إنها جميلة وجمالها رهيب ، سحرها عجيب ، لها جاذبية لا تقاوم ، تبهرنا ببريقها اللامع ، تدهشنا بلذتها وحلاوتها ، وتذوبنا في حبها وغرامها .
معها ننسى كل شىء ، نبحر في داخلها يوماً بعد يوم ، نغوص و نغوص في قيعان أعماقها و نتشوق لاكتشاف المزيد من خباياها وأسرارها التى لا تنتهي، وبينما نحن غارقون في جوف الاستكشاف نصطدم بغدر أمواجها الثائرة التي ترمينا على رمال الشاطئ فجأة دون سابق إنذار، فنرى تلك الجميلة الحسناء تبتعد عنا وابتسامة المكر على شفتيها ويديها تلوحان بالوداع ..الوداع الأبدي .
هذه هي الدنيا .. نعم الدنيا التي لا ينكر أحد قوتها الجاذبة لأسر القلوب و العقول ،إنها بفتنتها تغرقنا في بحار اللهو و المرح والغفلة وتشغلنا بأتفه أمورها .. آآآآه ،، كم نستمتع حين نفكر فيها ،، و كم نتلذذ حين نتعمق فيها ،، آه وآه إنها تقيدنا بالثوينات حتى ننسى الأساسيات ، وتزين الكماليات لننسى الضروريات .
جميل جداً أن نفكر ونحاول ونجرب ونستكشف ثم نخطئ ونكرر إلى أن نصنع ونبدع في أي مجال ، ولكن من المؤسف جداً أن نستخدم هذه المفردات القيمة في قاموس الدنيا فقط ونتجاهل " والآخرة خير وأبقى "
لو نفتح تلك الملفات القديمة التي غطاها غبار الزمن ، ونحاسب لحظات العمر التي أفنيت ولن تعود أبداً ، ونراجع أنفسنا بحكم ضمير حي فماذا ستكون النتيجة ؟؟؟!!!
لنأخذ يوماً واحداً من أيامنا كعينة للتجربة وعلى أساسه نقيس باقي الأيام ، منذ أن نستيقظ في الصباح الباكر إلى أن نعود إلى تلك الوسادة مرة أخرى في المساء ماذا نفعل خلال هذه الساعات ؟؟ معظم أعمالنا وتصرفاتنا منحصرة بدائرة تتكون من قوسين : أنا والناس ، فما يصدر منا خلال 24 ساعة منبعه إرضاء اللذات وإرضاء الناس ، ونتناسى إرضاء خالق هذه اللذات الفانية وهؤلاء الناس . خالق الكون ورب الأرباب ، وهو الذي لولاه ماكان لنا الحياة وما كان لنا الشهوات.
هناك لصوص تسرق أوقاتنا الثمينة وهناك من يخدعنا بأحلام فقاعية وأوهام مزيفة ، فكلنا يعلم أن هذه الدنيا فانية وزائلة ، وأننا مسافرون في رحلة لابد أن تنتهي ، ولابد أن يزورنا ذلك الضيف الذي نستعد لاستقباله وهو " ملك الموت "
فماذا سنقول له حين سيطرق الباب ؟! هل سنطلب منه الانتظار ؟؟!!
إنه لا يعرف الانتظار ، أم سنطلب منه موعداً آخر للزيارة لكنه سيرد ويقول : " وإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "
أيها القاريء لتلك الكلمات هل تضمن قراءة غيرها حتى نهاية الصفحات ؟! وأنت تقرأ هذه السطور هل تضمن أنك ستصل لنهايتها وستعرف اسم كاتبها؟ هل تضمن أنك ستقرأ رسائل أخرى غداً أو بعده ؟ لا.. لا والله ، أنت لا تضمن ثانية واحدة بعد التي تعيشها الآن فلماذا تحبها لهذا الحد؟؟؟
تمر الأيام وترحل السنون ونحن نلعب لعبة الكراسي مع عقارب الساعة ، فالعقارب لا تتوقف ، والأرض تدور ولا تتوقف لكن الدقات في القلوب والأنفاس في العروق هي من ستتوقف ..
فلنحجز أفضل كرسي للجلوس قبل أن نسمع صفارة الحكم بالانذار لأننا حينها سنطرد من اللعبة أو أنها ستنتهي .
ياهذا ،، ألا تطرق سمعك هذه العبرات ،، ألا تخشى الله والنار ،،، ألا تفكر حالك في دنياك ،،، ماذا فعلت وماذا دهاك ؟؟ ألم تتخيل نفسك في القبور المظلمة ،، حيث تكون وحدك وأنت طعام الدود ،، ألا تحرك هذه الكلمات رعشاتكم ؟ وتستلين بها نفوسكم وتقشعر بها قلوبكم ،؟
فكر ،،، فكر،، هل سيكون قبرك روضة من رياض الجنة ،،أو أنها ستكون حفرة من حفر النيران ،، فكر واختار واذا اخترت الجنة فأنت الرابح بالتأكيد ... واعلم أن كل ما تجنيه من دنياك إما سيكون لوم عليك ومطرحك في الجحيم ،، أو منجيك إلى الجنات النعيم .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا كَقِطَعِ اللّيْلِ الْمُظْلِمِ. يُصْبِحُ الرّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِنا وَيُمْسِي كَافِرا. أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنا وَيُصْبِحُ كَافِرا. يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدّنْيَا». مسلم
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ, عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنّ الدّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ. وَإِنّ اللّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ. فَاتّقُوا الدّنْيَا وَاتّقُوا النّسَاءَ. فَإِنّ أَوّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النّسَاء ِ».
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بَشّارٍ: « لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون َ». مسلم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : « الدّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنّةُ الْكَافِر ِ». مسلم
ودمتم بحفظ الله
نـور الهـدايـة
عليك بجادة السلف ولا يضرك قلة السالكين
وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين