- أبو العبد .. يلعن أبوك.. يلعن أصلك..
- ماذا قلت ؟
- أنا ؟ لا شيء.. متى ستبدأ الرحلة؟
- حال يصير عددكم عشرة.. أنت تعرف، ليس بوسعنا أن نرسل دليلاً مع كل واحد منكم ، ولذلك فنحن ننتظر حتى يرتفع العدد إلى عشرة أشخاص ونرسل معهم دليلا واحداً.. هل ستعطيني النقود الآن؟
- شد على النقود في جيبه وفكر: سوف يكون بوسعي أن أرد لعمي المبلغ في أقل من شهر.. هناك في الكويت يستطيع المرء أن يجمع نقودا في مثل لمح البصر..
لا تتفاءل كثيرا، قبلك ذهب العشرات ثم عادوا دون أن يحضروا قرشاً..
ورغم ذلك سأعطيك الخمسين ديناراً التي طلبتها، وعليك أن تعرف أنها جنى عمر..
- إذن لماذا تعطيني النقود إذا كنت متأكدا من أنني لن أعيدها لك؟
- أنت تعرف لماذا.. ألست تعرف؟ إنني أريدك أن تبدأ.. أن تبدأ ولو في الجحيم حتى يصير بوسعك أن تتزوج ندى.. إنني لا أستطيع أن أتصور ابنتي المسكينة تنتظر أكثر هل تفهمني؟
أحس الإهانة تجترح حلقه ورغب في أن يرد الخمسين ديناراً لعمه يقذفها بوجهه بكل ما في ذراعه من عنف وفي صدره من حقد، يزوجه ندى ! من الذي قال له إنه يريد أن يتزوج ندى؟ لمجرد أن أباه قرأ معه الفاتحة حين ولد هو وولدت هي في يوم واحد؟ إن عمه يعتبر ذلك قدراً، بل إنه رفض مئة خاطب قدموا ليتزوجوا ابنته، وقال لهم إنها مخطوبة ! يا إله الشياطين ! من الذي قال له أنه يريد أن يتزوجها؟ من قال له أنه يريد أن يتزوج أبداً ؟ وها هو الآن يذكره مرة أخرى ! يريد أن يشتريه لابنته مث لما يشرى كيس الروث للحقل، شد على النقود في جيبه وتحفز في مكانه.. ولكنه حين لمسها هناك، في جيبه، دافئة ناعمة، شعر بأنه يقبض على مفاتيح المستقبل كله، فلو أتاح الآن لحنقه أن يسيطر عليه ليرجع النقود إلى عمه، إذن لما تيسرت له قط فرصة الحصول على خمسين دينار بأي شكل من الأشكال.. هدأ غضبه مطبقا فمه بأحكام وشد أصابعه على النقود الملتفة في جيب بنطاله، ثم قال:
- لا، لا، سأسلمك النقود حالما تجهز الرحلة تماماً.. سوف أراك مرة كل يوم.. إنني أنزل في فندق قريب..
ابتسم الرجل السمين، ثم تطاولت ابتسامته فانفجر ضاحكاً بصخب:
من الخير لك أن لا تضيع وقتك يا بني .. كل المهربين يتقاضون نفس السعر، نحن متفقون فيما بيننا.. لا تتعب نفسك.. وعلى أي حال: احتفظ بنقودك حتى تجهز الرحلة، أنت حر.. ما اسم الفندق الذي تنزل فيه؟
- فندق الشط..
- آه ! فندق الجرذان !
نط جرذ الحقل عبر الطريق فلمعت عيناه الصغيرتان في ضوء السيارة وقالت الفتاة الشقراء لزوجها المنهمك بالسياقة:
- إنه ثعلب ! أرأيته؟
قال الزوج الأجنبي ضاحكاً:
- أف منكن أيتها النساء ! تجعلن من الجرذ ثعلبا !