الموضوع: لغة البادية
عرض مشاركة واحدة
  المشاركة رقم: 1  
قديم 20 / 05 / 2005, 31 : 11 AM
الصورة الرمزية SALMAN
SALMAN
مؤسس الموقع
المنتدى : اقلام صحفية 2005-2010
تاريخ التسجيل العضوية الدولة المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
14 / 03 / 2005 1 المكتبة 7,615 1.06 يوميا 392 10 SALMAN is on a distinguished road
SALMAN غير متصل

لغة البادية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لغة البادية
بقلم : الشيخ عبد الله بن خميس
موضوع قديم جدا للشيخ عبدالله بن خميس عن البدو نشر قبل اكثر من ثلاثين سنة

الموضوع جمعت جزاين منه واترك لكم فرصة قراءتها عبر النخبة

البادية خلاف الحاضرة وجمعها بواد، وتسمى بداوة بالكسر والنسبة إليها بداوي بالفتح والكسر، وبدوي أيضاً، وهي من بدا إذا نشأ، أو إذا ظهر وبرز وهو الأرجح لبروز البادية في الفيافي والقفار.
والبادية هم سكان الوبر الذين يتتبعون مساقط الغيث ويطلبون الكلأ والمرعى لماشيتهم ولا يستقر بهم القرار في مكان معين إلا في فصل الصيف حيث يقطنون المناهل ويدنون من المياه، والبادية هي أصل العرب وسكان جزيرتهم الأولون وسفر لغتهم المعتمد، منها تكونت الحواضر وإليها ترجع الأرومات الأصيلة، ومنها تفرعت الشعوب والقبائل.
وهي في الجاهلية رمز العرب ووجههم الأمثل، وفي الإسلام - كما قال عمر - أصل العرب ومادة الإسلام، صريح اللغة وفصيحها مصدره البادية، وعادات العرب الكريمة، وتقاليدهم الأصيلة، ومميزاتهم الأثيرة مصدرها البادية والشعراء المقاويل والخطباء المصاقع والمتكلمون اللسن، أعلامهم ومبرزوهم من البادية، لم تفسد الحضارة سحنهم ولم تلن ألسنتهم، ولم تغمز لهم صعدة، ولم تفل لهم حد، يتكلمون بالسليقة والفطرة، فتفتر شفاههم عن قول فصل، وكلام جزل، وبيان سليم مستقيم، يصدر عن طبع أبي وخاطر ذكي، ولسان ذرب طلق.
هذه الصفات دفعت بالامراء والرؤساء والخلفاء وعلية القوم وذواتهم ان يبعثوا بأبنائهم إلى البادية المدرسة الأولى لتربية أصيلة تعطي الشباب إلى جانب الرشاقة وبناء الجسم بناء رياضيا متينا وتكوينا متكاملا فارها، تعطيه قوة الشخصية واستحصاد الرأي ونفاذ الإرادة، ومصادر الشجاعة والدربة، وسلامة المنطق وقوة العارضة.
قال بعض الأعراب: نحن أمراء الكلام، فينا وشجت عروقه، وعلينا تدلت غصونه، فنحن نجني منها ما أحلولى وعذب، ونترك ما املولح وخبث.
وقال الجاحظ: ليس في الأرض كلام هو أمتع ولا أنفع ولا أنقى في الأسماع ولا اقود للطباع، ولا أفتق للسان، ولا أجود تقويما للبيان من كلام الأعراب الفصحاء العقلاء.
ووصفهم الحارث بن كندة أمام كسرى فقال: لهم أنفس سخية وقلوب جريئة وعقول صحيحة، وأنساب صريحة يمرق الكلام بين أفواههم مروق السهم من الرمية، أعذب من الماء وأرق من الهواء. يطعمون الطعام ويضربون الهام.
وعزهم لا يرام وجارهم لا يضام. ووصف أحدهم امرأة فقال: كاد الغزال يكونها لولا ما نقص منه وتم منها.
وأوجز أحدهم قصيدة كاملة في جملة مقتضبة فقال: سبقنا الحي، وفيهم أدوية السقام فقرأن بالحدق السلام وخرست الألسن عن الكلام.
وفي هذه البيئة المثالية، واللغة الصريحة.. تربى سيد العرب عليه السلام، وتربى أعلام الخلافة وكبراء القادة ونبلاء المجتمع الإسلامي.. ولم يكن الوليد بن عبد الملك بن مروان ممن ثقّفته البادية وأصلحت لسانه فكان لحنه وظل لحنه وصمة عار في تاريخه.. قال أبوه: أضر بالوليد حبنا له حيث لم نبعثه إلى البادية.
خطب الناس يوم عيد فقرأ في خطبته، يا ليتها كانت القاضية بضم تاء ليت فقال عمر بن عبد العزيز: عليك وأرحنا الله منك.
وعن البادية أخذ علماء اللغة فصيحها، ومتوقحها وتعلموا في اختيار الأفصح والأبعد عن الحواضر، ومجاورة الأعاجم فعنوا عناية فائقة بما دونوه، فأخلصوا لغة العرب في صميمها الذين لم ترتضخ لغتهم عجمه ولم يخدشها شذوذ، ولم يداخلها تقصير، دونوا لغة قريش، وقيس، وتميم، وأسد وهذيل وبعض كنانة، وبعض طيء
وتحاشوا الأخذ من لغة لخم، وجذام، وقضاعة، وغسان واياد لمجاورتهم أهل الشام وكذلك تحاشوا لغة تغلب ويمن الجزيرة وبكر وعبد القيس، وأزد عمان، وأهل اليمن، وبني حنيفة، وثقيف.. لمجاورة بعضهم للفرس ولمجاورة الآخرين للأجناس ولأن بعضهم أهل تجارة، ونقلة واختلاط بمشبوهي اللغة فأخلصوها من تلتلة بهراء، ومن طمطمانية حمير، ومن كشكشة ربيعة، ومن ككة هوازن، وفخفخة هذيل، ووكم ربيعة، ووهم كلب، وعجمية قضاعة، وشنشنة اليمن ووتمها، وعجرفة ضبة.
وممن أخذ عن البادية ولقيهم في مرابعهم ومراتعهم، وسمع منهم يونس بن حبيب الضبي، وخلف الأحمر، والخليل بن أحمد، وابو زيد الأنصاري، والأصمعي، وأبو عبيدة، والكسائي، وهؤلاء هم من أول من رحل إلى البادية وأخذ عنها، وهم من علماء القرن الثاني.




وكان العلماء في القرن الأول يعتمدون الفطرة، ويرجعون إلى السليقة، ويستأنسون بمن يلقونه من الأعراب، ولما أوغل العلماء في التحقيق، وتأنقوا في الاحصاء والاستقصاء وبعدت الحواضر الاسلامية عن البادية، داخل لغة البادية المجاورين للحواضر ما داخلها.. بدأ عصر الرحلات، ولقيا الأعراب وكانوا اذا لقوا الأعرابي وشكوا في سلامة لغته، وامتحنوه وربما وضعوا له قياسا غير صحيح، او جمعا غير وارد، أو لفظا غير فصيح فإن نطق به، أو أقره، طرحوا لغته وأن أبت سليقته ذلك أخذوا عنه.
قال الأصمعي: سمعت أبا عمرو يقول: ارتبت بفصاحة أعرابي، فأردت امتحانه، فقلت بيتا، وألقيته عليه.. وهو:




كم رأينا من مسحب مسلحب
صار لحم النسور والعقبان


فأفكر فيه، ثم قال رد على ذكر المسحوب، حتى قالها مرات فعلمت أن فصاحته باقية.
وقال ابن جني: سألت مرة الشجري - وهو اعرابي من عقيل كانوا يرجعون اليه في اللغة - ومعه ابن عم له، كان دونه في الفصاحة، وكان اسمه غصنا - فقلت لهما: كيف تحقران حمراء؟ فقال: حميراء، وواليت من ذلك أحرفا وهما يجيبان بالصواب، ثم دسست في ذلك علباء، فقال غصن: عليباء وتبعه الشجري فلما هم بفتح الباء، تراجع كالمذعور ثم قال: آه عليبي..
وقال في موضوع آخر سألته يوما - يعني الشجري -:
كيف تجمع دكانا؟ فقال دكاكين. قلت: فسرحانا؟ قال: سراحين.. قلت فعثمان؟ قال: عثمانون؟ فقلت له: هلا قلت عثامين؟ قال: ايش عثامت؟ أرأيت انسانا يتكلم بما ليس من لغته.
وهكذا خاطب القرآن هؤلاء القوم، بمستوى من البيان على غير مثال سبق، ونهج من التعبير على غير مهيع عرف، وبلاغة من القول هي المثل الأعلى، والقول الفصل، في كل ما تكلمت به أمة الضاد.
لقد كان ازدهار لغة العرب بين يدي الاسلام برعيل ممتاز من الشعراء المقاويل، وبصفوة من الخطباء، يزنون ما تفيض به قرائح القوم وما تدفق به خواطرهم، كانت تلك اليقظة اللغوية توطئة بين يدي الاسلام، وترشيحا للذهن العربي لاستقبال المعجزة المنتظرة، فكان البيان العربي قبيل ظهور الاسلام، غاية في الابداع، ونموذجا حيا في تاريخ اللسان العربي، والا لما وقعت آية محمد عليه السلام من هؤلاء المقاويل، موقع الذهول ثم الاستسلام.
لم يكن الأعراب بلغتهم الصافية، وذكائهم الفطري واستعدادهم الذهني، قوم استماع وفهم فحسب، بل رشحتهم هذه الصفات ليكونوا مرجعا في تفسير القرآن، وايضاح غريبه،وتأصيل لغته.
سأل عمر بن الخطاب وهو على المنبر جماعة المسجد عن معنى قوله تعالى {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} فسكت القوم ثم قام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا التخوف: التنقص. قال عمر: هل تجد له شاهداً من لغة قومك؟ قال نعم. قال شاعرنا:



تخوف الرحل منها تامكا قرداً
كما تخوف عود النبعة السفن


وكان ابن عباس - وهو حبر الأمة، وترجمان القرآن - يقول:
الشعر ديوان العرب، فإذا خفى الحرف علينا من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا الى ديوانها، فالتمسنا معرفة ذلك منه.
كان رضي الله عنه يجلس بفناء الكعبة، ثم يكتنفه الناس يسألونه عن التفسير، وثبته من كلام العرب، وقد استشهد على جواب سؤال واحد بنيف وتسعين بيتا من الشعر العربي الفصيح وهو ما سأله عنه نافع بن الأزرق.
وتأبى سليقة الأعراب أن تقبل ما خرج عن مقاييسها الفطرية، أو تفهم ما جافى لسانها بل ترد كل ما سمعته إلى أصوله.
دخل أعرابي على الوليد بن عبدالملك - وقد أسلفنا انه لحان - وكان عنده عمر بن عبدالعزيز، فقال الوليد للأعرابي: من أنت بوصل الهمزة؟ فظن الأعرابي أنه يقول: مننت فقال: المنة لله ولأمير المؤمنين.
فقال عمر بن عبدالعزيز: ان امير المؤمنين يقول لك: من أنت؟ قال فلان بن فلان. قال الوليد: ما شأنك؟ - وفتح النون - قال : جدري في وجهي، وفحج بساقي. فقال عمر بن عبدالعزيز: ويحك أن أمير المؤمنين يقول: ما شأنك - وضم النون - ؟ قال ظلمني ختني. قال الوليد: ومن ختنك؟ - وفتح النون -قال وما سؤالك عن ذلك يا أمير المؤمنين، حجام عندنا في البادية، قال عمر : ان امير المؤمنين يقول لك: من ختنك؟ - وضم النون - قال : فلان.
وهكذا ندرك ان البادية مصدر اللغة العربية الأول، ومعدنها الأصيل، وهي المرجع فيما اختلف فيه، حتى في ألفاظ القرآن والسنة.







توقيع : SALMAN
إذا خسرناك عضو فلا تجعلنا نخسرك زائر


الإرادة بركان لا تنبت على فوهته أعشاب التردد

حيــــــــــــــــــــــــــــــاكم الله في حسابي على تويتر :
SALMANR2012@
رد مع اقتباس مشاركة محذوفة