16 / 07 / 2006, 39 : 11 PM
|
المراقب العام والناطق باسم الادارة
|
المنتدى :
اقلام صحفية 2005-2010 |
تاريخ التسجيل |
العضوية |
الدولة |
العمر |
المشاركات |
بمعدل |
المواضيع |
الردود |
معدل التقييم |
نقاط التقييم |
قوة التقييم |
29 / 12 / 2005 |
1365 |
مهاجر بلا وطن ..؟ |
41 |
1,754 |
0.25 يوميا |
|
|
267 |
10 |
|
|
|
|
مشكلة الشخص المهم جداً
اكتشف أحد الآباء في الرياض أن ابنه الصغير الذي يدرس في الصف الثاني الابتدائي يطلب من السائق أن ينزله في الشارع قبل المدرسة ليكمل هو بقية الطريق على قدميه؛ وحينما سأل ابنه عن السبب أخبره الطفل أنه لا يريد أن يراه زملاؤه يركب سيارة «وانيت غمارتين»، لأنهم يركبون سيارات فارهة أخرى؛ لهذا اضطر الطفل للكذب بأنه يركب هو الآخر سيارة «لكزز» فارهة لكي يجاريهم!
ومن الواضح أن هذا الطفل لم يمارس هذا السلوك عبثاً أو أن تصرفه هذا كان خاليًا من الدلالة الثقافية على قيم المجتمع التي تعلي من أهمية الجانب الاقتصادي في تقييم الناس. والعجيب أن هذه الظاهرة لم تكن واضحة بهذا الشكل لدى الجيل السابق، فالجانب الاقتصادي للشخص مهم ولكنه لا يعطيه درجة أعلى من بقية الناس؛ ذلك أن لدى الناس معطيات ثقافية أهم من الاقتصاد باعتبار المال عنصراً متغيراَ سريع الزوال وتلعب الصدفة أو ما يسمى بالحظ دورًا محورياً في تحصيله.
ولأن المال مرتبط بالتجارة التي كانت من نصيب عدد قليل من الناس وبخاصة ممن اكتسبوا الخبرة التجارية من خارج الجزيرة العربية فقد كان ميل الناس إلى أعمال أخرى كالزراعة والرعي والصناعة اليدوية أبرز من التجارة ولا سيما في منطقة نجد. من هنا فإن القيم الأعلى لدى المجتمع النجدي هي القيم المرتبطة بالعناصر الثابتة كالانتماء القبلي؛ وترتفع مكانة المرء وفقاً لهذا الانتماء الذي يورث ويعدّ عنصراً أساسياً في السلالة الأسرية. ولهذا فقد كان التفاوت الاقتصادي بين الناس في السابق لا يمثل مشكلة كبيرة؛ وترتب على ذلك أن الغني يقاسم الفقير ويشاركه فيما منّ الله به عليه من رزق، ولم يشعر الغني أنه أفضل من الفقير ولا أعلى منه درجة. قد يصدق هذا الكلام على منطقة نجد وأطرافها وبخاصة في الشمال والغرب وربما مناطق أخرى في الجنوب.
أما الجيل الحالي فقد دخل الجانب الاقتصادي في حياته وصار هو الذي يقرر موقع سكنه وطريقة بناء بيته ونوع أثاثه وسيارته. وظهر التفاوت بين الناس في معطيات كثيرة تبين أن هذا الشخص ثري أو فقير أو بينهما. ومن هنا فمن الطبيعي أن تبرز قيم جديدة في المجتمع يكون الجانب المالي هو العنصر الأهم فيها. ومن تلك القيم التي صارت لها دلالتها اليوم ما يمكن وصفه من خلال عبارة «شخص مهم جداً» الإنجليزية التي يرمز لها بأوائل الحروف من كل كلمة VIP. يشار إلى أن هذه العبارة ذات استخدام محدود في مكانها الأصلي؛ فلا تكاد تراها في الأماكن العامة أو أماكن الخدمات بشكل لافت للنظر كما هي الحال هنا في السعودية.
إنك اليوم لن تحتاج إلى عناء لكي تجد هذه الأحرف الثلاثة vip مكتوبة على أبواب الحلاقين وسيارات الليموزين وبعض المحلات التجارية عندنا؛ وتجدها كذلك على الشقق المفروشة وعلى باب دورة مياه أو على غرفة في استراحة على الطرق السريعة. ولو ساقتك الأقدار لاستئجار غرفة من هذه الغرف المخصصة للشخص المهم اعتقاداً منك أنها راقية من حيث نظافتها وأثاثها فستصاب بالذهول حينما تجد الباب لا يكاد يغلق والنوافذ قد تكون مكسرة والأثاث قديم وربما متهالك يحمل رائحة نفاثة من كوكتيل القاذورات المعتق، أما أرضية الغرفة فإن المبيت في الصحراء خير من النظر إليها.
ويبدو أن استخدام هذه العبارة لا يخضع لضوابط من الجهات المسؤولة عن التجارة وأماكن التأجير والبيع، ومن الواضح أن استخدامها يرجع إلى مهارة البائع نفسه في تضليل الزبائن والإيحاء لهم بأنهم مهمون أو ذوو مكانة رفيعة من خلال وضع هذه الأحرف اللاتينية أمامهم. أما مستوى الخدمات التي يقدّمها فهو ضعيف للغاية لأن الهدف ليس الخدمة ولكنها إيهام الشخص بأنه ينتمي إلى فئة vip ذلك أن كتابة اسم الفئة ترمز إلى الشخص ولا تشير إلى طبيعة الخدمة التي يعبر عنها بالنجوم في بعض المرافق.
والحقيقة أن هناك رغبة عند عدد من الناس للانتماء إلى هذه الفئة التي تعدّ فئة عليا بسبب مكانتها الاقتصادية؛ ولهذا برزت عندنا ظواهر مرتبطة بهذا الشعور، وهي ظواهر ربما لا نجدها عند غيرنا من الشعوب الأخرى. وإذا كانت فئة الميسورين مالياً لا تعاني من الضغوط الاجتماعية ذلك لأنها تملك المال وتستطيع شراء ما تريد، فإن المشكلة تظهر مع الناس الذين لهم دخل معين وليسوا أثرياء، وهم الأغلبية في مجتمعنا. فعلى سبيل المثال هناك حرص شديد لديهم على اقتناء سيارة فارهة من حيث موديلها وطرازها، والسبب في ذلك ليس أنها وسيلة نقل مريحة بل لأنها تعطي الشخص الذي يقودها إيحاءً بأنه شخص مهم!
ويتضح شعور الفرد بالنقص من خلال حرصه المبالغ فيه على أن يظهر بالمظهر المتكلَّف الذي يعتقد أنه يرفعه إلى درجة أعلى أو إلى فئة الأثرياء، اعتقاداً منه أن هذه الفئة تملك سمات غير سمات بقية الأفراد في المجتمع. ومن تلك المظاهر، السفر للخارج بدون رغبة وشراء أثاث بدون الحاجة إليه أو شراء ملابس من موديلات معينة حتى لو لم تكن مناسبة، وسواء كان ذلك حقيقة أم ادّعاء فإنه ليس بالضرورة تعبيراً عن حاجة الفرد الشخصية للسفر أو للأثاث أو الملابس بقدر ما يكون رغبة لتحقيق ما يتطلبه العيش ضمن الفئة المهمة جداً.
وهذا السلوك ولّد اضطراباً في الشخصية التي تريد أن تظهر بما ليس فيها وتدّعي ما لا تملك، وتشتري ما لا تحتاج، كل ذلك لتلبية رغبات نفسية سلبية.
إن هذا السلوك المتناقض أثر على الجانب الأخلاقي للناس فأفقدهم الصدق والبراءة والنقاء، وقيّدهم بقيود المظاهر والشعارات، وسلبهم العيش الحر والحياة الكريمة من حيث يظنون أنهم يسعون إليهما!
ناصر الحجيلان_جريدة الرياض..
|