عرض مشاركة واحدة
  المشاركة رقم: 1  
قديم 11 / 08 / 2007, 42 : 08 PM
zoulikha
ضيف عزيز
المنتدى : القصص والروايات
تاريخ التسجيل العضوية الدولة المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
05 / 12 / 2006 3124 كتبت اربعة كتب وعدة مقالات في المواقع والصحف 23 0.00 يوميا 220 10 zoulikha is on a distinguished road
zoulikha غير متصل

النار تلد الرماد

النار تلد الرماد


بقلم السيدة بن اسماعين زليخة خربوش


الثامنة صباحا و أنا أبدأ الدرس ولم أبده بعد ... ضجيج الشوارع يقتحم سمعي ...أصوات الباعة تصم اذني.. التلاميذ ينصرفون عني, أدق على المكتب لأجلب اهتمامهم... تدخل فاطمة الحجرة تختال, متثاقلة الخطى مهمومة الملامح ... تجلس مائلة على المقعد الأخير، غائبة الوعي, تنظر إلى السبورة شاردة الذهن والحزن يعانق جفنيها ويثقلها ... أخذت القلم ثم رمته في صمت ... صمت يعبر عن ألم عميق لم أعهده إلا عند المراهقين المذبوحين بسكين الاستبداد والضياع ... دققت على المكتب, فلم أنجح في جلب اهتمامها ... ظننت السبب هو خمولها المعتاد. سألتها فلم تسمع ... شغلت التلاميذ بواجب كتابي وذهبت إليها :
- أجلسي معتدلة.
حاولت فتأملت ... فتشت عن سبب الآلام, سألتها فلم تجب ... كشفت عن ساقيها :
- رباه ... ما هذا المصل الأصفر الذي يسيل عليهما ؟ أخرجتها من حجرة الدرس وكشفت عن فخذيها ... إنهما ينزفان ... حروق من الدرجة الثانية؟ اتسعت عيناني برد الدم في عروقي ... غاب عني ما أقول ...
- ما بك؟ من فعل بك هذا؟
ترددت في الإجابة, ألححت عليها فقالت بصوت خافت لم أسمعه جيدا اعدت السؤال: من ؟
- أمي ...
- لماذا؟
- لأني تأخرت في دروسي ...اخذتها إلى صيدلية المدرسة, أسعفت جراحها قلت لها:
- اذهبي ولا تعودي إلا وأمك معك ... وددت أن أبقى وحدي مع جرحي في قلبي ينزف ... أسمع صوت أعماقي ... وحدي مع نبض عقلي أسمع صوت هذه الدنيا ... أسألها عن العذاب والتعذيب ... عن حقيقة الآلام ... فتاة في السابعة عشرة من عمرها تكوى بالنار ...؟
أ هكذا نربي جيلا نعلق عليه أمل إنقاذ الأراضي المسلوبة والشعوب المحقرة ؟ هل تحسن التصرف بالحرية فتاة منكصة مكسرة؟
عادت فاطمة مع أمها, انتحيت بها ناحية, نظرت إليها في شدة وغيظ كدت أقسمها:
- أنت أم؟ ... هل حقا هي ابنتك؟ ... أنت نار لا تلدي إلا الرماد ...
- نعم هي ابنتي ... وأنا أمها احبها واعمل من أجلها ... انظري إلى هاتين اليدين:
- رباه يدان مشققتان داميتا الأنامل (قلتها في نفسي).
- لا أريد أن تكون ابنتي خادمة مثلي ... أريدها متعلمة ... لا أريد أن تفرض عليها صاحبة البيت استعمال ماء الجافيل في تنظيف الأواني وأرضية البيت ... أريد أن تكون يداها ناعمتين مثل هذه اليد: جذبت يدي وضعتها على وجنتها ... قبلتها ... أحسست بالذنب ... جذبت يدي ... ضعفت برهة ثم تذكرت الفخذين المحروقين ... استعدت شدتي ... تحولت إلى حزمة أعصاب ثائرة ... انحرف الطريق بين وحشيتي وإنسانيتي ... سمحت لنفسي أو غلبتني, فابرقت وأرعدت وعصفت:
- كويت ابنتك فماذا تفعلين بغيرها؟ أنت جاهلة ... أنت جلادة ... سأدعوك إلى الشرطة, لم أنهي كلامي ... طوقتني فاطمة بذراعيها:
- لا ... لا تفعلي أرجوك أعذريها ... أعذريها يا أستاذة ... وضعت رأسها على كتفي ... أمطرت دموعها ... لفحت أحشائي وأدمعت عيني وعقدت لساني ... خجلت الام ... تمتمت: لم أكن أعرف أن الملعقة التي كويتها بها كانت شديدة الاحماء ...
النص من كتابي أحاديث الوسادة طبع بدار الأديب بوهران 2006 زليخة







رد مع اقتباس مشاركة محذوفة