عرض مشاركة واحدة
  المشاركة رقم: 15  
قديم 26 / 02 / 2006, 21 : 02 AM
الصورة الرمزية شهد الحياة
شهد الحياة
عــــضو مؤسس ثاني
كاتب الموضوع : شهد الحياة المنتدى : الثقافة الاسلامية 2005-2010
تاريخ التسجيل العضوية الدولة المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
11 / 02 / 2006 1636 القاهرة - م نصر 1,591 0.23 يوميا 261 10 شهد الحياة is on a distinguished road
شهد الحياة غير متصل

مشاركة: الغزوات الاسلاميه

معركة ذات الصواري

كان للدولة البيزنطية في العصور الوسطى السيطرة والسيادة على البحر الأبيض المتوسط بلا منافس، فعلى شواطئه الشمالية امتدت أملاكها إلى شبه جزيرة البلقان والجزر الملحقة بها وآسيا الصغرى، ومن الشرق كان تتبعها سورية وفلسطين، ومن الجنوب مصر وشمالي إفريقية، كذلك امتد سلطانها السياسي إلى وسط وجنوبي إيطاليا، وبعض بلاد محددة ولفترة قصيرة على الساحل الجنوبي لإسبانيا القوطية.

وكان لبيزنطة أسطول دائم ومهيب، وعدة قواعد بحرية، ودور للصناعة (صناعة السفن) في القسطنطينية وعكا والإسكندرية وقرطاجة، وسرقوسة بصقلية ورافنا بإيطاليا وغيرها، فقد بلغت عنايتها بالسلاح البحري أقصاها منذ عهد «جستنيان» (يوستانيوس) في منتصف القرن السادس الميلادي، وعهد هرقل قبل منتصف القرن السابع ومن جاء بعده من الأباطرة.

وإلى جانب الأسطول البحري، كان لبيزنطة عدد من السفن التجارية تستخدم في عمليات نقل الجند والإمدادات، وكان تتحكم في منافذ البحر الأبيض: القسطنطينية ومصر وسبتة، مما استحال معه دخول أية تجارة خارجية إلى هذا البحر دون موافقتها، وشملت تجارتها العالم كله آنذاك.

الأسطول الإسلامي
ولم يكن للمسلمين عهد بركوب البحر أو الحرب في أساطيله، لكنهم وجدوا - خلال فتوح الشام – أن الأسطول البيزنطي مصدر تهديد خطير ومباشر لأمنهم وأمن المناطق المفتوحة واستقرار الإسلام فيها، فأدركوا أن بناء أسطول إسلامي ضرورة «استراتيجية» حيوية، فكان نواة هذا الأسطول من السفن التي وجدوها في موانئ االشام ومصر، ثم انطلقوا إلى صناعة السفن في دور الصناعة، وهكذا دخل السلاح البحري في «الاستراتيجية» العسكرية الإسلامية لأول مرة في تاريخ المسلمين،[1] وبدأ هذا السلاح الناشئ بسرعة مذهلة في ممارسة العمليات البحرية.

وكان من الطبيعي ألا تقف بيزنطة مكتوفة الأيدي أمام تلك القوة البحرية التي قامت في البحر الأبيض المتوسط، وأصبح تحت يدها أغلى ما كانت تملك من دور للصناعة وقواعد بحرية في عكا والإسكندرية، مما يشكل تهديداً خطيراً لسيادتها التي امتدت زمناً بلا منافس.

واتخذت العمليات البحرية للأسطول الإسلامي شكلين: الأول، عمليات تستهدف غزو جزر البحر الأبيض ذات الأهمية «الاستراتيجية» في تأمين الشام ومصر؛ والثاني، عمليات القتال البحري ضد أسطول بيزنطة مثل معركة ذات الصواري موضوع هذا البحث.

أسباب المعركة
تقدم المصادر والمراجع العربية والأجنبية أسباباً مختلفة لمعركة ذات الصواري البحرية، نذكر أهمها فيما يلي:

إجهاض قوة البحرية الإسلامية النامية. يقول أرشيبالد. د. لويس بعد أن تحدث عن غزو الأسطول الإسلامي لقبرص: "ويظهر أن الغارات التي انتهت باحتلال الجزيرة أثارت حماسة الدولة البيزنظية نحو البحر، ودفعتها للقيام بعمليات بحرية جديدة، وكان هذه العمليات قد توقفت منذ فشلها في معركة الإسكندرية عام 645 م – 25 هـ. أعدّ قنسطانز الثاني خليفة هرقل أسطولاً كبيراً تراوح عدده من 700 إلى 1000 سفينة شراعية، والتقى هذا الأسطول في السنة ذاتها بأسطول صغير مشترك بين العرب والمصريين مكون من 200 سفينة أقلعت من شواطئ سورية قرب موضع يقال له فونيكس Phoenicus بآسيا الصغرى، وتعرف هذه الواقعة بواقعة ذات الصوراي." [2]
ويقول إرنست وتريفور ديبوي: "لقد بدأ العرب بشدة في تحدي سيادة بيزنطة البحرية، وهزموا أساطيل الإمبراطور قنسطانز الثاني واستولوا على بعض الجزر شرقي البحر الأبيض المتوسط." وفي موضع آخر يقول: "وفي البحر استولى المسلمون على رودس 654 م، وهزموا أسطولاً بيزنطياً يقوده قنسطانز بنفسه في معركهة بحرية عظمى خارج ساحل ليكيا (655 م)."

ويقول الدكتور عبد المنعم ماجد: "ويظهر أن النشاط المتزايد من قبل العرب أخاف بيزنطة بحيث إن الإمبراطور قنسطانز الثاني (642-668 م) جمع عدداً من المراكب لم يجمعها من قبل تزيد على ألف مركب، وسار بها بقصد ملاقاة أسطول العرب، أو بقصد احتلال الإسكندرية العظمى كبرى موانئ البحر الأبيض، فخرجت إليه أساطيل العرب في أعداد كبيرة بقيادة عامل مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح." [3]

انتقام البيزنطيين لما أصابهم على أيدي المسلمين في إفريقية واسترداد مصر. وذلك ما يراه الطبري حيث يقول: "وخرج عامئذٍ قسطنطين بن هرقل لما أصاب المسلمون منهم بإفريقية."[4] ويتفق معه في ذلك ابن الأثير فيقول: "وأما سبب هذه الغزوة فإن المسلمين لما أصابوا من أهل إفريقية وقتلوهم وسبوهم، خرج قسطنطين بن هرقل في جمع له لم تجمع الروم مثله مذ كان الإسلام." [5]
وقال عبد الرحمن الرافعي وسعيد عاشور: "وفي سنة 34هـ - 654 م خرج الإمبراطور قنسطانز الثاني على رأس حملة بحرية كبرى في محاولة للاستيلاء على الإسكندرية واسترداد مصر من العرب." [6]

إجهاض تدابير المسلمين لغزو القسطنطينية عاصمة بيزنطة. وذلك هو ما يراه المؤرخ البيزنطي تيوفانس حيث يقول: "في هذا السنة جهز معاوية –رضي الله عنه- الجيش وزوده بأسطول ضخم قاصداً محاصرة القسطنطينية، وأمر بتجميع الأسطول كله في طرابلس فينيقيا. فلما علم بذلك أخوان نصرانيان [7] من أهل المدينة، هاجما السجن وحطما الأبواب وأطلقا سبيل المحجوزين جميعاً، ثم هاجموا رئيس المدينة وقاتلوه ورجاله كلهم وهربوا إلى تخوم الروم، غير أن معاوية لم يغير رأية في حصار القسطنطينية، بل جاء بجيشه –يقصد أسطولي الشام ومصر- إلى قيصرية وكيادوكيا، وعيّن أبولا باروس Abula Barus-يقصد عبد الله بن سعد بن أبي سرح – قائداً للأسطول، فقدم هذا فينيقيا إلى مكان في ليكيا Lycia [8] حيث كان الإمبراطور قنسطانز مقيماً بمعسكره وأسطوله ودخل معه في معركة بحرية."[9]
حرمان المسلمين من الحصول على الأخشاب اللازمة لصناعة السفن. وهذا السبب ذكره أرشيبالد لويس كسبب محتمل لمعركة ذات الصواري، حيث قال: "ومما يلفت النظر أن المكان الذي دارت فيه المعركة، وهو ساحل الأناضول، يزدحم بغابات السرو الكثيفة، وهو الشجر المستخدم في صواري السفن، ولعل البيزنطيين قرروا القيام بتلك المعركة ليحولوا بين الخشب اللازم لصناعة السفن هناك، وبين وقوعه في قبضة العرب، وإذا صح هذا الزعم فإنه يقوم دليلاً على أهمية الخشب في الصراع البحري بين العرب وبيزنطة."[10]
أحداث المعركة
والواقع أن الأسباب التي ذكرناها كما وردت في المصادر والمراجع التاريخية أسباب مقبولة، لأنها جميعاً تعبر عن الدوافع المنطقية التي لا بد وأن تنشأ في عقول البيزنطيين الذين رأوا أغلى ممتلكاتهم تسقط في أيدي المسلمين في الشام ومصر وإفريقية، وأدركوا خطر الأسطول الإسلامي الناشئ الذي يهدد سيادتهم البحرية في البحر المتوسط الذي أطلق على بحر الروم دليلاً على تلك السيادة.

وأيا كانت الأسباب التي ذكرت، فقد التقى الأسطول الإسلامي بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي سرح والي مصر، وكان يتألف من مائتي سفينة، بالأسطول البيزنطي بقيادة الإمبراطور قسطنطين الثاني خارج ساحل ليكيا في آسيا الصغرى (انظر الخريطة) ويمكن وصف أحداث المعركة باختصار على النحو التالي:

[1] نزلت نصف قوة المسلمين إلى البر بقيادة بُسر بن أبي أرطأة للقيام بواجبات الاستطلاع وقتال البيزنطيين المرابطين على البر، وذلك تطبيقاً لواجبات أمير البحر عندما تكون المعركة البحرية قرب البر والسوائل والجزائر، فعليه "ألاَّ يهجم على المراسي لئلا تكون مراكب العدو بها كامنة، ولا يتقدم إلى البر إلا بعد المعرفة والاحتراز من الأحجار والعشاب والأحارش التي تنكسر عليها المراكب، وإن كان القتال قرب البر والسواحل والجزائر فيجعل عيونه وطلائعه على الجبال فيتأهب لذلك.." [11]

[2] بدأ القتال بين الأسطولين – عندما أصبحت المسافة بينهما في مرمى السهام – بالتراشق بالسهام.

[3] وبعد أن نفدت السهام جرى التراشق بالحجارة، ومن أجل ذلك كانوا "يجعلون في أعلى الصواري صناديق مفتوحة من أعلاها يسمونها التوابيت يصعد إليها الرجال قبل استقبال العدو فيقيمون فيها للكشف ومعهم حجارة صغيرة في مخلاة معلقة بجانب الصندوق يرمون العدو بالأحجار وهم مستورون بالصناديق." [12]

[4] وبعد أن نفدت الحجارة ربط المسلمون سفنهم بسفن البيزنطيين وبدأ القتال المتلاحم بالسيوف والخناجر فوق سفن الطرفين.

[5] انتهت المعركة بعد قتال شديد بانتصار المسلمين بإذن الله. ونذكر فيما يلي روايات المؤرخين عن أحداث المعركة.
تابع
.







رد مع اقتباس مشاركة محذوفة