كنت في زيارة لأحد الأصدقاء فسألته عن أحد المعارف فقال إنه يردد دائماً أنا بيتوتي وهو منعزل في منزله فتساءلت يا ترى ما هذه الكلمة التي انتشرت هذه الأيام سمعت هذه الكلمة فانتباني احساس مؤلم وقشعريرة في جلدي استنفزتني هذه الكلمة وطرحت معها تساؤلات كثيرة ما معنى ان الواحد منا لا يؤمن بالجماعة ويفر من الآخر أخيه الإنسان حتى أقربائه رغم ان الإنسان اجتماعي الطبع مسلم بفطرته وأخونا قبل ان ينزوي وحيداً في منزله سواء مع نفسه أو أسرته فقط فالمرء كثير باخوانه قليل بنفسه أخي وصديقي القارئ حتماً ولابد ان الإنسان محتاج لأخيه الإنسان للفزعة للمساندة لمواساته لمشاركته في أفراحه وأتراحه لمزاورته والأنس به يعينه بماله وجاهه.. إلخ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يد الله مع الجماعة). رواه البخاري وكان النبي صلى الله عليه وسلم: يجتمع مع صحابته وجيرانه ويخالط الناس ويذهب إلى الأسواق ويسلم على الكبير والصغير ويعين المحتاج ولنا في رسول الله أسوة حسنة انظر إلى الصلاة أيها البيتوتي لا تكون إلاّ في جماعة والحياة ملأى بالنواحي الجميلة ومن هذا المنطلق ويبدو من المهم جداً ان نعايش الجماعة ونأنس بهم وأن نحقق التكافل الاجتماعي وان نسامرهم ونساعدهم ونقف إلى جانبهم ونبذل الخير فقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم باذر الخير بأنه خير الناس والمؤمن للمؤمن كالبنيان يرص بعضه بعضاً واجعل لك في كل بلد صديق كما قيل. واحرص على مواصلة العلاقة بالقريب والجار والضيف والزميل والصديق والأخ والشقيق ولكن هذا البيتوتي قد يحتج بقوله (الناس ما فيهم خير وقربهم مشاكل) ما هذا التشاؤم؟ والناس كأصابع اليد الواحدة يختلفون فكن على حذر فقط حين تعاملهم واختبرهم والكريم موجود واللئيم موجود وأحسن الظن بالناس واخلع عنك لباس البيتوتية وقد يحتج البيتوتي بالماديات والمصالح وأنها طغت على البشر وأقول له الدنيا قائمة أصلاً على المصالح وتبادل المنافع وعجلة التطور مستمرة وفي تزايد ولله الحمد في هذا البلد المعطاء ونحن بحاجة إلى الماديات ونلهث وراءها لأن الله تعالى قال: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين) (القصص: ٧٧).
إذاً لا ننسى نصيبنا ونحسن إلى أنفسنا وإلى الآخرين الأقربين فالأقربين.
أيها البيتوتي أصح من رقادك وفرمل العزلة ودس على الوحدة واسع في مناكبها وخالط البشر ليكون لك ذكرى في الورى اترك الانكفاء على النفس حتى لا تمرض وتموت بغيظك فإذا وقعت لن تجد متكئاً تستند عليه ممن أحسنت إليهم وتواصلت معهم وسيصيبك الملل بسبب روتين الحياة القاتل وسيقف النشاط الذهني والحركي لديك وربما تفقد حيويتك وتصاب بالترهل الجسماني في عضلاتك وفي مخك والتبرم يكون طبعك والنقد كل شيء ديدنك والضيق ثم التبلد نصيبك والفقدان التدريجي للأحاسيس الإنسانية الجميلة والرتابة فكأنك حكمت على نفسك بعقوبة قاسية هي أقسى من عقوبة السجن فأنت مسجون داخل نفسك فهل ستتحمل.
إن عزلة الآخرين تعني الموت البطيء وربما حلول الأمراض النفسية وعدم الثقة في النفس والآخرين فلابد من التواصل والتجديد والتغيير والسعي في أرجاء الدنيا والواسعة مع الناس في الزحمة تجد نفسك تواسي إنساناً تمسح دمعة فقير تلاطف معاقاً وتخفف عنه تهدي كفيفاً وتزور مريضاً وتشيع جنازة وتحضر فرحاً.. إلخ لكن البيتوتيين مازالوا يصرون على ان يجعلوا رحلة الحياة رحلة ملل مستمرة وسيتحولون إلى مخلوق كئيب هزيل حزين يتمنى الموت والعياذ بالله.
ناصر زيد العليق
جريدة الرياض
للاستفادة من تعليقات كتاب الجريدة هنا
ط¬ط±ظٹط¯ط© ط§ظ„ط±ظٹط§ط¶ : ط£ظ†ط§ ط¨ظٹطھظˆطھظٹ