قصيدة الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد
من لي ببغداد
دَمعٌ لبغداد.. دَمعٌ بالمَلايينِ مَن لي ببغدادَ أبكيها وتبكيني؟
مَن لي ببغداد؟.. روحي بَعدَها يَبسَتْ وَصَوَّحتْ بَعدَها أبهى سناديني
عدْ بي إليها.. فقيرٌ بَعدَها وَجعي فقيرَة ٌأحرُفى.. خرْسٌ دَواويني
قد عَرَّشَ الصَّمتُ في بابي وَنافِذَتي وَعششَ الحُزنُ حتى في رَوازيني
والشعرُ بغداد، والأوجاعُ أجمَعها فانظرْ بأيِّ سهام ِالمَوتِ ترميني؟!
عدْ بي لبغداد أبكيها وتبكيني دَمعٌ لبغداد.. دَمعٌ بالمَلايينِ
عُدْ بي إلى الكرخ.. أهلي كلهُم ذُبحُوا فيها.. سأزحَفُ مَقطوع َالشرايينِ
حتى أمُرَّ على الجسرَين.. أركضُ في صَوبِ الرَّصافةِ ما بينَ الدَّرابينِ
أصيحُ: أهلي... وأهلي كلهُم جُثثٌ مُبعثرٌ لَحمُها بينَ السَّكاكينِ
خذني إليهم.. إلى دامي مَقابرِهم للأعظميةِ.. يا مَوتَ الرَّياحينِ
وَقِفْ على سورِها، واصرَخْ بألفِ فمٍ يا رَبة َالسور.. يا أُمَّ المَساجين
ِ كم فيكِ مِن قمَرٍ غالوا أهلتهُ؟ كم نجمَةٍ فيكِ تبكي الآنَ فى الطينِ؟
وَجُزْ إلى الفضلِ.. لِلصَّدريَّةِ النحِرَتْ لحارَةِ العدل ِ.. يا بؤسَ المَيادينِ
كم مَسجدٍ فيكِ.. كم دارٍ مُهدَّمَةٍ وَكم ذَبيحٍ عليها غيرِ مَدفونِ؟
تناهَشتْ لحمَهُ الغربانُ، واحترَبَتْ غرثى الكِلابِ عليهِ والجراذينِ
يا أُمَّ هارون ما مَرَّتْ مصيبتنا بأُمةٍ قبلنا يا أُمَّ هارونِ!
أجرى دموعي ًوَكبرى لا يُجاريني
كيفَ البكا يا أخا سبْع ٍوَسبعينِ؟!
وأنتَ تعرفُ أنَّ الدَّمعَ تذرفهُ دَمعُ المُروءَةِ لا دَمعَ المَساكينِ
! دَمعٌ لفلوجةِ الأبطال.. ما حَمَلتْ مَدينة ٌمِن صِفاتٍ، أو عناوينِ
للكِبرياءِ.. لأفعال ِالرِّجال ِبها إلا الرَّمادي.. هنيئا ًللمَيامينِ!
وَمرحبا ًبجباهٍ لا تفارِقها مطالعُ الشمسِ في أيِّ الأحايين
ِ لم تألُ تجأرُ دَباباتُهم هلعا ً في أرضِها وهيَ وَطفاءُ الدَّواوينِ
ما حَرَّكوا شَعرَة ًمِن شيبِ نخوَتِها إلا وَدارَتْ عليهم كالطواحينِ
! واستدْعِ يا دَمعُ سامَرَّاءَ نسألها عن أهل ِأطوار.. عن شمِّ العَرانينِ
لأربعٍ سقوا الغازينَ مِن دَمِهم يا مَن رأى طاعنا ًيُسقى بمَطعونِ!
يا أُختَ تلعفرَ القامَتْ قيامَتها وأُوقدَتْ حولها كلُّ الكوانينِ
تقولُ برلين في أيام ِسطوَتِها دارُوا عَليها كما دارُوا ببرلينِ
هاجوا عليها وكانتْ قرية ًفغدَتْ غولا ًيقاتلُ فى أنيابِ تنينِ!
وَقِفْ على نينوى.. أُسطورَة ٌبفمي تبقى حُروفكِ يا أرضَ البراكينِ
يا أُختَ آشور.. تبقى مِن مَجَرَّتهِ مَهابَةٌ منكِ حتى اليوم تسبيني
تبقى بوارِقهُ، تبقى فيالقهُ تبقى بيارِقهُ زُهرَ التلاوينِ
خفاقةً في حنايا وارِثي دَمهِ يحلقونَ بها مثلَ الشواهينِ
بها، وَكِبرُ العراقيين يحملُهُم تداوَلوا أربعا ًجَيشَ الشياطينِ
فرَكعُوه ُعلى أعتابِ بَلدَتهم وَرَكعُوا مَعهُ كلَّ الصَّهايينِ!
يا باسقاتِ ديالى.. أيُّ مَجزَرَةٍ حزَّتْ عروقكِ يا زُهرَ البَساتينِ؟
في كلِّ يَومٍ لهُم في أرضِكِ الذُّبحتْ بالغدرِ خِطةُ أمْنٍ غيرِ مأمونِ
تجيشُ أرتالهُم فوقَ الدّروع ِبها فتترُكُ السوحَ مَلأى بالقرابينِ
وأنتِ صامِدَة ٌتستصرِخينَ لهُم مَوجَ الدِّماءِ على مَوج ِالثعابينِ
وكلما غرِقوا قامَتْ قيامَتهم فأعلنوا خطةً أُخرى بقانونِ!
يا أطهرَ الأرض.. يا قدِّيسة َالطينِ يا كربلا.. يا رياضَ الحُورِ والعِينِ
.. يا جرحَ بَغداد.. حدِّث عن مروءتها تدري حديثك رغم البعدِ يدميني
خذني إلى كلِّ دارٍ هدمتْ ودم فيها جرى، وفمٌ حر يناديني
عدْ بى إليها، وَحَدِّثْ عن مروءَتها ولا تحاولْ على الأوجاع ِتطميني
يَصيحُ بي أيها الباكي على دَمِنا أوصِلْ صَداكَ إلى هذي المَلايينِ
وقلْ لها لمْلمي قتلاكِ واتحِدي على دِماكِ اتحادَ السين ِوالشينِ
مِن يوم ِكانَ العراقُ الحُرُّ يَغمُرُهُم حباً إلى أن أتى مَوجُ الشعانينِ
! دَمعٌ لبغداد.. دَمعٌ بالمَلايينِ دَمعٌ على البُعدِ يَشجيها وَيَشجيني