الموضوع: حتى إشعار آخر!!
عرض مشاركة واحدة
  المشاركة رقم: 1  
قديم 10 / 04 / 2006, 22 : 04 PM
الصورة الرمزية ندى أحمد كابلي
ندى أحمد كابلي
امرأة من كوكب آخر
المنتدى : اقلام صحفية 2005-2010
تاريخ التسجيل العضوية الدولة المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
05 / 02 / 2006 1502 خارج الجرّة والمجرّة 506 0.07 يوميا 240 10 ندى أحمد كابلي is on a distinguished road
ندى أحمد كابلي غير متصل

Thumbs up حتى إشعار آخر!!

الجزيرة/الثقافية
الاثنين 12 ربيع الاول 1427
العدد : 148


أمل زاهد:

أسقط في يد تلك السيدة التي كانت تصلي إلى جانبي في أحد المساجد، ولم تتمكن
من الإجابة، بعد أن سمعت سؤالي الذي تلا مباشرة موعظة كانت قد شنفت أذني بها
عن كيفية رفع الأصبع في التشهد، وانطلقت تشرح لي بحماس بالغ الوضعية الصحيحة
مفندة مواضع الخطأ، ومؤكدة أن الوضعية التي كنت أتخذها في صلاتي قد جانبت الصحة.
فما كان مني إلا أن سألتها: هل كنت تصلين يا عزيزتي كما كان يخيل إليّ أنك تفعلين
أم تراقبين حركاتي وسكناتي وإيماءاتي وأنامل يدي؟؟!!.

تمر بنا جميعا حادثة كالتي ذكرتها آنفا، فهناك دائما من يحاول أن يوجهك فيما تفعله
أثناء الصلاة أو قبلها أو بعدها، ويناقشك في أصغر الصغائر المتعلقة بشكل العبادات
وليس بجوهرها ولبها وفلسفتها!!.. فللأسف الشديد أصبح كثير من أفراد مجتمعنا جوقة
من الوعاظ الذين لا يملون من تكرار نفس النغمة ومن ترديد نفس الرتم، الذي يجرد ديننا
من معانيه ويسلبه جوهره وأهدافه، ليحتل الإسلام الشعائري الساحة، وتتوارى القيم
والمعاني التي من أجلها شرعت الشعائر خجلة مترددة خلف الستار؛ لأنها صارت تلعب
الدور الثانوي والسنيد، بدلا من أن تحتل البطولة والأولوية على مسرح حياتنا.

فالشعائر في حد ذاتها ليست هدفا أو غاية ولكنها وسيلة، تساهم وتساعد في تشكيل
شخصية الإنسان المسلم وفي تكوين وجدانه، فتربي فيه الضمير وتحرك داخله الدوافع
كي يسمو بنفسه ويرتقي بذاته
ويحرر نفسه من العبودية بكافة أشكالها وألوانها (إلا لله سبحانه وتعالى)، وتضعه على بداية
الطريق الذي يمكنه من أخذ وضعيته كي ينطلق في مهمته السامية والشاقة في خلافة الأرض
وإعمارها، وفي حمل الأمانة التي أشفقت السماوات والأرض والجبال من حملها.
كما تساعده في التغلب على ضعفه البشري، وتساهم في حل تلك المعادلة الصعبة التي يموج
بها تكوينه، الذي يجمع بين مادية الطين وشفافية الروح وسموها، والذي يضعه ما بين
حجري الرحى.. ما بين جسد يشده إلى الأرض وشهواتها، وروح تتوق إلى التحليق في
سماوات الرقي والرفعة.

وللأسف بات تلميع الخارج وتزيينه وصقله، أكثر أهمية من بناء الداخل ومحاولة تدعيم
أسسه وترسيخ قيمه وتأصيل جذورها، فتحول كثير من أفراد المجتمع إلى مجموعة
من الموسوسين والمهووسين بالإتقان الخارجي للشعائر دون الحرص على نقاء القلب
وطهارته وعلو الروح وشفافيتها.

فهذا يهتم بكمية لعابه والخوف من ابتلاعه أثناء الصيام، أو بقطرة العين التي من الممكن
والمحتمل أن تفطره بالرغم من حاجته الصحية لها، وذاك يعطي جل اهتمامه لحركة يديه في
الصلاة أو وضعية قدميه أثناء السجود، وثالث يسكنه هاجس الطهارة فلا ينفك يتشكك في
صحة وضوئه وتمام طهارته.. وآخر يهتم بأن يكون في الصف الأول في المسجد ولا يبالي
إن كان قد أغلق بسيارته على مُصَلّ آخر المنافذ إذا ما أراد الانصراف قبله.. وهلم جرا.

وانحسرت القيم والمبادئ التي جاءت الشعائر لترسخها كالعدل والمساواة والحرية والصدق
والتسامح والرحمة، فاتحة الأبواب على مصراعيها لقشور الأمور دون لبابها، ولظواهرها
عوضا عن بواطنها ومراميها، فتفرغت هذه الشعائر من محتواها وجردت من أهدافها.
وفي الحقيقة أن العقدين الأخيرين من القرن العشرين شهد تنشيطا للتدين الشعائري، وذلك
في جميع أنحاء عالمنا الإسلامي المترامي الأطراف، وشبه إهمال وتجاهل للتدين الدنيوي
الذي يندرج تحته أدب التعامل وحسن الخلق، والتسامح مع الآخر والانفتاح عليه، وبذل الجهد
في العمل ومحاولة إتقانه وربط العلم بالعمل، واحترام العمل، وإعمال العقل بدلا من النقل.

فازداد عدد المتطرفين والمتشددين، الذين يحسون بالامتياز والتفوق على سائر الناس
وذلك لمجرد أنهم يؤدون الشعائر ويتشددون في صغائر الأشياء، فيعتقدون أنهم بذلك ينالون
الحظوة، ويستحقون أعلى المراتب عند خالقهم، وأن ذلك يعطيهم الأحقية والأهلية في الحكم
على قلوب البشر وادعاء معرفة دواخلهم ونواياهم. واختفى الإسلام المتسامح مع الضعف البشري
ومع التعددية والاختلاف، وصارت صورة الإنسان المتدين قاتمة وترتبط بكراهية الدنيا ومحاربة
جميع أنواع اللهو والمتع البريئة، وانقسم الشباب إلى قسمين يسيران في اتجاهين متعاكسين
فإما متدين متشدد كاره للدنيا وناقم عليها وعلى كل محب لها
وقد يقوده هذا التدين إلى الإرهاب والتطرف، أو منفلت ومنسلخ عن أي رابط يربطه بدينه أو هويته
وصار التوسط والاعتدال أمرا نادرا ووضعا استثنائيا.
فهل نعيد إحياء قيم ديننا العظيمة ومبادئه السامية؟؟
وهل نبعث من جديد فلسفته العميقة التي قادتنا يوما إلى قيادة العالم؟؟
أم نستسلم للنوم حتى إشعار آخر؟؟.


ودمتم بخير







توقيع : ندى أحمد كابلي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أنا امرأة أُرهِقت بأحلامها
وشاخت بأمانيها
رفضت مفاهيم كوكبها الخاطئة...
فلفظها!
فجردت نفسها بكل فخر من اسمه
فهي بلا أحلام ، بلا أماني وبلا هوية أرضية
فاختارت الحياة على كوكب آخر

ويسعدني أن أكون "امرأة من كوكب آخر"


*جميع الحقوق محفوظة للكاتبة،بما فيها التوقيع*
رد مع اقتباس مشاركة محذوفة