01 / 01 / 2011, 23 : 06 PM
|
عضو حاصل على المرتبة الرابعة
|
المنتدى :
سواليف مطاوعة |
تاريخ التسجيل |
العضوية |
المشاركات |
بمعدل |
المواضيع |
الردود |
معدل التقييم |
نقاط التقييم |
قوة التقييم |
19 / 03 / 2010 |
4143 |
510 |
0.10 يوميا |
|
|
189 |
10 |
|
|
|
|
قصة عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
كَانَ عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ يَتِيمًا
مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُ مَالاً وَلا مُعِيلاً لَكِنَّ أُمَّهُ لَمْ تَلْبَثْ إِلا مُدَّةً يَسِيرَةً ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِالْجُلاسِ بن سُوَيْدٍ فَكَفَلَ ابْنَهَا عُمَيْرًا وَضَمَّهُ إِلَيْهِ .
وَقَدْ لَقِيَ عُمَيْرٌ مِنْ بِرِّ الْجُلاسِ وَرِعَايَتِه وَجَمِيل عَطْفَهِ بِهِ مَا جَعَلَهُ يَنْسَى أَنَّهُ يَتَيمٌ فَأَحَبَّ عُمَيْرٌ الْجُلاسَ حُبَّ الابْنِ لأَبِيهِ وَكَذَلِكَ الْجُلاسُ وَلِعَ بِعُمَيْرٍ وَأَحَبَّهُ حُبَّ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ .
وَكَانَ كُلَّمَا شَبَّ عُمَيْرٌ ازْدَادَ الْجُلاسُ لَهُ حَبًّا وَازْدَادَ بِهِ إِعْجَابًا لِمَا يَتَخَيَّلُ فِيهِ مِنْ أَمَارَاتِ الْفِطْنَةِ وَالنَّجَابَةِ الَّتِي تَبْدُو فِي كُلِّ عَملٍ مِنْ أَعْمَالِهِ وَتَبْدُو فِي شَمَائِلهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ .
وَقَدْ أَسْلَمُ عُمَيْرُ بِنُ سَعْدٍ وَهُوَ صَغِيرٌ لَمْ يُجَاوِزِ الْعَاشِرَةَ مِنْ عُمْرِهِ إِلا قَلِيلاً فَوَجَدَ الإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ الْغَضِّ مَكَانًا خَالِيًا فَتَمَكنَ مِنْهُ وَأَلْفَى الإِسْلامُ فِي نَفْسِ عُمَيْرٍ الصَّافِيَةِ تُرْبَةً خَصْبَة فَتَغَلْغَلَ فِيهَا .
فَكَانَ عَلَى صِغَر سِنِّهِ لا يَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّلاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ أُمُّهُ تُسَرُّ وَتَغْمُرُهَا الْفَرْحَةُ إِذَا رَأَتْهُ ذَاهِبًا إِلى الْمَسْجِد أَوْ رَاجِعًا مِنْهُ .
وَسَارَتْ حَيَاتُه عَلَى هَذَا النَّحْوِ هَانِئَةً هَادِئَةً وَادِعَةً لا يُعَكِّرُ صَفْوهَا مُعَكِّرٌ إِلى أَنْ قَدَرَ اللهُ عَلَى عُمَيْرٍ مِحْنَة مِنْ أَشَدِّ الْمِحَنِ قَلَّماَ مَرَّتْ عَلَى فَتَىً مِثْلِهِ فِي السِّنِّ .
فَفِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ لِمَا رَأَى بَذْلَ الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَهُمْ عِنْدَمَا حَثَّهُمْ صَلَواتُ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلامُه عَلَى الْجِهَادِ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَحَثَّهُمْ عَلَى النَّفَقَةِ وَرَغِبَ أَهْلُ الثَّرْوَةِ بِالْخَيْرِ وَحَثَّ الْمُوسِرِينَ عَلَى تَجْهِيزِ الْمُعْسِرِينَ
وَأَبْصَرَ أَبَا بَكْرٍ يَجِيءُ بِمَا عِنْدَهُ
وَعُمَرَ يَأْتِي بِنِصْفِ مَالِهِ
وَعُثْمَانَ يَأْتِي بِجِرَابٍ فِيهِ أَلْفَ دِينَارٍ ذَهَبًا وَيُقَدِّمُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ يَحْمِلُ عَلَى عَاتِقِهِ مَائَتَي أَوْقِيَّةٍ مِنْ الذَّهَبِ وَيُلْقِيهَا بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَنِسَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ يَنْزِعْنَ حُلِيِّهِنَّ وَيُلْقِينَهُ بَيْنَ يَدِيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُجَهِّزَ بِثَمَنِهِ الْجَيْشَ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللهِ
بَلْ رَأَى رَجُلاً يَعْرِضُ فِرَاشَه لِلْبَيْعِ لِيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ سَيْفًا يُجَاهِدُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ .
فَتَعَجَّبَ عُمَيْرٌ مِنْ تَأَخُّر الْجُلاسِ وَتَبَاطِئِهِ عَنْ الاسْتِعْدَادِ لِلرَّحِيلِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَأَخُّرِهِ عَنْ الْبَذْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ عَلَى الرَّغْمْ مِنْ قُدْرَتِهِ وَغِنَاهُ .
وَأَرَادَ عُمَيْرٌ أَنْ يَسْتَثِيرَ هِمَّةَ الْجُلاسِ وَيَبْعَثَ الْحَمِيَّةَ وَالْمُرُوءَةِ فِي نَفْسِهِ فَشَرَعَ يَقُصُّ عَلَى الْجُلاسِ أَخْبَارَ مَا رَأَى وَمَا سَمِعَ وَخَاصَّةً الْبَكَّائِينَ الذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَحْملِهُم وَاعْتَذَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لا يَجِدُ مَا يَحْملِهُم فَتَوَلَّوْا وَأَعْينُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزْنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُبَلِّغُهُم أُمْنِيَّتَهُمْ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ .
لَكِنَّ الْجُلاسَ مَا كَادَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ عُمَيْرٍ مَا سَمِعَ حَتَّى تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَطَارَتْ عَقْلَ الْفَتَى عُمَيْرِ مِنْ كِبَرِهَا إِذَا سَمِعَهُ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِهِ :
( إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ النُّبُوَّةِ فَنَحْنُ شَرٌّ مِنْ الْحَمِيرِ )
لَقَدْ انْدَهَشَ عُمَيْرٌ مِمَّا سَمِعَ فَمَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّ رَجُلاً عَاقِلاً كَبِيرَ السِّنِّ يَنْطِقُ بِمِثْل هَذِهِ الْكَلِمَةِ الَّتِي تُخْرِجُ قَائِلَهَا عَنْ الإِيمَانِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَتُدْخِلُهُ فِي الْكُفْرِ .
ذَهَبَ عُمَيْرُ بنُ سَعَدٍ يُفَكّرُ فِي تِجَاهِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ الْفَظِيعَةِ الْمُوبقَةِ فَرَأى أَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْجُلاسِ وَالسَّتْرَ عَلَيْهِ خِيَانَةٌ للهِ وَرَسُولِهِ وَإِضْرَارًا بِالإِسْلامِ الذِي يَكِيدُ لَهُ الْمُنَافِقُونَ .
وَرَأَى أَنَّ فِي إِخْبَارِهِ فِيمَا سَمِعَ مِنْ الْجُلاسِ عُقُوقًا بِالرَّجُلِ الذِي يُنْزِلُه مِنْ نَفْسِهِ مَنْزِلَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فَالْجُلاسُ هُوَ الذِي كَفَلَهُ يَتِيمًا وَرَبَّاهُ وَعَوَّضَهُ عَنْ فَقْدِ أَبِيهِ .
فَاخْتَارَ النَّصِيحَةَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَالْتَفَتَ إِلى الْجُلاسِ :
وَقَالَ :
وَاللهِ يَا جُلاسُ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ
فَأَنْتَ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَجَلُّهُمْ إِلَيَّ يَدَا وَأَعْظَمُهم نِعْمَة عَلَيَّ .
وَلَقَدْ قُلْتَ مَقَالَةً إِنْ ذَكَرْتُهَا فَضَحْتُكَ ، وَإِنْ أَخْفَيْتُهَا خُنْتَ أَمَانَتِي وَأَهْلَكْتُ نَفْسِي وَدِينِي وَقَدْ عَزَمْتُ عَلَى أَنْ أَمْضِي إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُخْبِرَه بِمَا قُلْتَ فَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِكَ .
ثُمَّ مَضَى عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ إِلى الْمَسْجِدِ وَأَخْبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سَمِعَ مِنْ الْجُلاسِ بنِ سُوَيْدٍ فَأَقْعَدَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ وَأَرْسَلَ أَحَدَ أَصْحَابِهِ إِلى الْجُلاسِ يَدْعُوه أَنْ يَأْتِي .
وَمَا هُوَ إِلا قَلِيلٌ حَتَّى جَاءَ الْجُلاسُ فَحَيَّا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ
فَقَالَ لَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَا مَقَالَةُ سَمِعَهَا مِنْكَ عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ )) وَذَكَرَ لَهُ مَا قَالَهُ
فَقَالَ :
كَذِبَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ وَافْتَرَى فَمَا تَفَوَّهْتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
وَجَعَلَ الصَّحَابَةُ يُدِيرُونَ أَبْصَارَهُم فِي الْجُلاسِ وَعُمَيْرِ بنِ سَعْدٍ كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْرَءُوا عَلَى صَحِيفَتَيْ وَجْهَيْهِمَا مَا يُكُنِّهُ صَدْرَاهُمَا وَجَعَلُوا يَتَهَامَسُونَ
فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ الذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ :
فَتَىً عَاقٌّ أَبَى إِلا أَنْ يُسِيءَ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ .
وَقَالَ آخَرُونَ :
بَلْ إِنَّهُ غُلامٌ نَشَأَ فِي طَاعَةِ اللهِ وَإِنَّ مَلامِحَ وَجْهِهِ لَتَنْطِقُ بِصِدْقِهِ
وَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُمَيْرٍ فَرَأى وَجْهَهُ قَدْ احْتَقَنَ بِالدَّمِ وَالدُّمُوعُ تَنْحَدِرُ مِدْرَارًا مِنْ عَيْنَيْهِ فَتَتَسَاقَطُ عَلَى خَدَّيْهِ وَصَدْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ :
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَى نَبِيِّكَ بَيَانَ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ يُكِرِّرُهَا فَانْبَرَى الْجُلاسُ
وَقَالَ :
إِنَّ مَا ذَكَرْتُه لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ هُوَ الْحَقُّ وَإِنْ شِئْتَ تَحَالَفْنَا بَيْنَ يَدَيْكَ وَإِنِّي أَحْلِفُ بِاللهِ أَنِّي مَا قُلْتَ شَيْئًا مِمَّا نَقَلَهُ لَكَ عُمَيْرٌ فَمَا أَنِ انْتَهَى مِنْ حَلِفِه وَأَخَذَتْ عُيُونَ النَّاسِ تَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلى عُمَيرِ بن سَعْدٍ حَتَّى غَشِيَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّكِينَةُ .
فَعَرَفَ الصَّحَابَةُ أَنَّهُ الْوَحْي فَلَزِمُوا أَمَاكِنَهُمْ وَسَكَنَتْ جَوَارِحُهم وَلاذُوا بِالصَّمْتِ وَتَعَلَّقَتْ أَبْصَارُهمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَا ظَهَرَ الْخَوْفُ وَالْوَجَلُ عَلَى الْجُلاسِ وَبَدَا التَّلَهُّفُ وَالتَّشَوُّقُ عَلَى عُمَيْرٍ ثُمَّ سُرَّى عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلا قَوْلَ اللهِ تَعَالى :
﴿ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ﴾
إِلى قَوْلِهِ :
﴿ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ﴾ .
فَارْتَعَدَ الْجُلاسُ مِنْ هَوْلِ مَا سَمِعَ وَكَادَ يَنْعَقِدُ لِسَانَهُ مِنْ الْجَزَعِ وَالرَّوْعَةِ
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ :
بَلْ أَتُوبُ يَا رَسُولَ اللهِ بَلْ أَتُوبُ ، صَدَقَ عُمَيْرٌ يَا رَسُولَ اللهِ وَكُنْتُ مِنْ الْكَاذِبِينَ ، أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَقْبَلَ تَوْبَتِي جُعِلْتَ فِدَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ .
وَهُنَا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى عُمَيْرِ بنِ سَعْدٍ فَمَدَّ يَدَهُ الشَّرِيفَةُ إِلى أُذُنِهِ وَأَمْسَكَهَا بِرِفْقٍ وَقَالَ :
(( وَفَّتْ أُذُنُكَ يَا غُلامُ مَا سَمِعَتْ ، وَصَدَّقَكَ رَبُّكَ )) .
يتبع
|