14 / 03 / 2007, 32 : 06 PM
|
|
مؤسس الموقع
|
المنتدى :
اقلام صحفية 2005-2010 |
تاريخ التسجيل |
العضوية |
الدولة |
المشاركات |
بمعدل |
المواضيع |
الردود |
معدل التقييم |
نقاط التقييم |
قوة التقييم |
14 / 03 / 2005 |
1 |
المكتبة |
7,616 |
1.06 يوميا |
|
|
392 |
10 |
|
|
|
|
لحم الجربوع يطهر الفم ودمه يزيل الكلف!!
تبدأ علاقتنا بأسمائنا في السنة الأولى من عمرنا، لكننا لا ندرك مدى رضانا عنها إلا في مرحلة لاحقة وذلك عندما تصبح للكلمات معاني وللجمل تأثيرًا... وغالبًا ما يكون ذلك مع دخولنا إلى المدرسة للمرة الأولى... وأتذكر أن علاقتي باسمي بدأت في الصف الثاني الابتدائي إثر حوار سمعته من أمي مع صويحباتها وكنت ألعب حولهن، فالتقطت أذني من الحوار أن أمي عندما سجلتنا في الملفات الصحية للمستشفى وذكرت اسم العائلة بادرها مسؤول تسجيل الملفات وكان من أهل الشام: «ما لقيتوا إلا الجربوع، ليش ما سميتوا النمر أو الصقر». عرفت بعدها أن اسم عائلتي ليس هو أفضل الأسماء، وأن هناك ما هو أفضل منه...
وتمنيت أن يتغير ليكون أفضل، ولكن مضى الحال.. ونسيت الأمر إلى أن جاءت أختي يومًا إلى البيت متذمرة من معلمتها المصرية، وكان أول ظهور للمعلمات المصريات على مسرح التعليم عندنا، حيث اعتدنا على المعلمات الشاميات. ويبدو أنها أظهرت تهكمًا من اسم العائلة، فكان رد أختي أن كل واحد يسمي على بيئته، الجواب الذي يبدو أن المعلمة استحسنته وأيدته.. هذا الرد تلقفته أمي وروته باعتزاز لصويحباتها، فابنتها استطاعت أن تنتصر لاسم العائلة، وأسكتت المعلمة في ذلك الوقت الذي كاد المعلم فيه أن يكون رسولاً. وكنت ألمح على صغر سني علامات الإعجاب والاستحسان برد شقيقتي بادية على وجوههن.. فما كان مني إلا أن حفظت الرد تأهبًا لأي سؤال من هذا النوع مستقبلاً.
ويبدو أن أمي عرفت بما يجول في خواطرنا نحو اسم العائلة فكانت تمارس الإسقاط لتمرر لنا معلومات اعتقدت في تلك الفترة أنها من الدين والعلم: (لحم الجربوع يطهر الفم أربعين يومًا) (ودم الجربوع يزيل البقع والكلف من الوجه).
ومع مرور سنوات المرحلة الابتدائية عاد لي الاقتناع باسم العائلة نوعًا ما.. خاصة أن المئات من العائلات تشاطرنا الاسم نفسه وهي بأحسن حال!!
ولكن مع دخولي إلى مرحلة المراهقة بدأت نظرتي لاسمي الأول تتغير راضية باسم العائلة الذي لا يمكن لي تغييره. فاسم حصة لا معنى له عندي إلا بمعنى (الحصة الدراسية) أو(الحصة بمعنى النصيب) حيث لم يستطع أحد أن يعطيني معناه، وعندما أسأل أمي أو أبي يكون جواب أمي: أنا سميتك على اسم أمي، ويكون جواب أبي أنا سميتك على اسم خالتي، ولكن كنت أعلم أن هذا ليس معنى اسمي.
وكانت أسماء جيلي لا تبتعد كثيرًا عن اسمي لولوة.. مزنة.. هيلة.. شعيع.. رقية.. ولترسخ معنى اسمي في أذهان الجميع كنا نتبادل الطرائف حوله، وذلك عندما أسيرفي المدرسة مع زميلتي وكانت تحمل نفس الاسم، تعلق الزميلات: «حصتين بالرأس توجع»، وعندما أسير مع زميلتي لولوة يقلن حصة ولولوة والفسحة وهكذا.. كنا نضحك ونعود لنتصالح مع أسمائنا..
لكن الرغبة في التغيير ظلت عالقة في ذهني، ولكن كيف وأمي لا تزال تمارس الإسقاط من الموروث الشعبي المرة تلو المرة، وذلك عندما سألتها ذات يوم: كيف لي أن أغير اسمي؟ قالت: «اللي يغير اسمه لازم يذبح ذبيحتين (خروفين)».
يا رب من أين لي بخروفين!!
ولما جن ليل ذلك اليوم روت لنا أمي قصة أخرى قطعت الطريق أمامي نحو تغيير اسمي، ويبدو أنها تريد أن ترسل لي رسالة مفادها أن «احمدي الله على اسمك». وتقول القصة إن امرأة كان لها اسم من أبشع الأسماء لا يمكن أن يتسمى به مخلوق (....)،
أتاها طارق يطلب ماء، ولما ناداها يا أهل الدار نهرته وقالت نادني باسمي (....)؛
قال قبح الله من سماك بهذا الاسم، لم لا تغيرين اسمك؟؟
قالت ليس لدي مال لأغيره،
فعرف أنها بالإضافة إلى اسمها البشع هي بلهاء،
فرد عليها أنا أبيعك اسمًا جميلًا مقابل هذا السيف وتلك الفرس، فوافقت على الفور.
فأخذ سيف وفرس زوجها وغادر الحي فرحًا بغنيمته...
ولما جاء المساء عاد زوج المرأة وأخذ يناديها يا (...) فلم ترد، واستمر بالمناداة فخرجت عليه قائلة لا تنادني بهذا الاسم مرة أخرى، لقد اشتريت اسمًا جديدًا من أحد عابري السبيل مقابل فرسك وسيفك. فقال زوجها قبحك الله من امرأة، أنت طالق إلا لو وجدت امرأة أغبى منك، وذهب لا يلوي على شيء، ولا يعرف ماذا يفعل، إلى أن قادته قدماه إلى الحي المجاور فتوكأ على جدار أحد البيوت وقد أخذ منه التعب والأسف مأخذه...
وماهي لحظات حتى خرجت امرأة من البيت وقالت له من أنت؟ ومن أين قدمت؟
ومن تعبه رد: جئت من جهنم؟
قالت: صحيح وهل رأيت أبي؟
فرد وهو يعتقدها تمزح: نعم، ويسلم عليك!!!
فقالت عندي هدية إذا رجعت أريدك أن تسلمها له..
غابت قليلاً وعادت ومعها فرس وسيف فإذا هما فرسه وسيفه !!
وقالت بالأمس أحضرهما زوجي، وأبي أحق بهما، وسلم عليه وقل من ابنتك فلانة.
أخذهما الرجل وعاد إلى زوجته الأولى... ونادها يا (....) لقد وجدت من هو أغبى منك!!!
كانت قصة أمي كفيلة بأن أترك تغيير اسمي فهو على أي حال ليس كاسم صاحبة القصة... ولكن ظل الأمل موجودًا وظل البحث عن المعنى قائمًا....
مرت مرحلة المراهقة وتناسيت الموضوع، وانصرفت إلى القراءة، وما أنهيت المرحلة الثانوية إلا وكنت قد قرأت العشرات من الكتب والدواوين الشعرية، وكان أهمها على الإطلاق ديوان الدكتور الشاعر إبراهيم العواجي، وهو أول ديوان يكتبه بالعامية لا يحضرني اسمه، ولكن وجدت فيه ما كنت أبحث عنه طوال سنوات عمري الماضية، فما إن فتحت الديوان حتى وجدت الإهداء إلى امرأة تسمى حصة، خصها بالأبيات التالية:
حصة وأنا صياد يا طول ما أبحرت
أبحث وحص البحر جنسه فريدي
لوكان لي عقل به اختار ما اخترت
غيرك ولو كنت خيال بعيدي
بل إن الديوان أوغل في الحديث عن حصة، وكيف أنها تعني أغلى اللؤلؤ عند أهل الخليج للدرجة التي صار اسمي حينها مبعث سعادة..... حفظت الأبيات من النظرة الأولى... صار سلامي الوطني الذاتي الذي أردده لأي سائل عن اسمي...
لكن هذا السلام الداخلي لم يستمر طويلاً سرعان ما تبدد مرتين، الأولى مع دخولي الكلية حيث تركت زميلاتي في المرحلة الثانوية لألتقي بزميلات جديدات، وأول ما لفت انتباهي أسماؤهن: (منى.. مها نهلة .. أريج). اندمجت بسرعة في مجتمع الكلية... إلى أن كان ذلك اليوم... !!!
كنا في وسط المحاضرة ولا زلت أذكر ذلك جيدًا، كان الدكتور يناقش إحدى الطالبات، وكان يتحدث عن أبرز الثورات في العالم في العصر الحديث، فبادرها بالسؤال عن قائد الثورة الكوبية فلم تعرف الإجابة، فقلت بصوت مسموع فيدل كاسترو، فقال الدكتور من التي أجابت؟ وكنت لا أعرف كيف أتحدت عن طريق جهاز الدكتافون ومتهيبه من الحديث مع الأستاذ للمرة الأولى...
فقلت لزميلتي لا تقولي اسمي.. فردت عليه بأنها لا تعرف المتحدثة، وأغلقت الجهاز والتفتت إلي: ولماذا لا تقولي اسمك؟ تراك (حصة...) وبعد الجربوع أعقبتها بضحكه رنانه كأجمل وأعذب ما يكون الغنج والدلال.. وعندها وفي هذا الوسط كان من المستحيل أن أردد أبيات إبراهيم العواجي الشعرية..
والثانية مع بداية محاولاتي الكتابة في الصحافة، حيث آثرت ألا اكتب باسمي كونه لا جرس ولا موسيقى، وتعثرت بسبب ذلك، وقد حاولت تقليد الأمير خالد الفيصل عندما اختار اسمه المستعار (دائم السيف) بالنظر إلى معنى اسمه الأصلي أو مرادفه
خالد: دائم, فيصل: السيف فخرج معي الاسم الأول حصة: دانة،إبراهيم: اسم أعجمي لا معنى له أو مرادف
طيب، والجربوع: ليس له مرادف إلا فأر الصحراء...
فباءت المحاولة بالفشل كسابق المحاولات وعدت عن الموضوع برمته...
ومع انتهاء المرحلة الجامعية عدت إلى بيئتي، وتذكرت رد أختي الكبرى، وعرفت معنى أن يتناغم الإنسان مع بيئته، وقبل ذلك مع نفسه من حيث كونه إنسانًا ذا قيمة لأسرته ومجتمعه وصولاً إلى وطنه بغض النظر عن الاسم أو اللون أو العرق الذي يحمله، فكان أن أحببت اسمي كما لم أحبه من قبل....
حصه إبراهيم الجربوع - رفحاء
توقيع : SALMAN |
إذا خسرناك عضو فلا تجعلنا نخسرك زائر
الإرادة بركان لا تنبت على فوهته أعشاب التردد
حيــــــــــــــــــــــــــــــاكم الله في حسابي على تويتر :
SALMANR2012@ |
|