عرض مشاركة واحدة
  المشاركة رقم: 23  
قديم 18 / 11 / 2009, 17 : 01 AM
abo aziz
عضـــو مؤسس ثاني
كاتب الموضوع : abo aziz المنتدى : القصص والروايات
تاريخ التسجيل العضوية الدولة المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
06 / 08 / 2007 3628 فلسطين 1,121 0.18 يوميا 236 103 abo aziz will become famous soon enough abo aziz will become famous soon enough
abo aziz غير متصل

رد: رواية رجال في الشمس- غسان كنفاني

قال الموظف وهو ينحي الأوراق من أمامه بلا مبالاة متعمدة ويكتف ذراعيه فوق الطاولة الحديدية..
- أين كنت كل هذا الوقت؟
قال أبو الخيزران لاهثاً :
- في البصرة.
- سأل عنك الحاج رضا أكثر من ست مرات.
- كانت السيارة معطلة.
ضج الموظفون الثلاثة الذين يشغلون الغرفة ضاحكين بصخب فالتفت أبو الخيزران حواليه حائراً ثم ثبت نظره على وجه الرجل السمين :
- ما الذي يضحككم في هذا الصباح ؟
تبادل الموظفون النظر ثم انفجروا ضاحكين من جديد.. قال أبو الخيزران متوتراً وهو ينقل قدماً ويضعها مكان الأخرى :
- والآن يا أبو باقر .. لا وقت لدي للمزاح.. أرجوك . مديده فقرب الأوراق إلى أمامه، إلا أن أبا باقر عاد فنحى الأوراق إلى طرف الطاولة وكتف ذراعيه من جديد وهو يبتسم ابتسامة خبيثة:
- سأل عنك الحاج رضا ست مرات..
- قلت لك: كانت السيارة معطلة.. ثم إنني والحج رضا نستطيع أن نتفاهم حين نلتقي.. وقع الأوراق رجاء، إنني على عجل..
قرب الأوراق من جديد إلا أن أبا باقر نحاها مرة أخرى.
- كانت سيارتك معطلة؟
- نعم ..أرجوك إني مستعجل.
نظر الموظفون الثلاثة إلى بعضهم وضحكوا بخبث - ولكن بصوت خفيض - كانت طاولة أحدهم فارغة تماماً إلا من كأس شاي زجاجي صغير، وكان الآخر قد كف عن عمله وأخذ يتابع ما يحدث.
قال الرجل السمين المسمى أبو باقر وهو يتجشأ:
- والآن.. كن عاقلا يا أبو خيزرانة.. لماذا تتعجل السفر في مثل هذا الطقس الرهيب ؟ الغرفة هنا باردة وسوف أطلب لك استكانة شاي.. فتمتع بالنعم !
حمل أبو الخيزران الأوراق ثم تناول القلم من أمام أبي باقر ودار حول الطاولة حتى صار إلى جانبه فانحنى ودفع له القلم وهو يدفع، بذراعه، كتف أبي باقر:
- في طريق عودتي سأجلس عندك ساعة، ولكن الآن دعني أمشي كرامة لباقر وأم باقر.. خذ.
إلا أن أبا باكر لم يمد يده وبقي يحدق إليه بعينين بلهاوين وهو على وشك أن ينفجر بالضحك.
- آه يا ملعون يا أبا خيزرانة ! لماذا لا تتذكر أنك على عجلة حين تكون في البصرة ؟ ها ؟
- قلت لك أن السيارة كانت في الكاراج :
دفع له القلم مرة أخرى إلا أن أبا باقر لم يتحرك :
- لا تكذب يا أبو خيزرانة.. لا تكذب.. الحج رضا حكى لنا القصة من الألف للياء..
- أية قصة؟
نظر الجميع إلى بعضهم فيما انقلب وجه أبي الخيزران الهزيل فصار مبيضاً من فرط الرعب وأخذ القلم يرتجف في يده.
قصة تلك الراقصة.. ما اسمها يا علي؟
أجاب على من وراء الطاولة الفارغة:
كوكب.
ضرب أبو باقر طاولته بيده واتسعت ابتسامته:
كوكب ! كوكب ! يا أبا خيزرانة يا ملعون.. لماذا لا تحكي لنا قصصك في البصرة ؟ تمثل أمامنا أنك رجل مهذب، ثم تمضي إلى البصرة فتمارس الشرور السبعة مع تلك الراقصة.. كوكب.. آه.. كوكب هذا هو الاسم.
طاح أبو الخيزران محاولا أن لا يتجاوز حد المزاح.
أي كوكب وأي بطيخ ! دعني أمضى قبل أن يطردني الحج..
قال أبو باقر:
- لا يمكن ! حدثنا عن تلك الراقصة.. الحج يعرف قصتك كلها وقد رواها لنا.. هيا.
- إذا رواها الحج لكم.. فلماذا تريدونني أن أرويها مرة أخرى .
وقف أبو باقر وصاح كالثور:
- إذن.. إنها قصة حقيقية !.. قصة حقيقية !
دار حول الطاولة حتى صار في منتصف الغرفة. كانت القصة الفاجرة قد هيجته.
لقد فكر بها ليل نهار، ركب فوقها كل المجون الذي خلقه حرمانه الطويل الممض، كانت فكرة أن صديقاً له قد ضاجع عاهرة ما، فكرة مهيجة تستحق كل تلك الأحلام:
- تذهب إلى البصرة وتدعي أن السيارة قد تعطلت.. ثم تمضي
مع كوكب أسعد ليالى العمر! يا سلام يا أبو خيزرانة.. يا سلام يا ملعون..
ولكن قل لنا كيف أحبتك؟ الحج رضا يقول أنها من فرط حبها لك تصرف نقودها عليك وتعطيك شيكات.. آه يا أبو خيزرانة يا ملعون !
اقترب منه، كان وجهه محمرا وكان من الواضح أنه أمضى وقتاً طيباً وهو يتفكر في القصة كما رواها الحاج رضا له على الهاتف.. انحنى فوق أذنه وهمس بصوت مبحوح:
أتراها فحولتك؟ أم قلة الرجال؟
ضحك أبو الخيزران ضحكة هستيرية ودفع الأوراق إلى صدر أبي باقر الذي تناول القلم دون وعي وأخذ يوقعها وهو يرتج بالضحك المكبوت، ولكن حين مد أبو الحيزران يده ليتناولها خبأها أبو باقر وراء ظهره ومد ذراعه الأخرى بينه وبين أبي الخيزران.







رد مع اقتباس مشاركة محذوفة