الحليب غذاء ودواء ومعجزة علمية كبرى..وغني بجميع العناصر الغذائية الضرورية لجسم الإنسان
قال الله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ} (66) سورة النحل.
يعد الحليب ومنتجاته من أهم السلع الغذائية الإستراتيجية في حياة الشعوب ويحتل المرتبة الأولى وربما الوحيدة في المراحل العمرية الأولى من حياة الفرد لاحتوائه على العديد من العناصر الغذائية المهمة المفيدة لبنية الجسم.
وهناك عدة أنواع من الحليب أهمها حليب البقر والماعز والناقة وتختلف مكونات الحليب حسب عدة عوامل مثل سلالة الحيوان، مرحلة إنتاج الحليب، نوع العليقة المقدمة للحيوان أو المرعى، فصول السنة، درجات الحرارة، عمر الحيوان.. وهذا الاختلاف هو اختلاف كمي وليس نوعياً؛ بمعنى أن مكونات الحليب الأساسية موجودة ولكنها تختلف في نسبة توافرها.
القيمة الغذائية للحليب واللبن
يعد الحليب من الأغذية المتكاملة إلى حد كبير ويرجع ذلك لاحتوائه على العناصر الضرورية للتغذية حيث يحتوي الحليب ومنتجاته من الألبان والزبادي والأجبان ومشتقاته الأخرى على العديد من المواد الغذائية المهمة التي يحتاجها الجسم والمهمة لبناء العظام والأسنان وسلامتها، ومنها:
الكالسيوم، المواد النشوية، المواد الدهنية وبخاصة أحماضها الأساسية، البروتينات وأحماضها الأساسية، سكريات، الأملاح المعدنية، الفسفور، الماغنسيوم، الزنك، والفيتامينات ومنها (فيتامين الريبوفلافين، حمض الفوليك، فيتامين ب6، فيتامين ب12، فيتامين ج، فيتامين د)، كما يحتوي الحليب على نسبة عالية من الماء.. حيث تبلغ 78-90% من مكوناته الرئيسية أما باقي المكونات (10-22%)، فهي تمثل ما يسمى بالمواد الصلبة الكلية وهي الدهن والبروتين وسكر الحليب والعناصر المعدنية.
الدهون
تعد دهون الحليب مكوناً رئيسياً وعنصراً مهماً يوفر مصدراً أساسياً لاحتياجات الجسم من الأحماض الدهنية والمشبعة غير الطيارة والأحماض الدهنية غير المشبعة، كما توجد مجموعة أخرى ولكن بنسبة ضئيلة من الأحماض غير المشبعة لاحتوائه على الفيتامينات الذائبة في الدهون (أ، د، هـ، ك).
البروتينات
تنقسم بروتينات الحليب إلى مجموعتين رئيسيتين الأولى هي مجموعة الكازين (الفا، بيتا، جاما) والثانية هي بروتينات الشرش (البيومين، جلوبين) وتمثل مجموعة الكازين نحو 80% من البروتين الكلي ويمثل بروتين ألفا كازين 75% من الكازين الكلي وبيتا كازين 22% وجاما كازين 3% من الكازين الكلي، أما بروتينات الشرش فهي توجد بنسبة نحو 0.7% إلى نحو 20% من البروتينات الكلية من الحليب، وتبلغ الألبيومينات (ألفا لاكتوالبيومين، بيتا لاكتوجلوبين، البيومين بلازما الدم) نحو 80% من بروتينات الحليب الشرش، أما الجلوبيولينات فتمثل باقي الكمية وتعتبر بروتينات الحليب خاصة الكازين هي المكون الرئيسي لإنتاج الجبن بأنواعها المختلفة.
سكر اللاكتوز
يعرف بأنه سكر الحليب وهو سكر ثنائي يتكون من الجلوكوز والجلاكتوز ويعتبر أقل السكريات حلاوة ولا يذوب بسهولة في الماء وعادة ما يكون له طعم خاص عند تسخين الحليب كما هو حاصل في الحليب المكثف، كما أن معدل ذوبان اللاكتوز يقل بوضوح عن معدل ذوبان السكروز، ويتميز هذا السكر بأنه يشجع الأحياء الدقيقة المفيدة داخل الأمعاء على النشاط، كما أنه يساهم في الاستفادة أو امتصاص الكالسيوم.
العناصر المعدنية
يحتوي الحليب على مجموعة من العناصر المعدنية ذات الأهمية لتغذية الفرد وقد تعرف في مجموعها باسم الرماد وهو الجزء الذي يتبقى بعد حرق كمية من الحليب ويحتوي على نسبة كبيرة من عنصر الكالسيوم إذ يمد اللتر الواحد من الحليب الفرد باحتياجاته اليومية من الكالسيوم (800 ملجم) كذلك يحتوي على الفسفور والبوتاسيوم والصوديوم والماغنسيوم والكلور.
وكذلك على الفيتامينات الذائبة في الدهون والذائبة في الماء إلا أن الفيتامينات الذائبة في الدهون تشكل الأكثر نسبة في الحليب، كما يحتوي على صبغات منها ما هو ذائب في الدهن ومنها ما هو ذائب في الماء مثل صبغة الكاروتين وهي ذائبة في الدهن والريبوفلافين وهي ذائبة في الماء بالإضافة إلى الإنزيمات، وقد تم التعرف على أكثر من 50 إنزيما في الحليب وهي عبارة عن مواد تفرزها خلايا طلائية موجودة في الغدد اللبنية.
أهم المصادر الغذائية للكالسيوم
يعتبر الحليب ومنتجاته كالجبن والزبادي واللبن وبخاصة المدعمة بفيتامين (د) أهم المصادر للكالسيوم وفيتامين (د) وأن نزع الدسم من الحليب لا يؤثر على مستوى كمية الكالسيوم في الحليب، كما تعتبر أنواع الأسماك الصغيرة مثل السردين والسلمون وزيت السمك من المصادر الغنية وبعض أنواع الخضراوات الورقية تحتوي على الكالسيوم مثل السبانخ، والطماطم، اللوز، وحبوب الإفطار.
الاحتياج اليومي من الحليب
يحتاج الشخص البالغ من الحليب أو مجموعة الحليب إلى 2-3 حصص يومياً.
حصة الحليب أو اللبن تساوي 240 مل والتي تساوي 300 مليجرام كالسيوم ويمثل ربع الاحتياج اليومي.
الاحتياجات اليومية الغذائية من الكالسيوم
يحتاج الإنسان البالغ من 1000 حتى 1200 ملجم من الكالسيوم، وتحتاج النساء فوق سن الخمسين إلى 1500 ملجم، الحامل والمرضع تحتاج إلى 2000 ملجم.
- للأطفال والرضع: يعتبر حليب الأم من المصادر الأساسية للكالسيوم.
والرضع من 7 إلى 12 شهراً فهم يحتاجون إلى 270 ملجم كالسيوم- يومياً.
والأطفال من 1-3 سنوات يحتاجون إلى 500 ملجم كالسيوم- يومياً، ومن 4-8 سنوات يحتاجون إلى 800 ملجم كالسيوم- يومياً.
- الفتيات والأولاد: من 9-18 سنة: يحتاجون إلى 1300 ملجم كالسيوم- يومياً.
- الرجال: أكثر من 51 سنة يحتاجون من 1200- 1500 ملجم كالسيوم- يومياً.
أهمية الكالسيوم
بجانب أهمية الكالسيوم والمعادن الأخرى في بناء الهيكل العظمي وإعطاء العظام والأسنان القوة والصلابة المطلوبة ووظائفه الأخرى بتنشيط الإنزيمات وتنظيم ضربات القلب والانقباض الوظيفي للعضلات وانتقال النبض العصبي نجد أن له مهام وظيفية أخرى مهمة في تجديد الخلايا العظمية القديمة وذلك بتكوين خلايا جديدة نشطة بدلاً من الخلايا القديمة، حيث تمر العظام بحركة تجديد مستمرة وتستمر هذه العملية للحفاظ على قوة وكثافة العظم حتى الوصول إلى سن عمرية متقدمة وبعدها يبدأ العظم في فقدان كثافته وقوته وتكون عملية الفقد أكثر من البناء في هذه المرحلة، حيث يمكن أن تصل إلى 25% من الهيكل العظمي مما يجعله أكثر قابلية للكسر بسبب هشاشته إذا لم يكن هنالك رصيد كافي من الكالسيوم والفسفور وفيتامين (د) منذ فترة النمو وفترة الشباب حتى يحفظ للعظم قوته وصلابته ومحاولة الحفاظ على هذا الرصيد حتى بلوغ الأعمار المتقدمة والتي تمثل مرحلة فقدان الكالسيوم.. وتمثل الإصابة بهشاشة العظام السبب الرئيسي في حدوث الكسور لدى كبار السن من الرجال والنساء في سن اليأس وبخاصة الذين يتناولون بعض الأدوية لفترات طويلة مثل الكورتيزون وبعض الأدوية الأخرى، علماً بأن العامل الوراثي له دور أيضاً في تحديد كثافة العظام.
أهمية فيتامين (د)
فيتامين (د) عنصر أساسي في زيادة امتصاص الكالسيوم ويمتص الجسم الكالسيوم والفسفور من الغذاء في الأمعاء بمساعدة الجلد بعد تعرضه لأشعة الشمس وعادة امتصاصهما من الكلى ويساعد أيضاً على توازنهما في الدم مما يؤدي إلى تعزيز النسيج العظمي وزيادة صلابته.
وفيتامين (د) من الفيتامينات الذائبة في الدهون ومن مصادره الطبيعية: أشعة الشمس فوق البنفسجية والمصادر الغذائية الغنية به هي زيوت الأسماك والسردين والحليب ومنتجاته والبيض والزبد وبعض المصادر الأخرى، كما أن هنالك الكثير من الأغذية المدعمة بفيتامين (د) التي يمكن أن تسهم في امتصاص الكالسيوم والوقاية من هشاشة العظام.
أسباب نقص الكالسيوم
السلوك الغذائي والحياتي غير السليم وكثرة تناول الأغذية والوجبات السريعة الهشة والمشروبات الغازية في مراحل العمر الأولى وعدم التعرض لأشعة الشمس وإهمال تناول الأغذية الغنية فيتامين (د) والكالسيوم مثل الحليب ومشتقاته أدى إلى أن تكون هنالك مشكلة تغذية.
وقد نجد النقص الناتج عن عدم التعرض الكافي لأشعة الشمس في المناطق القطبية الباردة التي لا تظهر فيها الشمس معظم أيام السنة مما يجعل ساكنيها هم أكثر عرضة للإصابة بنقص الكالسيوم رغم توفره ولذلك نجد أن معظم أغذيتهم مدعمة بفيتامين (د) وأنهم ينتهزون الفرص للتعرض لأشعة الشمس خلال ظهورها في فترة الصيف أو السفر للمناطق المشمسة خلال عطلاتهم للتزود بفوائد أشعة الشمس.
وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية تتمتع بشمس ساطعة طوال أيام السنة وتوفر كل المصادر الغذائية الغنية بالكالسيوم وفيتامين (د) إلا أن نقص الكالسيوم يعد من المشكلات الغذائية الشائعة في المملكة التي أدت إلى لين العظام والكساح عند الأطفال وهشاشة العظام عند الكبار والمسنين والنساء لعدم تناول الأغذية الغنية بالكالسيوم وفيتامين (د) بكميات كافية مثل الحليب ومشتقاته مثل (اللبن والزبادي والجبن) مع قلة التعرض لأشعة الشمس.
أسباب هشاشة العظام
{قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}.
توجد عوامل مكملة ومساعدة للإصابة بهشاشة العظام بجانب نقص الكالسيوم وفيتامين (د) مثل التقدم في السن ونقص هرمونات الذكورة وقلة الحركة والنشاط البدني.
كما نجد أن انقطاع الطمث عند النساء في سن مبكرة يسبب خللاً في إفراز هرمونات الأنوثة من إستروجين وبرجسترون والتي من مهامها الحفاظ على قوة وصلابة العظام وأن كل امرأة من أصل أربع نساء تصاب بهشاشة العظام بسبب نقص إفراز الهرمون، وأيضاً تزداد نسبة الإصابة بعد عمليات جراحة إزالة المبيضين، كما أن النساء هن أكثر عرضة للإصابة مقارنة بالرجال وبنسبة (4 إلى 1).