11 / 04 / 2010, 06 : 02 PM
|
عضو حاصل على المرتبة الرابعة
|
المنتدى :
الثقافة الاسلامية 2005-2010 |
تاريخ التسجيل |
العضوية |
المشاركات |
بمعدل |
المواضيع |
الردود |
معدل التقييم |
نقاط التقييم |
قوة التقييم |
19 / 03 / 2010 |
4143 |
510 |
0.09 يوميا |
|
|
190 |
10 |
|
|
|
|
نصيحة محتضر
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
وقال بعضهم موصيًا أولاده بوصية نافعة لمن عمل بها
فإني لما علاني المشيب بغمته ، وقادني الكبر في رمته ، وادكرت الشباب بعد أمته
أسفت لما أضعت وندمت بعد الفطام على ما رضعت
وتأكدت وجوب نصحي لمن لزمني رعيه وتعلق بسعيي سعيه
وأملت أن تتعدى إلى ثمرات استقامته
وأنا رهين فوات ، وفى برزخ أموات
ويأمن العثور في الطريق التي اقتضت عثاري ، إن سلك - وعسى ألا يكون ذلك - على آثاري
فقلت أخاطب الثلاثة الولد وثمرات الخلد
بعد الضراعة إلى الله في توفيقهم وإيضاح طريقهم وجمع تفريقهم
وأن يمن علي فيهم بحسن الخلف والتلاقي من قبل التلف وأن يرزق خلفهم التمسك بهدي السلف
فهو ولي ذلك والهادي إلى خير المسالك .
اعملوا هداكم من بأنواره يهتدي الضلال وبرضاه ترفع الأغلال وبالتماس قربه يحصل الكمال إذا ذهب المال وأخلفت الآمال وتبرأت من يمينها الشمال
إني مودعكم وإن سالمني الردى ومفارقكم وإن طال المدى وما عدا مما بدا
فكيف وأدوات السفر تجمع ومنادي الرحيل يسمع
ولا أقل للحبيب المودع من وصية محتضر وعجالة مقتصر ونصيحة تكون نشيدة واع ومبصر
تتكفل لكم بحسن العواقب من بعدي وتوضح لكم في الشفقة والحنو قصدي حسبما تضمن وعد الله من قبل وعدي
فهي أربكم الذي لا يتغير وقفه ولا ينالكم المكروه ما رف عليكم سقفه
وكأني بشبابكم قد شاخ وبراحلكم قد أناخ
وبنشاطكم قد كسل واستبدل الصاب من العسل ونصول الشيب تروع بأسل لا بل [ السام ] من كل حدب قد نسل والمعاد اللحد ولا تسل
فبالأمس كنتم فراخ حجرواليوم آباء عسكر مجر وغدًا شيوخ مضيعة وهجر
والقبور فاغرة والنفوس عن المألوفات صاغرة والدنيا بأهلها ساخرة والأولى تعقبها آخرة
والحازم من لم يتعظ به أمر وقال :
بيدي لا بيد عَمِرو ؛ فاقتنوها من وصية ، ومرام في النصح قصية
وخصوا بها أولادكم إذا عقلوا ليحدوا زادها إذا انتقلوا
وحسبي وحسبكم الله الذي لم يخلق الخلق هملاً ولكن ليبلوهم أيهم أحسن عملاً ولا رضي الدنيا منزلاً ولا لطف بمن أصبح عن فئة الخير منعزلاً
ولتلقنوا تلقينًا وتعلموا علمًا يقينًا
إنكم لن تجدوا بعد أن أنفرد بذنبي ويفترش التراب جنبي ويسح انسكابي وتهرول عن المصلى ركابي
أحرص مني على سعادة إليكم تجلب أو غاية كمال بسببكم ترتاد وتطلب
حتى لا يكون في الدين والدنيا أوْرف منكم ظلاً ولا أشرف محلاً ولا أغبط نهلا وعلا
وأقل ما يوجب ذلك عليكم أن تصيخوا إلى قولي الآذان وتتلمحوا صبح نصحي فقد بان
وسأعيد عليكم وصية لقمان :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ .
وأعيد وصية خليل الله وإسرائيله ، حسبما تضمنه محكم تنزيله :
يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
والدين الذي ارتضاه واصطفاه وأكمله ووفاه وقرره مصطفاه من قبل أن يتوفاه
فالله واحد أحد ، فرد صمد ، ليس له والد ولا ولد .
سبق وجوده الأكوان
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
خالق الخلق وما يعلمون والذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون
الحي العليم المدبر القدير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
أرسل الرسل رحمة لتدعو العباد إلى النجاة من الشقاء وتوجه الحجة في مصيرهم إلى دار البقاء مؤيدة بالمعجزات التي لا تتصف أنوارها بالاختفاء ولا يجوز على تواترها دعوى الانتفاء
ثم ختم ديوانهم بنبي ملتنا المرعية للهمل الشاهدة على الملل
فتلخصت الطاعة وتبينت له الإمرة المطاعة ولم يبق بعده إلا ارتقاب الساعة
ثم إن الله قبضه إذ كان بشرًا وترك دينه يضم من الأمة نشرا
فمن اتبعه لحق به ، ومن حاد عنه تورط في منتسبه ، وكانت نجاته على قدر سببه .
روي عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال :
« تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله وسنتي ، فعضوا عليهما بالنواجذ » .
فاعملوا يا بني بوصية من ناصح جاهد ومشفق شفقة والد
واستشعروا حبه الذي توفرت دواعيه وعوا مراشد هديه فيا فوز واعيه
وصلوا السبب بسببه وآمنوا بكل ما جاء به مجملاً أو مفصلاً على حسبه وأوجبوا التجلة لصحبه ؛ الذين اختارهم الله لصحبته ، واجعلوا محبتكم إياهم من توابع محبته
واشملوهم بالتوقير وفضلوا منهم أولي الفضل الشهير
وتبرؤوا من العصبية التي لم يدعكم إليها داع ولا تع التشاجر بينهم أذن واع
فهو عنوان السداد وعلامة سلامة الاعتقاد
ثم اسحبوا فضل تعظيمهم على فقهاء الملة وأئمتها الجلة
فهم صقلة نصولهم ، وفروع ناشئة عن أصولهم ، وورثتهم وورثة رسولهم
واعلموا أني قطعت في البحث زماني ، وجعلت النظر شاني ، منذ يراني الله وأنشاني ، مع نبل يعترف به الشاني ، وإدراك يسلمه العقل الإنساني
فلم أجد خابط ورق ، ولا مصيب عرق
ولا نازع خطام ، ولا متكلف فطام ، ولا مقتحم بحر طام
إلا وغايته التي يقصدها قد فضلتها الشريعة وسبقتها ، وفرعت ثنيتها وارتقتها
فعليكم بالتزام جادتها السابلة ، ومصاحبة رفقتها الكافلة ، والاهتداء بأقمارها غير الآفلة
والله يقول وهو أصدق القائلين :
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
وقد علت شرائعه ، وراع الشكوك رائعه
فلا تستنزلكم الدنيا عن الدين ، وابذلوا دونه النفوس فعل المهتدين فلن ينفع متاع بعد الخلود في النار أبد الآبدين ، ولا يضر مفقود مع الفوز بالسعادة والله أصدق الواعدين ، ومتاع الحياة الدنيا أخس ما ورث الأولاد عن الوالدين ، اللهم قد بلغت ، فأنت خير الشاهدين .
فاحذروا المعاطب التي توجب في الشقاء الخلود ، وتستدعي شوه الوجوه ونضج الجلود
واستعيذوا برضا الله من سخطه ، واربئوا بنفوسكم عن غمطه
وارفعوا آمالكم عن القنوع بغرور قد خدع أسلافكم ، ولا تحمدوا على جيفة العرض الزائل ائتلافكم
واقنعوا منه بما تيسر ، ولا تأسوا على ما فات وتعذر
فإنما هي دجنة ينسخها الصباح ، وصفقة يتعقبها الخسار والرباح
ودونكم عقيدة الإيمان فشدوا بالنواجذ عليها ، وكفكفوا الشبه أن تدنوا إليها
واعلموا أن الإخلال بشيء من ذلك خرق لا يرفؤه عمل وكل ما سوى الراعي همل ، وما بعد الرأس في صلاح الجسم أمل
وتمسكوا بكتاب الله حفظًا وتلاوة ، واجعلوا حمله على حمل التكليف علاوة
وتفكروا في آياته ومعانيه ، وامتثلوا أوامره وانتهوا عن مناهيه ، ولا تتأولوه ولا تغلوا فيه
وأشربوا قلوبكم حب من أنزل على قلبه ، وأكثروا من بواعث حبه
وصونوا شعائر الله صون المحترم ، واحفظوا القواعد التي ينبني عليها الإسلام حتى لا ينخرم .
اللهَ الله في الصلاة ذريعة التجلة ، وخاصة الملة
وحاقنة الدم ، وغنى المستأجر المستخدم
وأم العبادة ، وحافظة اسم المراقبة لعالم الغيب والشهادة
والناهية عن الفحشاء والمنكر مهما عرض الشيطان عرضهما ، ووطأ للنفس الأمارة سماءهما وأرضهما
والوسيلة إلى بل الجوانح ببرود الذكر ، وإيصال تحفة
الله إلى مريض الفكر
وضابطة حسن العشرة من الجار ، وداعية المسالمة من الفجار
والواسمة بسمة السلامة ، والشاهدة للعقد برفع الملامة
فاصبروا النفس على وظائفها بين إبداء وإعادة ، فالخير عادة
ولا تفضلوا عليها الأشغال البدنية [ وتؤثروا على العلية الدنية ]
فإن أوقاتها المعينة بالانفلات تنبس والفلك بها من أجلكم لا يحبس
وإذا قرنت بالشواغل فلها الجاه الأصيل ، والحكم الذي لا يغيره الغدو ولا الأصيل
والوظائف بعد أدائها لا تفوت ، وأين حق من يموت ، من حق الحي الذي لا يموت
وأحكموا أوضاعها إذا أقمتموها ؛ وأتبعوها بالنوافل ما أطقتموها
فالإتقان تفاضلت الأعمال ، وبالمراعاة استحق الكمال ، ولا شكر مع الإهمال ، ولا ربح مع إضاعة رأس المال
وثابروا عليها في الجماعات ، وبيوت الطاعات
فهو أرفع للملام ، وأظهر لشرائع الإسلام
وأبر بإقامة الفرض ، وأدعى إلى مساعدة البعض البَعض .
والطهارة التي هي في تحصيلها سبب موصل ، وشرط لمشروطها محصل
فاستوفوها ، والأعضاء نظفوها ، ومياهها بغير أوصافها الحميدة فلا تصفوها
والحجول والغرر فأطيلوها ، والنيات في كل ذلك فلا تهملوها
فالبناء بأساسه ، والسيف برئاسه ، واعلموا أن هذه الوظيفة من صلاة وطهور ، وذكر مجهور وغير مجهور
تستغرق الأوقات ، وتنازع شتى الخواطر المفترقات
فلا يضبطها إلا من ضبط نفسه بعقال ، وكان في درجة الرجولة ذا انتقال واستعاض صدأه بصقال
وإن ترخى تقهقر الباع ، وسرقته الطباع ، وكان لما سواها أضيع فشمل الضياع .
والزكاة أختها الحبيبة ، ولدتها القريبة
مفتاح السماحة بالعرض الزائل وشكران المسئول على الضد من درجة السائل
وحق الله في مال من أغناه ، لمن أجهده في المعاش وعناه
من غير استحقاق ملء يده وإخلاء يد أخيه ، ولا علة القدر الذي يخفيه ، وما لم ينله حظ الله فلا خير فيه ، فاسمحوا بتفرقتها للحاضر لإخراجها واختيار عرضها ونتاجها
واستحيوا من الله أن تبخلوا عليه ببعض ما بذل ، وخالفوا الشيطان كلما عذل
واذكروا خروجكم إلى الوجود لا تملكون ، ولا تدرون أين تسلكون
فوهب وأقدر ، وأورد بفضله وأصدر
ليرتب بكرمه الوسائل ، ويقيم الحجج والدلائل ، فابتغوا إليه الوسيلة بماله ، واغتنموا رضاه ببعض نواله .
صيام رمضان عبادة السر المقربة إلى الله زلفى ، الممحوضة لمن يعلم السر وأخفى
مؤكدة بصيام الجوارح عن الآثام ، والقيام ببر القيام
والاجتهاد ، وإيثار السهاد على المهاد
وإن وسع الاعتكاف فهو من سننه المرعية ، ولواحقه الشرعية
فبذلك تحسن الوجوه ، وتحصل النفوس من الرقة على ما ترجوه
وتهذب الطباع ، ويمتد في ميدان الوسائل إلى الله الباع .
والحج مع الاستطاعة الركن الواجب
والفرض على العين لا يحجبه الحاجب
وقد بين رسول الله قدره فيما فرض عن ربه وسنه
وقال: « ليس له جزاء عند الله إلا الجنة » .
ويلحق بذلك الجهاد في سبيل الله إن كانت لكم قوة عليه ، وغنى لديه
فكونوا ممن يسمع نفيره ويطيعه ، وإن عجزتم فأعينوا من يستطيعه .
هذه عمد الإسلام وفروضه ، ونقود مهره وعروضه
فحافظوا عليها تعيشوا مبرورين ، وعلى من يناوئكم ظاهرين ، وتلقوا الله لا مبدلين ولا مغيرين ، ولا تضيعوا حقوق الله فتهلكوا مع الخاسرين .
واعلموا أن بالعلم تستكمل وظائف هذه الألقاب ، تجلى محاسنها من بعد الانتقاب
فعليكم بالعلم النافع ، دليلا بين يدي الشافع
فالعلم مفتاح هذا الباب ، والموصل إلى اللباب
والله عز وجل يقول :
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ
والعلم وسيلة النفوس الشريفة ، على المطالب المنيفة ، وشرطه الخشية لله والخيفة
وخاصة الملأ الأعلى ، وصفة الله في كتبه التي تتلى
والسبيل في الآخرة إلى السعادة ، وفى الدنيا إلى التجلة عادة
والذخر الذي قليله يشفع وينفع ، وكثيره يعلي ويرفع
لا يغصبه الغاصب ، ولا يسلبه العدو المناصب
ولا يبتزه الدهر إذا مال ، ولا يستأثر به البحر إذا هال
من لم ينله فهو ذليل وإن كثرت آماله ، وقليل إن جم ماله
وإن كان وقته قد فات اكتسابكم ، وتخطى حسابكم ، فالتمسوه لبنيكم ، واستدركوا منه ما خرج عن أيديكم
واحملوهم على جمعه ودرسه ، واجعلوا طباعهم ثرىً لغرسه ؛ واستسهلوا ما ينالهم من تعب من جراه ، وسهر يهجر له الجفن كراه
تعقدوا لهم ولاية عز لا تعزل ، وتحلوهم مثابة رفعة لا يحط فارعها ولا يستنزل
واختاروا من العلوم التي ينفقها الوقت ، ما لا يناله في غيره المقت
وخير العلوم علوم الشريعة ، وما نجم بمنابتها المريعة
من علوم لسان لا تستغرق الأعمار فصولها ، ولا يضايق ثمرات المعاد محصولها
فإنما هي آلات لغير ، وأسباب إلى خير منها وخير
فمن كان قابلاً منها لازدياد ، وألفى فهمه ذا انقياد
فليخص تجويد القرآن بتقديمه ، ثم حفظ الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه
ثم الشروع في أصول الفقه ، فهو العلم العظيم المنة ، المهدي كنوز الكتاب والسنة
ثم المسائل المنقولة عن العلماء الجلة ، والتدرب في طرق النظر وتصحيح الأدلة ، وهذه هي الغاية القصوى في الملة
ومن قصر إدراكه عن هذا المرمى ، وتقاعد عن التي هي أسمى
فليرو الحديث بعد تجويد الكتاب وإحكامه .
وأمروا بالمعروف أمرًا رفيقًا ، وانهوا عن المنكر نهيًا حريًا بالاعتدال حقيقًا ، واغبطوا من كان من سنة الغفلات مفيقًا ، واجتنبوا ما تنهون عنه حتى لا تسلكوا من طريقًا
وأطيعوا أمر من ولاه الله من أموركم أمرًا ، ولا تقربوا من الفتنة جمرًا ، ولا تداخلوا في الخلاف زيدًا ولا عمرًا .
وعليكم بالصدق فهو شعار المؤمنين ، وأهم ما أضرى عليه الآباء ألسنة البنين
وأكرم منسوب إلى مذهبه ، ومن أكثر من شيء عرف به .
وإياكم والكذب فهو العورة التي لا توارى ، والسوءة التي لا يرتاب في عارها ولا يتمارى
وأقل عقوبات الكذاب ، بين يدي ما أعد الله له من العذاب ، ألا يقبل صدقه إذا صدق ، ولا يعول عليه إن كان بالحق قد نطق .
وعليكم بالأمانة فالخيانة لوم ، وفى وجه الديانة كلوم
ومن الشريعة التي لا يعذر بجهلها
أداء الأمانات إلى أهلها
وحافظوا على الحشمة والصيانة ، لا تجزوا من أقرضكم دين الخيانة
ولا توجدوا للغدر قبولا ، ولا تقروا عليه طبعًا مجبولاً
وأوفوا بالعهد عن العهد كان مسئولاً
ولا تستأثروا بكنز ولا خزن ، ولا تذهبوا لغير مناصحة المسلمين في سهل ولا حزن ، ولا تبخسوا الناس أشيائهم في كيل أو وزن
والله الله أن تعينوا في سفك الدماء ولو بالإشارة أو بالكلام ، أو ما يرجع إلى وظيفة الأقلام ، واعلموا أن الإنسان في فسحة ممتدة ، وسبيل الله غير منسدة
ما لم ينبذ إلى الله بأمانه ، ويغمس في الدم الحرام بيده أو لسانه
قال الله تعالى في كتابه الذي هدى به سننًا قويمًا ، وجلى من الجهل والضلال ليلاً بهيما :
وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً
واجتناب الزنا وما تعلق به من أخلاق دليل على من كرمت طباعه ، وامتد في سبيل السعادة باعه
ومن غلبت عليه غرائز جهله ، فلينظر هل يحب أن يزنى بأهله ؟! والله قد أعد للزاني عذابًا وبيلاً ، وقال :
وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً .
والخمر أم الخبائث ومفتاح الجرائم والجرائر
واللهو لم يجعله الله في الحياة شرطًا ، والمحرم قد أغنى عنه بالحلال الذي سوغ وأعطى
وقد تركها في الجاهلية أقوام لم يرضوا لقولهم بالفساد ، ولا لنفوسهم بالمضرة في مرضاة الأجساد ، والله قد جعلها رجسًا محرمًا على العباد ، وقرنها بالأنصاب والأزلام في مباينة السداد .
ولا تقربوا الربا فإنه من مناهي الدين
والله تعالى يقول :
وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ
في الكتاب المبين
ولا تأكلوا مال أحد بغير حق يبيحه ، وانزعوا الطمع عن ذلك حتى تذهب ريحه
والتمسوا الحلال يسعى فيه أحدكم على قدمه ، ولا يكل اختياره إلا للثقة من خدمة ، ولا تلجؤوا على المتشابه إلا عند عدمه
فهو في السلوك إلى الله أصل مشروط ، والمحافظة عليه مغبوط .
وإياكم والظلم فالظالم ممقوت بكل لسان ، مجاهر لله بصريح العصيان ، والظلم ظلمات يوم القيامة كما ورد في الصحاح والحسان
والنميمة فساد وشتات ، لا يبقى عليه متات
وفى الحديث : « لا يدخل الجنة قتات » .
واطرحوا الحسد والبخل فمارئي البخيل وهو مودود
وإياكم وما يعتذر منه
فمواقف الخزي لا تستقال عثراتها ، ومظنات الفضائح لا تؤمن غمراتها
وتفقدوا أنفسكم مع الساعات ، وافشوا السلام في الطرق والجماعات
ورقوا على ذوي الزمانات والعاهات ، وتاجروا مع الله بالصدقة يربحكم في البضاعات
وعولوا عليه وحده في الشدايد ، واذكروا المساكين إذا نصبتم الموائد
وتقربوا إليه باليسير من ماله ، واعلموا أن الخلق عيال الله وأحب الخلق إليه المحتاط لعياله
وارعوا حقوق الجار ، واذكروا ما ورد في من الآثار ، وتعاهدوا أولي الأرحام ، والوشائج البادية الالتحام ؛ واحذروا شهادة الزور فإنها تقطع الظهر ، وتفسد السر والجهر
والرشا فإنها تحط الأقدار ، وتستدعي المذلة والصغار
ولا تسامحوا في لعبة قمر ، ولا تشاركوا أولي البطالة في أمر
وحقوق الله من الازدراء والاستخفاف ، ولا تلهجوا بالآمال العجاف ، لا تكلفوا بالكهانة والإرجاف
واجعلوا العمر بين معاش ومعاد ، وخصوصية وابتعاد ، واعلموا أن الله بمرصاد وأن الخلق بين زرع وحصاد
وأفلوا بغير الحالة الباقية الهموم ، واحذروا القواطع عن السعادة كما تحذر السموم ، واعلموا أن الخير أو الشر في الدنيا محال أن يدوم
وقابلوا بالصبر أذية المؤذين ، ولا تقارضوا مقلات الظالمين ، فالله لمن بغي عليه خير الناصرين
ولا تستعظموا حوادث الأيام كلما نزلت ، ولا تضجوا للأمراض إذا أعضلت
فكل منقرض حقير ، وكل منقض وإن طال فقصير
وانتظروا الفرج ، وانشقوا من جناب الله الأرج
وأوسعوا بالرجاء الجوانح ، واجنحوا إلى الخوف من الله تعالى فطوبى لعبد إليه جانح ، تضرعوا إلى الله بالدعاء ، والجؤوا إليه في البأساء والضراء
وقابلوا نعم الله بالشكر الذي يقيد منها الشارد ، ويعذب الموارد
وأسهموا منها للمساكين ، وأفضلوا عليهم ، وعينوا الحظوظ منها لديهم
فمن الآثار : « يا عائشة أحسني جوار نعم الله ، فإنها قلما زالت عن قوم فعادت إليهم » .
ولا تطغكم النعم فتقصروا في شكرها ، وتلفكم الجهالة بسكرها ؛ وتتوهموا أن سعيكم جلبها ، وجدكم حلبها
فالله خير الرازقين ، والعاقبة للمتقين ، ولا فعل إلا الله إذا نظر بعين اليقين .
والله الله لا تنسوا الفضل بينكم ، ولا تذهبوا بذهابه زينكم
وليلتزم كل منكم لأخيه ، ما يشتد به تواخيه
بما أمكنه من إخلاص وبر ، ومراعاة في علانية وسر ، وللإنسان مزية لا تجهل ، وحق لا يهمل وأظهروا التعاضد والتناصر ، وصلوا التعاهد والتزاور
ترغموا بذلك الأعداء ، وتستكثروا الأوداء
ولا تنافسوا في الحظوظ السخيفة ، ولا تهارشوا تهارش السباع على الجيفة
واعلموا أن المعروف يكدر بالامتنان ، وطاعة النساء وشر ما أفسد بين الإخوان
فإذا أسديتم معروفًا فلا تذكروه ، وإذا برز قبيح فاستروه ، وإذا أعظم النساء أمرًا فاحتقره ( إلا أن يكون تعظيمًا للدين فساعدوهن وانصروه )
والله الله لا تنسوا مقارضة سجلي ، وبروا أهل مودتي من أجلي ، ومن رزق منكم مالاً بهذا الوطن القلق المهاد ، الذي لا يصلح لغير الجهاد
فلا يستهلكه أجمع في العقار ، فيصبح عرضة للمذلة والاحتقار ، وساعيًا لنفسه إن تغلب العدو على بلده في الافتضاح والافتقار
ومعوقًا عن الانتقال ، أمام النوب الثقال
وإذا كان رزق العبد على المولى فالإجمال في الطلب أولى
وازهدوا جهدكم في مصاحبة أهل الدنيا ، فخيرها لا يقوم بشرها ، ونفعها لا يفي بضرها
وأعقاب من تقدم شاهدة ، والتواريخ لهذه الدعوى عاضدة
ومن بلي منكم بها فليستظهر بسعة الاحتمال ، والتقلل من المال ، ويحذر معاداة الرجال ، ومزلات الإذلال ، وفساد الخيال ، ومداخلة العيال ؛ وإفشاء الأسرار ، وسكر الاغترار
وليصن الديانة ، ويؤثر الصمت ويلزم الأمانة
ويسر من رضا الله على أضح الطرق ، ومهما اشتبه عليه أمران قصد أقربهما إلى الحق
وليقف في التماس أسباب الجلال ، وسموا القدر ورفعة الحال دون الكمال
فما بعد الكمال غير النقصان ، والزعازع تسالم اللدن اللطيف من الأغصان
وإياكم وطلب الولايات رغبة واستجلابًا ، واستظهارًا على الحظوظ وغلابًا
فذلك ضرر بالمروءات والأقدار ، داع إلى الفضح والعار
ومن امتحن منكم بها اختيارًا ، أو جبر عليها إكراهًا وإيثارًا
فليتق وظائفها بسعة صدره ، وليبذل من الخير فيها ما يشهد أن قدرها دون قدره
فالولايات فتنة ومحنة ، واسر وإحنة
وهي بين إخطاء سعادة ، وإخلال بعادة
وتوقع عزل ، وإدالة رخاء بأزل ، وبيع جد من الدنيا بهزل
ومزلة قدم ، واستتباع ندم ؛ ومال العمر كله قوت ومعاد ، واقتراب من الله وابتعاد
جعلكم الله ممن نفعة بالتبصير والتنبيه ، وممن لا ينقطع بسببه عمل أبيه .
هذه أسعدكم الله وصيتي التي أصدرتها ، وتجارتي التي لربحكم أدرتها
فتلقوها بالقبول لنصحها ، والاهتداء بضوء صبحها
وبقدر ما أمضيتم من فروعها ، واستغشيتم من دروعها
اقتنيتم من المناقب الفاخرة ، وحصلتم على سعادة الدنيا والآخرة
وبقدر ما أضعتم من لآليها النفسية القيم ، استكثرتم من بواعث الندم
ومهما سئمتم إطالتها ، واستغزرتم مقالتها
فاعلموا أن تقوى الله فذلكة الحساب ، وضابط هذا الباب ؛
كان الله خليفتي عليكم في كل حال ،فالدنيا مناخ ارتحال وتأميل الإقامة فرض محال
فالموعد للالتقاء ، دار البقاء
جعلها الله من وراء خطة النجاة ، ونفق بضائعها المزجاة ، بلطائفه المرتجاة
والسلام عليكم من حبيبكم المودع ، والله يلأمه حيث شاء من شمل متصدع ورحمة الله وبركاته
اللهم طيبنا للقائك ، وأهلنا لولائك وأدخلنا مع المرحومين من أوليائك ، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين .
|