09 / 02 / 2006, 54 : 09 PM
|
المراقب العام والناطق باسم الادارة
|
المنتدى :
القصص والروايات |
تاريخ التسجيل |
العضوية |
الدولة |
العمر |
المشاركات |
بمعدل |
المواضيع |
الردود |
معدل التقييم |
نقاط التقييم |
قوة التقييم |
29 / 12 / 2005 |
1365 |
مهاجر بلا وطن ..؟ |
41 |
1,754 |
0.25 يوميا |
|
|
266 |
10 |
|
|
|
|
؛.؛.قصة قصيرة...لعنة الفقــــــــــر؛.؛.
عندما توقفت قدماي عند نهاية الشارع..
كانت إضاءة المحلات التجارية خافتة..ربما لانعدام الكهرباء..أو ربما لطول غياب الأحبة...
المارة...متباعدين الخطى
والصمت يلف الأجواء....
ولم يكن شاهد الموقف..
سوى قطرات المطر التي تتزاحم سباقاً على كتفي المبلل
كنت قد خرجت للتو من منزلي...
مثقلاً بهموم النتيجة النهائية لآخر أيام دراستي الجامعية..
أدرت بناظري في جميع الاتجاهات..فجاءه لاح لي سواد عباءة على الجانب الآخر من الشارع...
كنت أتساءل مالذي أتى بها في هذا المكان...!!؟
وفي هذه الساعة الماطرة...!!؟
ربما لديها مشكلة ما...!!
اتجهت إليها تسبق خطواتي المبللة..أسئلة حملتها معي..وقع الكثير منها عند ملامسة قدمي لحافة الرصيف القابعة عليه...
اقتربت منها...وجدت امرأة في خريف عقدها الرابع..
ممسكة بمظلة صغيرة..
اتخذت منها قطرات المطر الساقطة بشدة طريقاً آمناً لرأس طفلتها الصغيرة المرتمية إلى أحضانها الرثة...
كانت تسعل سعالاً لاأظنه يمهلها طويلاً..وبقدر ماكانت تخفيه..كان الألم يمزق صدرها..وينقص من عمرها..
لم تلق لوجودي أية اهتمام...
دار في تفكيري الكثير من التساؤلات...!!
ماذنب هذه السيدة حتى تتواجد في هذه الساعة..وهذا المكان..
وهذا الجو الماطر..!!؟
ماذنبها حتى تتكبد عناء انتظار صدقات المحسنين..التي قد لاتتجاوز في نهاية اليوم حفنة ريالات...!!؟
ماذنبها حتى تقاسي نظرات المارة والمرتزقة ومن يتربص بها دوائر السوء...!!؟
ماالذي اقترفته حتى تقضي ماتبقى من عمرها على قارعة الطريق...!!؟
..عندها استفاقت طفلتها لتقول لها بنبرات يغلبها اليأس من الإجابة..وطول الانتظار..
أمي متى سنعود..؟؟أريد أن أنام تعبت..تعبت..لاأريد طعاماًً أريد أن أنام..أريد أن أنام..
رأيتها وكأني بها قد سأمت من بلل المطر الذي عاث فساداًً بشعرها الأشقر القصير...
لماذا قدر لهذه الصغيرة أن تعيش حياة البؤس والعوز..!!؟
لماذا قدر لها مواجهة المحن وهي لازلت غضة العود...!!؟
لقد رضعت الفقر من ثدي الليالي القاسية..دونما ذنب اقترفته
يداها الرقيقتان..!!؟
ولربما امتد بها العناء سنين طويلة..دون الوصول لنهاية سعيدة طالما روادها حلم تحقيقها...
وجه بريء رسمت ملامح الشقاء عليه خطوط لن تنمحي بسهولة..
فجروح معاناة الصغر تكون غائرة في أعماق الذاكرة..
تسرق بوادر الفرح القادمة..وتلقي بظلال البؤس على مشاعر السعادة...
لم يكن معي سوى ريالات قليلة كنت ادخرتها لشراء بعض الصحف والقليل من الأغراض الشخصية...
وضعتها دون أنظر إلى وجه الطفلة التي ظلت ترمقني بنظرات بائسة...
وقفت بعيداً انتظر ماسيحدث..
ابتعدت وكانت دعواتها بسعة الرزق والحياة الطيبة لازالت تعانق مسامعي..
رجلان يمران بجانبها وصوت ضحكاتهما يجلجل يتوقف أحداهما ويضع ماتيسر معه من نقود ويواصلان سيرهما..
وهذه امرأة تقف عندها طويلاً وكأنها تشير عليها بالذهاب..
لكنها لاتستجيب.. فيبدو أنها لم تجمع مايكفي حتى الآن لشراء عشاء يكفي لسد رمق أبناءها...
وبعد برهة من الزمن..
نهضت وأخذت تلملم حاجيتها..وسارت باتجاه أحد المطاعم القريبة..وأعطت ابنتها حصيلة مامعها من نقود...
كانت خطواتها مثقلة بالكثير من الأحزان والحسرة والقهر...
لم تكن الطفلة تدرك ماتقاسيه أمها لذلك خرجت سعيدة بغنيمة هذا اليوم من طعام ومحتفلة بعودتها للمنزل..
فقد توقفت أمانيها عند هذا الحد...ورضيت بأقل من القليل...
عندها أدركت لعنة الفقر إذا حلت..كيف تقضي على الأمل
في قلوب الأطفال..كيف يعيشون دون هدف سوى الحصول على لقمة ليومهم...
كيف تزرع في نفوسهم الحرمان من أدنى حقوق الطفولة والبراءة...
كيف تقوض أحلامهم..عندما يرون فعلتها في منهم أكبر سناً..
أتسأل كم مضى لهذه الأربعينية من سنوات غارقة في بؤسها..؟
كم مضى لها تجفف دمعها بخرقة بالية نسجت خيوطها على وجناتها....؟
لكن ماتأكدت منه هو أنها لاتريد لهذه الصغيرة حمل رايتها من بعدها..
فيكفي عذاباتها هي ويكفي ماقاسته من سنين...
فهي لاتريد أن تعيش هذا الشقاء من جديد مع ابنتها...
راقبتها تمشي..مثقلة الخطى...
كأن خناجر الشقاء اجتمعت كلها واستقرت في خاصرتها..
تمني نفسها بإشراقة يوم جديد..
عله يزيح قليلاً من الأحزان...
كانت غارقة في التفكير مما جعلها لاتلتفت لصيحات ابنتها
خلفها..بوجود سيارات عابرة...رغم ارتفاع صوت أبواقها...
إلا أنها لم تلتفت...
سقطت مغشياً عليها قبل أن تمسها أي سيارة..
سارع أحد المحسنين فحملها ووضعها جانبا على الرصيف
تجمهر حولها الناس بما فيهم أنا..
كانت تهذي بكلام غير مفهوم..
لم نسمع منه سوى...
أبعدوني عن هذا الرصيف..لاأريد أن أموت على ذات الرصيف..
ارتمت ابنتها في أحضانها...لكن بعد فوات الآوان...
صرخت طويلاً وكأنها على علم بماحدث..
..وكأني بها تتحسر ألماً لماذا أنا من قدر له حضور هذا المشهد من بين إخوتي....
هل لأني أشقاهم حظاً..وأكثرهم تأثراً بها..!!؟
أم هذه خارطة لعذاب جديد..وفاتها بين يدي أول محطاتها...!!؟
كانت دموعها سحابة أخرى تمطر على خديها الناعمتين..
...الجميع يلفهم الوجوم وتغشاهم السكينة,فهي عاشت لسنين طويلة بينهم الكل يعرفها,لكنهم لم يلتفوا حولها إلا اليوم..
زمان قاسي...حتى آخر أمنية في حياتها رغم بساطتها
لم يجد بتحقيقها...وهي التي جادت بالكثير.....
ماتت وأحييت معها جبالاً من الأسى والحرمان والحزن العميق...لمن تبقى بعدها من أطفال..
ولازلت سحابة أحزان ذلك اليوم تنهمر...
|