12 / 08 / 2007, 24 : 05 PM
|
ضيف عزيز
|
المنتدى :
الثقافة الاسلامية 2005-2010 |
تاريخ التسجيل |
العضوية |
الدولة |
المشاركات |
بمعدل |
المواضيع |
الردود |
معدل التقييم |
نقاط التقييم |
قوة التقييم |
01 / 02 / 2007 |
3241 |
egypt |
39 |
0.01 يوميا |
|
|
218 |
10 |
|
|
|
|
من سامي محمود إلى دعاء محمد ( 5 ) بيان حال شعراء الكفر والضلال
قال تبارك وتعالى: والشعراء يتبعهم الغاوون 224 ألم تر أنهم في كل واد يهيمون 225 وأنهم يقولون ما لا يفعلون 226 {الشعراء: 224 - 226}.
هذا استئناف مسوق لإبطال ما قالوا في حق القرآن الكريم، من أنه من قبيل الشعر، وأن الرسول { شاعر، ببيان حال الشعراء المنافية لحاله عليه الصلاة والسلام. بعد إبطال ما قالوا إنه من قبيل: ما يُلقي الشياطين على الكهنة من الأباطيل، بما مر من بيان أحوالهم المضادة لأحواله عليه الصلاة والسلام، والمعنى: أن الشعراء الذين يركبون المخيلات، والمزخرفات من القياسات الشعرية، والأكاذيب الباطلة، سواء كانت موزونة أم لا، فإنهم يتبعهم ويجاريهم ويسلك مسلكهم، ويكون من جملتهم الغاوون الضالون عن السنن، لاغيرهم من أهل الرشد، المهتدين إلى طريق الحق، الداعين إليه".
قال ابن عطية: ويدخل في الآية كل شاعر مُخَلِّط، يهجو ويمدح شهوة، ويقذف المحصنات، ويقول الزور.
ثم قال: وقوله في كل واد يهيمون 225 {الشعراء: 225} عبارة عن تخليطهم وخوضهم في كل فن من غث الكلام وباطله، وتحسينهم القبيح وتقبيحهم الحسن.
وقوله: وأنهم يقولون ما لا يفعلون 226 {الشعراء: 226} ذكر لتعاطيهم وتعمقهم في مجاز الكلام حتى يؤول إلى الكذب".
فهم يكذبون غير مبالين بما يستتبعه من اللوائم، "فإن الشعراء يتبجحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم، ولا عنهم، فيتكثرون بما ليس لهم" ويدعون لأنفسهم بما لايستطيعونه ولا يقدرون عليه.
ولما كان الشعر منطلقه العاطفة الجياشة، والمشاعر الملتهبة، كان الشعراء إلى الإنحراف أقرب، وإلى الهوى أميل، إلا من رحم الله، كما قال تعالى: والشعراء يتبعهم الغاوون .
قال ابن سعدي عن الشعراء الذين ورد ذكرهم في قوله تعالى: ألم تر أنهم في كل واد يهيمون... قال: "ألم تر غوايتهم، وشدة ضلالهم أنهم في كل واد من أودية الشعر يهيمون فتارة في مدح، وتارة في قدح، وتارة يتغزلون، وأخرى يسخرون، ومرة يمرحون، وآونة يحزنون، فلا يستقر لهم قرار ولا يثبتون على حال من الأحوال. وأنهم يقولون ما لا يفعلون 226 {الشعراء: 226} أي: هذا وصف الشعراء، أنهم تخالف أقوالهم أفعالهم، فإذا سمعت الشاعر يتغزل بالغزل الرقيق، قلت: هذا أشد الناس غراماً، وقلبه فارغ من ذاك! وإذا سمعته يمدح أو يذم، قلت: هذا صدق، وهو كذب! وتارة يتمدح بأفعال لم يفعلها وتروك لم يتركها، وكرم لم يحم حول ساحته، وشجاعة يعلو بها على الفرسان، وتراه أجبن من كل جبان، هذا وصفهم..إلخ.
وقال يوسف العظم: "لا يقف القرآن الكريم عند الحديث عن الشعراء، بل يتعرض للجمهور المُعْجَب بالقول المشجع عليه، لأنه وسيلة من وسائل دعم الزور، وتأييد الكذب والاستزادة من الباطل، والسبب في ذلك واضح، إذ إن الشاعر ما كان ليتمادى في باطله، أو يوالي أكاذيبه لو لقي صدا من جمهور داع، وأمة سليمة الفكر، قويمة الخلق. ومن هنا: نجد حكم الإسلام شاملاً لا يتناول الشاعر وحده، بل يمتد فيشمل الشاعر شخصاً، والشعر مادة، والمستمعين جمهوراً مؤيداً أو معارضاً.
مسألة: اعتراف الشاعر في شعره بما يوجب الحد عليه؟
قال ابن كثير: اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا اعترف الشاعر في شعره بما يوجب حداً، هل يقام عليه بهذا الاعتراف أم لا؟ لأنهم يقولون مالا يفعلون، على قولين.
قال الشنقيطي:
أظهر القولين عندي: أن الشاعر إذا أقر في شعره بما يستوجب الحد، لا يقام عليه الحد؛ لأن الله جل وعلا صرح هنا بكذبهم في قوله: وأنهم يقولون ما لا يفعلون 226 {الشعراء: 226}.
فهذه الآية الكريمة تدرأ عنهم الحد، ولكن الأظهر أنه إن أقر بذلك استوجب بإقراره به الملام والتأديب، وإن كان لا يحد به.
بيان حال شعراء الحق:
بعد ما ذكر جل وعلا شعراء الضلال، وبين أوصافهم، استثنى من جنس الشعراء، شعراء الحق والإيمان قال ابن عطية: هذا الاستثناء هو في شعراء الإسلام، كحسان بن ثابت وكعب ابن مالك، وعبدالله بن رواحة، وكل من اتصف بهذه الصفة.
قال تعالى: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون 227 {الشعراء: 227}.
وقوله: وذكروا الله كثيرا يحتمل أن يريد في أشعارهم ويحتمل أن يريد أن ذلك خلق لهم وعبادة وعادة.
وقوله: وانتصروا من بعد ما ظلموا 227 {الشعراء: 227}.
قال بيان الحق النيسابوري: أي شعراء المسلمين الذين نافحوا عن رسول الله {، وقال لحسان: "أجب عني". ثم قال: "اللهم أيده بروح القدس".
قال ابن عطية: وباقي الآية وعيدٌ للظلمة، كفار مكة وتهديد لهم، وعمل (ينقلبون) في (أي) لتأخيره.
قال ابن عاشور: "وقد دلت الآية على أن للشعر حالتين: حالة مذمومة وحالة مأذونة، فتعين أن ذمَّه ليس لكونه شعراً، ولكن لما حف به من معان وأحوال اقتضت المذمة، فانفتح بالآية للشعر باب قبول ومدح، فحق على أهل النظر ضبط الأحوال التي تأوي إلى جانب قبوله، أو إلى جانب مدحه، والتي تأوي إلى جانب رفضه، وقد أومأ إلى الحالة الممدوحة قوله: وانتصروا من بعد ما ظلموا 227 {الشعراء: 227} وإلى الحالة المأذونة قوله: وعملوا الصالحات وكيف وقد أثنى النبي { عل بعض الشعر مما فيه محامد الخصال، واستنصت أصحابه لشعر كعب بن زهير وكان يستنشد شعر أمية ابن أبي الصلت، لما فيه من الحكمة، وأمر حسان بهجاء المشركين، وقال لكعب بن مالك: "لكلامك أشد عليهم من وقع النبل".
وهذا تفصيل جيد، وتوضيح مفيد، وقد أسهب الجرجاني في مدح الشعر فقال: وأما التعلق بأحوال الشعراء بأنهم ذموا في كتاب الله تعالى فما أرى عاقلاً يرضى به أن يجعله حجة في ذم الشعر وتهجينه، والمنع من حفظه وروايته، والعلم بما فيه من بلاغة وما يختص به من أدب وحكمة، ذاك لأنه يلزم على قود هذا القول أن يعيب العلماء في استشهادهم بشعر امرئ القيس، وأشعار أهل الجاهلية في تفسير القرآن، وفي غريبه وغريب الحديث، وكذلك يلزمه أن يدفع سائر ما تقدم ذكره من النبي { بالشعر، وإصغائه إليه، واستحسانه له.
وبالجملة: فلا ينبغي أن يكون الغالب على العبد الشعر حتى يستغرق حياته، فهذا مذموم شرعاً، لقول النبي {: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً".
قال الشافعي عن الشعر: حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيحه. قال ابن العربي معلقاً: يعني: أن الشعر ليس يكره لذاته، وإنما يكره لمتضمناته، وقد كان عند العرب عظيم الموقع حتى قال الأول منهم: وجرح اللسان كجرح اليد.
والله أعلم.
|