بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
( فضيلة أهل الحديث )
أستمد من المولى العظيم الإعانه والإيضاح والإبانه وأطلب منه التوفيق والرضا وأن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يزيدنا من علمه، ويعيننا على طاعته ونشر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإنه جل مقصدي سبحانه عليه الاعتماد وإليه الاستناد.
الحديث الأول في هذا الباب:
روى عن أبن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نضر الله أمرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه».
رواه الشافعي والبيهقي
والمعنى: خصه الله تعالى بالبهجة والسرور لأنه سعى في نضارة العلم وتجديد السنة فجازاه في دعائه له بما يناسب حاله في المعامله وأيضاً فإن من حفظ ما سمعه وأدّاه كما سمعه من غير تغيير كأنه جعل المعنى غضاً طرياً وخص الفقه بالذكر دون العلم إيذاناً بأن الحامل غير عار عن العلم.
(وقوله رب) وضعت للتقليل فاستعيرت في الحديث للتكثير (وقوله إلى من هو أفقه منه) صفة لمدخول رب استغنى بها عن جوابها. إذ الفقه علم بدقائق العلوم المستنبطة من الأقيسة ولو قال غير عالم لزم جهله أي:
رب حامل فقه أدّاه إلى من هو أفقه منه لا يفقهه ما يفقهه المحمول إليه.
.....................
الحديث الثاني في هذا الباب
وعن إبن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«اللهم ارحم خلفائي» قلنا: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟
قال: «الذين يروون أحاديثي ويعلمونها الناس» رواه الطبراني.
ولا ريب أن أداء السنن إلى المسلمين نصيحة لهم من وظائف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛
فمن قام بذلك كان خليفة لمن يبلغ عنه وكما لا يليق بالأنبياء عليهم السلام أن يهملوا أعاديهم، ولا ينصحوهم،
كذلك لا يحسن لطالب الحديث وناقل السنن أن يمنحها صديقه ويمنعها عدوه.
فعلى العالم بالسنه أن يجعل أكبر همه نشر الحديث، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه حيث قال:
«بلغوا عني ولو آية» الحديث رواه البخاري رحمه الله.
قال المظهري أي بلغوا عني أحاديث ولو كانت قليلة، قال البيضاوي رحمه الله:
إنما قال ولو آية ولم يقل ولو حديثاً لأن الأمر بتبليغ الحديث يفهم منه بطريق الأولوية،
فإن الآيات مع انتشارها وكثرة حملتها تكفل الله تعالى بحفظها وصونها عن الضياع والتحريف،
وهذا ما دعا ناقل هذه الأحاديث أن يطبعها ويقوم بنشرها في جهات مختلفة ابتغاء رضوان الله سبحانه وتعالى
وخدمة للدين والمسلمين وحباً في أفضل المرسلين صلى الله عليه وسلم، وأتبعها بآلفي حديث من صحيح مسلم،
وقال إمام الأئمة مالك رحمه الله تعالى: بلغني أن العلماء يسألون يوم القيامة عن تبليغهم العلم كما تسأل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وقال سفيان الثوري لا أعلم علماً أفضل من علم الحديث لمن أراد به وجه الله تعالى،
إن الناس يحتاجون إليه حتى في طعامهم وشرابهم فهو أفضل من التطوع بالصلاة والصوم لأنه فرض كفاية.
...........................
الحديث الثالث من هذا الباب
وفي حديث أسامه بن زيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله
ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين». رواه جمع من الصحابة رضي الله عنهم.
قال النووي رحمه الله، في أول تهذيبه: هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بصيانة هذا العلم وحفظه وعدالة ناقليه،
وأن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلفا من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف فلا يضيع، وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر، وهكذا وقع ولله الحمد وهو من أعلام النبوة ولا يضر كون بعض الفساق يعرف شيئاً من علم الحديث فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئاً منه اهـ على أن ما يعرفه الفساق من العلم ليس بعلم حقيقة لعدم عملهم وقد أشار إلى ذلك الإمام الشافعي رضي الله عنه في قوله: ولا العلم إلا مع التقي، ولا العقل إلا مع الأدب. وقال ابن القطان: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث.
الحديث الرابع في فضل أهل الحديث
،من شرف أهل الحديث ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة».
وقال ابن حيان في صحيحه في الحديث بيان صحيح إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثرهم صلاة عليه منهم.
وقال أبو اليمن ابن عساكر ليهن أهل الحديث، كثرهم الله تعالى هذه البشرى فقد أتم الله تعالى نعمه عليهم بهذه الفضيلة الكبرى فانهم أولى الناس بنبيهم صلى الله عليه وسلم،
وأقربهم إن شاء الله وسيلة يوم القيامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهم يخلدون ذكره في طروسهم ويجددون الصلاة والتسليم عليه في معظم الأوقات في مجالس مذاكراتهم وتحديثهم ودروسهم؛ فهم إن شاء الله تعالى الفرقة الناجية.
جعلنا الله سبحانه وتعالى منهم وحشرنا في زمرتهم، ووفقنا للسداد والرشاد ومنّ علينا بالخير والإسعاد، وتقبل عملي وأمده بالإمداد، ورضي الله عن الإمام البخاري
والشيخ القسطلاني فهما مصدرا عملي هذا وحسنتا كتابي،
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
{ياأيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.
.................
وأقول: اللهم آمين
(من كتاب /جواهر البخاري/ وشرح القسطلاني
٧٠٠ حديث مشروحة
---------
تأليف
مصطفى محمد عمارة
رحمهم الله جمعياً ورضي عنهم ونفعنا بجهودهم الطيبة وجمعنا بهم تحت لواء أهل الحديث مع النبي الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.