الموضوع: أحسن الأعمال
عرض مشاركة واحدة
  المشاركة رقم: 1  
قديم 10 / 03 / 2006, 59 : 10 PM
الولاء
ضيف
المنتدى : الثقافة الاسلامية 2005-2010
تاريخ التسجيل العضوية المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
10 / 03 / 2006 1727 3 0.00 يوميا 228 10 الولاء is on a distinguished road
الولاء غير متصل

أحسن الأعمال

أحسن الأعمال

بقلم: الشيخ عباس النجار


(الأحسن) هو منشود الجميع في كل ما يتعلق بحياتهم، ابتداء بمقتنياتهم الشخصية كالبيت والسيارة واللباس والموبايل، وانتهاء بطعامهم وشرابهم وأماكن سفرهم ونزههم..الخ، الكل يبحث عن أحسن هذه الأشياء وأغلبهم معياره في ذلك حواسه الخمس، حتى اختيار الزوجة أصبح اليوم يخضع للمعايير الحسية أكثر من غيرها لدى قطاع كبير من الشباب، وطالما الأمر كذلك فإن الناس قد تختلف قليلاً أو كثيراً في تحديد الأحسن منها تبعا لاختلاف معاييرهم في الذوق المادي لهذه الأشياء، ولكن ماذا عن أحسن الأعمال التي لا تخضع في تقييمها للحواس، هل تشغل بال أكثرنا؟ وهل ثمة معيار لدينا يحدّد الأحسن من الأعمال؟ أم أنه نسبي أيضاً وخاضع للمعايير الشخصية، فما هو حسن عند شخص قد يكون سيئاً عند آخر؟ إذنْ فقد فقدنا المعايير الصحيحة التي نقيس بها الأمور! وأعتقد أن فقدان هذه المعايير هو أحد أسباب أزمتنا الحالية، مع أن مفهوم الـ"أحسن" يُفترض فيه أن يكون واضحاً بدليل استخدام القرآن الكريم لهذا الوصف كثيراً والدعوة إلى تمثّله في حياتنا اليومية على أصعدة مختلفة ومع أطراف شتى كقوله تعالى:

(وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)(الأنعام:152)

(وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(النحل:125)

(وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(الإسراء:53)

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)(المؤمنون:96)

(وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ)(الزمر:55)


استوقفتني كثيراً هذه الآيات فهي تطالب بأحسن السلوكيات وأحسن الأعمال في العديد من تصرفاتنا اليومية، وكلها أوامر أو نواهٍ ينبغي الالتزام بها، فكيف السبيل إلى ذلك دون معرفة الأحسن في كلٍ منها؟ وهل هو واحد في جميعها أم أنّ لكل جانبٍ أحسنه، وما هو المشترك بينها؟


أعتقد أن الجواب نجده في الآية الكريمة: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:18)، فمعيار الأحسن يحدّده الهدى الإلهي (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ)، والعقل الإنساني (وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)، فهما متوافقان دائما ولا يتعارضان أبدا. فالعقل السليم يدرك الحسن والقبح لأنهما ذاتيان وهو مبرمج على معرفة ذلك، وليس الحسن والقبح شرعيين بحيث أنّ ما حسّنه الشرع فهو يمتلك تلك الصفة لأنها أُضيفت إليه من قبل الشرع ولولا ذلك لما كان حسناً بل لو قبّحه لصار قبيحاً فلو قبّح الصدق لأصبح قبيحاً! لا ليس الأمر كذلك فإن الشرع والعقل لا يتناقضان، نعم قد يشتبه الأمر علينا في مسألة ما فإنّما نتيجة فهم قاصرٍ أو خاطئ يحول دون إدراك الحقيقة.


لا شك أن العلوم الربانية وما جاءت به الرسل والأنبياء أوسع وأعمق مما لدى الإنسان، والدليل على ذلك ما يزال قائما لمن عرف القرآن وتدبر آياته، فقد يغيب عن عقل الإنسان معرفة الأحسن في بعض مواقفه المصيرية ولذلك وُعد منذ البداية بالهدى لإرشاده (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)(طـه:123)، ومع نزول خاتمة الرسالات السماوية لم يبق إلا العقل وسيلة لتفعيل تلك الرسالة، يصف أحد العارفين القرآن بأنه (رسائل من ربنا نتدبّره بالليل، وننفذّه بالنهار).


فالحُسن العقلي هو مرتبة من الحسن القرآني، ولاختلاف مستويات عقول الناس يكون التكليف بعمل الأحسن على المستوى الفردي خاضعا لمستوى عقل الفرد نفسه (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة:286)، وأما على مستوى التكليف الجماعي فيكون خاضعا لمستوى عقول الجماعة، وهنا تظهر الحاجة الملحة لتحديد الآلية الصحيحة التي بها يمكن جمع الآراء وحل إشكالاتها للوصول إلى أحسن نتائج التفكير الجماعي ومن ضمنها نتائج الأبحاث العلمية المتعلقة بالموضوع محل النظر، ثم إن لكل موضوع أحسنه سواء أكان في الأخلاق أم السياسة أم الاقتصاد أم الاجتماع، وقد يتطور الحسنُ إلى أحسن منه مع زيادة وعي الإنسان وعلمه ولذلك جاء التكليف بعمل الأحسن مفتوحاً على احتمالات التطوير والتحسين مع مرور الزمن، فالتطور المعرفي المتراكم يفتح آفاقا جديدة للتعامل مع مال اليتيم بطريقة أفضل من مجرد المحافظة عليه من التلف من قبل وليّه الفرد، أو الأخذ منه بقدر الحاجة الملحة فقط عند الاضطرار، إلى إنشاء المؤسسة التي تعنى بمال اليتيم وبإنمائه وتكثيره واستثماره ضمن مشاريع تعود على اليتيم والمجتمع بالفائدة.


إنّ تفعيل دور العقل -بعيداً عن أهواء النفس ورغباتها- في البحث عن الأحسن دائما، كفيلٌ بالتوصّل إلى أنجح الطرق لحل مشاكلنا المتراكمة، فكثيرة هي القضايا المطروحة السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية وهي بحاجة إلى مناقشة عاقلة تصبّ محصلتها النهائية في خدمة الوطن والمواطن بعيدا عن التوظيف السياسي أو الفئوي أو الطائفي أو الشخصي للملفات الساخنة، وذلك بتوخي أحسن السبل للمعارضة، ولإدارة الجمعيات، ولإقامة التحالفات، وللتعامل مع الخصوم أو الآخر المختلف، أحسنها لخدمة المؤسسات والوطن ولتحسين أحوال الناس وحل مشكلة الفقر والبطالة والأحوال الشخصية، أحسنها للدعوة إلى الدين وتبليغ الهدى، أحسنها إعلاميا وسياحيا ونيابيا..الخ، طبعا من حق الناس أن تختلف في نظرتها لتلك المشاكل وطرق حلها ولكن ليس من حق أحد أن يستعمل قوة عضله بدل عقله لفرض الحل على الآخرين وإلا أصبحنا كائنات أخرى غير هذا الإنسان! وإنما المطلوب البحث من بين تلك الحلول عن أحسنها بالدليل والبرهان.


لقد خلق الله سبحانه الإنسان في أحسن تقويم، وأُريد له بهذا أن يكون الأحسن عملا في جميع مناحي الحياة ليعكس أثر السماء على الأرض (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الكهف:7) فالهدف من وجوده هو بلوغ الأحسن.


(اللهم صل على محمد وآله وبلّغ بإيماني أكمل الإيمان واجعل يقيني أفضل اليقين وانتهِ بنيتي إلى أحسن النيّات وبعملي إلى أحسن الأعمال).




قسم النشر والإعلام
جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية
www.tajdeed.org
information@tajdeed.org







رد مع اقتباس مشاركة محذوفة