اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة maya
[size="7"]
(قالت الحادية عشر):
زوجي أبو زَرْع، وما أبو زَرْع؟
أناسَ من حُليِّ أُذُنَيَّ
وملأ من شَحْمٍ عَضُديَّ
وبَجَّحَني فبَجَحْتُ إليَّ نفسي
وجدني في أهل غُنيمةٍ بَشَقٍ
فجعلني في أهل صَهيلٍ وأَطيطٍ، ودائِسٍ ومُنَقٍّ، فعنده أقولُ فلا أُقَبَّحُ
وأرقدُ فأتصبّحُ، وأشربُ فأتقَمَّحُ
أم أبي زرع فما أمُّ أبي زرع؟:
عُكومُها رَِدَاحٌ
وبيتُها فَسَاح
ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟:
مضجعه كمسلِّ شَطْبةٍ، وتُشْبِعُهُ ذِراعُ الجَفرَةِ
بنت أبي زرع:
فما بنت أبي زرع؟
طَوعُ أبيها وطَوعُ أمها، وملءُ كسائها، وغَيظُ جارتها
جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟:
لا تَبثُّ حديثنا تبثيثاً، ولا تَنْقُثُُ ميرتَنا تنقيثاً، ولا تَملأ بيتنا تعشيشاً.
قالت خرج أبو زرع والأوطاب تُمْخَضُ، فَلقي امرأةً معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خَصْرها برمَّانتين
فطلَّقني ونكحها
فنكحْتُ بعده رجلاً سَريَّاً، رَكِبَ شَرياً، وأخذ خَطِيَّاً، وأراح عليَّ نَعَماً ثَرِياً، وأعطاني من كل رائحةٍ زوجاً
وقال: كلي أم زرع! وميري أهلك، فلو جمعتُ كل شيء أعطانيه ما بَلَغ أصغر آنية أبي زرع.
|
زوجي أبو زرع فما أبو زرع !
هل تعرفون شيئاً عن أبي زرع ؟ .
وحيث إننا لا نعرف شيئاً عن أبي زرع، فهي تعرفنا من هو أبو زرع. تقول :
( أناس من حلي أذني ، وملأ من شحم عضدي ) . هذا كله غزل
( أناس من حلي أذني ) :النوس يعني الاضطراب والحركة ، ومنه الناس ؛ لأنهم يتحركون ذهاباً وإياباً .
( أناس من حلي أذني ): أي:ألبسها ذهباً في آذانها ، وهي تتحرك، فالذهب يتحرك في آذانها بعدما كانت خالية ، فهي الآن تحمل ذهباً في كل أذن .
( وملأ من شحم عضدي ) : بدأت المرأة بالذهب لأنه أهلك النساء ، الأحمران : الذهب والحرير ، فالنساء عندهن شغف شديد بالذهب ،
( وملأ من شحم عضدي ) ، تريد أن تقول : إنه كريم .. يعني أنه أخذها نحيلة والآن امتلأت .
( وبجحني فبجحت إلي نفسي ) ، يقول لها: يا سيدة الجميع ! يا جميلة ! يا جوهرة !
حتى صدقت ذلك، من كثرة ما بجحها إلى نفسها
( فبجحت إلى نفسي ) : أي : فصدقته ،
مع أنها قالت :(وجدني في أهل غنيمة بشق) ، يعني : شق جبل ، أي أنها كانت تعيش
في حارة بشق ، وفي بعض الروايات الأخرى( بشق ) : يعني كانت تعيش بشق الأنفس ، فقيرة فقراً مدقعاً تقول :( وجدني في أهل غنيمة ) ، غنيمة : تصغير غنم ، أي أن حالتهم كانت كلها كرب ، حتى الغنم صار غنيمة ، دلالة على حقارة المال . قالت :
( وجدني في أهل غنيمة بشق ) ، فنقلها نقلة عظيمة ، ( فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق ) ، هذه نقلة كبيرة من أهل غنيمة بشق، نقلها إلى
( أهل صهيل ) : أصحاب خيل
( وأطيط ) : أصحاب إبل
لأن الخف الخاص بالجمل لين، فعندما يكون محملاً حملاً ثقيلاً تسمع كلمة : أط أط أط، خلال مشيه ، فهذا يسمى أطيطاً
والإبل كانت من أشرف الأنعام عند العرب
( ودائس ) أي : ما يداس ، وهذا كناية عن أنهم أناس أهل زرع فلاحون، فإن الزارع بعد حصد الزرع يدوس عليه بأي شيء حتى يخرج منه الحب ، فهو كناية عن أنهم أهل زرع .
( ومنق ) : المنق : هو المنخل ، فالعرب ما كانوا يعرفون المنخل إنما كان يعرفه أهل الترف ، تقول عائشة - رضي الله عنها - :
( ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم منخلاً بعينيه ) ، فقال عروة :
( فكيف كنتم تأكلون يا خالة ؟ فقالت : كنا نذريه في الهواء )
فالتبن يطير في الهواء، والذي يبقى مع الشعير يطحنونه كله ويأكلونه، والنبي عليه الصلاة والسلام كما قالت عائشة رضى الله عنها :( مات ولم يشبع من خبز الشعير ) ]ليس من خبز القمح ، فإن القمح هذا لم يأكلوه أبداً! تقول : وما أكل خبزاً مرققاً فكلمة ( منق ) فيها دلالة على الترف ،فعندهم من كل المال ، فهم أغنياء ، عندهم خيل وإبل وزرع ، وعندما يأكلون عندهم منخل ؛ لأنهم كانوا لا يفصلون التبن عن الغلة ، فيطحنونها دقيقاً يسر الناظرين
( فعنده أقول فلا أقبح ) تقول : مهما قلت فلا أحد يجرؤ أن يقول لي : قبحك الله ..
فقد كان عزها من عز الرجل ومكانتها من مكانته، فلا يستطيع أحد أن يرد عليها بكلمة .
( وأرقد فأتصبح ) : تنام حتى وقت الضحى
( وأشرب فأتقمح ) :
وفي رواية البخاري : ( فأتقنح ) ، بالنون
وهناك فرق بين اللفظين ، أما لفظ ( فأتقمح ) فإنه يقال : بعير قامح ، أي إذا ورد الماء وشرب ثم رفع رأسه زهداً في الشرب بعد أن يروى، فهي بعدما تشرب العصير، تترك نصف الكأس؛
لأنها قد ارتوت، وأما ( أتقنح ) أي : تشرب وتأكل تغصباً ، فتأكل حتى تشبع ، فيقال لها :
كلي، فتتغصب الزيادة ، وهذا لا يكون إلا إذا كان هناك دلال وحب .
فقولها : فأتقمح أو أتقنح فيه دلالة على أنها تترك الأكل والشرب زهداً فيه لكثرته ،
فجمعت بين التبجيح والتعظيم الأدبي وبين الكرم.