقوله: وليس لهذه النظرية أي سند عقلي أو نقلي أو تاريخي، بل إن ما تقره ليتعارض مع النواميس العامة التي تسير عليها النظم الاجتماعية، فعهدنا بهذه النظم أنها لا ترتجل ارتجالاً ولا تخلق خلقاً، بل تتكون بالتدرج من تلقاء نفسها.

هذا ولأن التواضع على التسمية يتوقف في كثير من مظاهره على لغة صوتية يتفاهم بها المتواضعون فما يجعله أصحاب هذه النظرية منشأ للغة يتوقف هو نفسه على وجودها من قبل.







توقيع : عمرو عبده
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
[img]http://img148.**************/img148/7069/2593sc.gif[/img]
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
رد مع اقتباس مشاركة محذوفة