عرض مشاركة واحدة
  المشاركة رقم: 17  
قديم 18 / 11 / 2009, 04 : 01 AM
abo aziz
عضـــو مؤسس ثاني
كاتب الموضوع : abo aziz المنتدى : القصص والروايات
تاريخ التسجيل العضوية الدولة المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
06 / 08 / 2007 3628 فلسطين 1,121 0.18 يوميا 236 103 abo aziz will become famous soon enough abo aziz will become famous soon enough
abo aziz غير متصل

رد: رواية رجال في الشمس- غسان كنفاني

الصفقة
اقتاد مروان زميله أسعد إلى موعده مع أبي الخيزران، وصلا متأخرىن قليلا فوجد أبا الخيزران، بانتظارهما، جالساً مع أبي قيس فوق مقعد إسمنت كبير على رصيف الشارع الموازي للشط.
- لقد اجتمعت العصابة كلها الآن أليس كذلك؟
صاح أبو الخيزران ضاحكا وهو يضرب كتف مروان بكفه ويمد الأخرى ليصافح أسعد.
- هذا هو صديقك إذن.. ما اسمه؟
أجاب مروان باقتضاب:
- أسعد.
- دعيني إذن أعرفكما على صديقي العجوز. " أبو قيس.. " وبهذا تكون العصابة قد اكتملت.. لا بأس أن تزداد واحداً.. ولكنها الآن كافية أيضا.
قال أسعد:
- يبدو لي أنك فلسطيني.. أأنت الذي سيتولى تهريبنا؟
- نعم، أنا.
- كيف؟
- هذا شأني أنا..
ضحك أسعد بسخرية ثم قال ببطء شادا على كلماته بعنف:
- لا يا سيدي.. أنه شأننا نحن.. يجب أن تحكي لنا كل التفاصيل، لا نريد متاعب منذ البدء.
قال أبو الخيزران بصوت حاسم:
- سأحكي لكم التفاصيل بعد أن نتفق، وليس قبل ذلك..
قال أسعد:
- لا يمكن أن نتفق قبل أن نعرف التفاصيل، ما رأي الشباب؟
لم يجب أحد، فأكد أسعد من جديد:
- ما رأي العم أبو قيس؟
- الرأي رأيكم..
- ما رأيك يا مروان؟
- أنا معكم.
قال أسعد بعنف:
- إذن، دعونا نختصر الوقت.. يبدو لي أن العم أبو قيس غير خبير بالأمر، أما مروان فإنها تجربته الأولى.. أنا عتيق في هذه الصنعة، ما رأيكم أن أتفاوض عنكم ؟
رفع أبو قيس كفه في الهواء موافقاً، وهز مروان رأسه، فالتفت أسعد إلى أبي الخيزران..
- لقد رأيت: الشباب سلموني الأمر، فدعني أقول لك شيئا: إننا من بلد واحد.
نحن نريد أن نرتزق وأنت تريد أن ترتزق، لا بأس، ولكن يجب أن يكون الأمر في منتهى العدل.. سوف تحكي لنا بالتفصيل كل خطوة، وسوف تقول لنا بالضبط كم تريد، طبعا سنعطيك النقود بعد أن نصل وليس قبل ذلك قط ..
قال أبو قيس:
- الأخ أسعد يحكي الحق يجب أن نكون على بينه من الأمر ، وكما يقول المثل :
ما يبدأ بالشرط ينتهي بالرضا .
رفع أبو الخيزران كفيه من جيبه ووضعهما على خصريه ، ثم نقل بصره فوق الوجوه جميعا ببطء وببرود حتى قرقراه فوق وجه أسعد :
- أولا كل واحد منكم سيدفع عشرة دنانير .. موافقون ؟
قال أبو قيس..
- أنا موافق
قال أسعد:
- أرجوك .. لقد سلمتني الأمر إذن دعني أحكي ... عشرة دنانير مبلغ كبير ، أن المهرب المحترف يأخذ ، عشر دينارا .. ثم ..
قاطعه أبو الخيزران:
- لقد اختلفنا إذن قبل أن نبدأ، هذا ما كنت أخشاه .. عشرة دنانير لا تنقص فلساً.. السلام عليكم.
أدار ظهره وخطا خطوتين بطيئتين قبل أن يلحقه أبو قيس صائحا :
- لماذا غضبت ؟ الموضوع سؤال وجواب والاتفاق أخو الصبر ..
- حسنا ، نعطيك عشرة دنانير .. ولكن كيف ستأخذنا ؟
ها ! نحن الآن في شغل الجد .. اسمع .
جلس أبو الخيزران على مقعد الإسمنت ووقف الثلاثة حواليه ومضى يشرح مستعيناً بيديه الطويلتين،
لدي سيارة مرخصة لاجتياز الحدود.. ها ! يجب أن تنتبهوا: أنها ليست سيارتي.. أنا رجل فقير أكثر منكم جميعا وكل علاقتي بتلك السيارة أنني سائقها ! صاحب هذه السيارة رجل ثري معروف، ولذلك فإنها لا تقف كثيرا على الحدود، ولا تتعرض للتفتيش، فصاحب السيارة معروف ومحترم، والسيارة نفسها معروفة ومحترمة وسائق السيارة، تبعا لذلك، معروف ومحترم.
كان أبو الخيزران سائقاً بارعاً، فقد خدم في الجيش البريطاني في فلسطين قبل عام 1948 أكثر من خمس سنين، وحين ترك الجيش وانضم إلى فرق المجاهدين كان معروفا بأنه أحسن سائق للسيارات الكبيرة يمكن أن يعثر عليه، ولذلك استدعاه مجاهدو الطيرة ليقود مصفحة عتيقة كان رجال القرية قد استولوا عليها إثر هجوم يهودي.. ورغم أنه لم يكن خبيرا في قيادة المصفحات إلا أنه لم يخيب آمال أولئك الذين وقفوا على جانبي الطريق يتفرجون عليه وهو يدخل من الباب المصفح الصغير ويغيب لحيظات، ثم يهدر المحرك بالضجيج وتمضي المصفحة تدرج في الطريق الرملي الضيق. إلا أن المصفحة ما لبثت أن تعطلت، ولم تجد كل المحاولات التي بذلها أبو الخيزران لإعادتها إلى سيرتها السوية.. وإذا كانت خيبة أمل الرجال كبيرة، فإن خيبة أمله كانت أكبر، ولكن أبا الخيزران - على أي حال- أضاف إلى تجاربه في عالم المحركات تجربة أخرى، ومن ذا الذي يستطيع أن يقول أن هذه التجربة لم تنفعه حين انضم إلى سائقي سيارات الحاج رضا في الكويت؟
لقد استطاع ذات يوم أن يقود سيارة ماء جبارة أكثر من ست ساعات في طريق ملحى موحل دون أن تغوص في الأرض وتتعطل مثلما حدث لجميع سيارات القافلة.. كان الحاج رضا قد خرج مع عدد من رجاله إلى الصحراء ليغيبوا عدة أيام في القنص.. إلا أن الربيع كان خادعاً، وأثناء عودتهم كانت الطريق تبدو بيضاء صلدة، وهذا ما دفع سائقي السيارات لاقتحامها دون وجل، وهناك بدأت السيارات، الكبيرة والصغيرة، تغوص في الوحل واحدة أثر الأخرى..إلا أن أبا الخيزران، الذي كان يقود سيارته الجبارة خلف الجميع واصل السير ببراعة ودون أن يتعطل ثانية واحدة.. وحين شارف سيارة الحج رضا الرمادية الغارقة حتى ثلاثة أرباع عجلاتها الورائية في الوحل، أوقف سيارته وهبت ثم اقترب من الحج وقال له:
ما رأي عمي الحج رضا أن يصعد إلى سيارتي؟ أن انتشال هذه السيارات يستلزم أكثر من أربع ساعات، وفي هذا الوقت سيكون عمي الحج رضا قد وصل إلى بيته.
قال الحج رضا:
- تمام ! أن صوت محرك سيارتك أرحم من الوقوف هنا مدة أربعة ساعات. وقاد أبو الخيزران سيارته الضخمة طوال ست ساعات فوق تلك الأرض الخادعة التي تبدو بيضاء صلدة بسبب طبقة رقيقة من الملح الذي جف على السطح، وكان أبو الخيزران، طوال الطريق، يحرك مقود سيارته حركات خفيفة وسريعة ذات اليمين وذات اليسار كي تستطيع العجلتان الأماميتان أن تفتحا طريقاً أوسع قليلا من حاجتهما..
لقد سر الحج رضا للغاية من براعة أبي الخيزران وتحدث بذلك لكل أصدقائه طوال شهور.. وقد سر الحج أكثر حين نما إليه أن أبا الخيزران رفض عروضا عديدة للعمل عند سواه، بعد أن تفشت هذه الأخبار، واستدعاه وأثنى عليه ثم زود راتبه قليلا.. ما هو أهم من ذلك أن الحج رضا بات يشترط أن يكون أبو الخيزران رفيقا ضرورياً لكل رحلة قنص أو سفر بعيد.







رد مع اقتباس مشاركة محذوفة