01 / 01 / 2011, 26 : 06 PM
|
عضو حاصل على المرتبة الرابعة
|
كاتب الموضوع
:
maya
المنتدى :
سواليف مطاوعة |
تاريخ التسجيل |
العضوية |
المشاركات |
بمعدل |
المواضيع |
الردود |
معدل التقييم |
نقاط التقييم |
قوة التقييم |
19 / 03 / 2010 |
4143 |
510 |
0.09 يوميا |
|
|
190 |
10 |
|
|
|
|
رد: قصة عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ
كَانَ أَهْلُ حَمْصٍ شَدِيدِي التَّذَمُّرِ مِنْ وُلاتِهمْ كَثِيرِي الشَّكْوَى مِنْهُمْ
فَمَا جَاءَ مِنْ وَالٍ إِلا ذَكَرُوا لَهُ عُيوبًا وَأَحْصُوا لَهُ ذُنُوبًا وَرَفَعُوا أَمْرَهُ إِلى خَلِيفَةِ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا مِنْهُ بَدَلَهُ خَيْرًا مِنْهُ .
فَعَزَمَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ بِوَالٍ لا يَجِدُونَ فِيهِ مطْعَنًا وَلا يَرَوْنَ فِي سِيرَتِهِ مَغْمَزًا
فَاخْتَارَ عُمَيْرَ بنَ سَعْدٍ وَعَهِدَ إِلَيْهِ بِوِلايَةِ حِمْصٍ وَأَمْرَهُ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهَا فَقَبِلَ الأَمْرَ عَلَى إِغْمَاضٍ مِنْهُ لأَنَّهُ كَانَ لا يُؤْثِرُ شَيْئًا عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ .
وَلَمَّا بَلَغَ عُمَيْرٌ حِمْصًا جَمَعَ النَّاسَ وَخَطَبَهُمْ وَبَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ قَالَ :
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الإِسْلامَ حِصْنٌ مَنِيعٌ وَبَابٌ وَثِيقٌ وَحِصْنُ الإِسْلامِ الْعَدْلُ ، وَبَابُه الْحَقُّ فَإِذَا دُكَّ الْحِصْنُ وَحُطِّمَ الْبَابُ اسْتُبِيحَ حِمَى الدِّينِ .
وَإِنَّ الإِسْلامَ مَا يَزَالُ مَنِيعًا مَا اشْتَدَّ السُّلْطَانُ وَلَيْسَتْ شِدَّةُ السُّلْطَانِ ضَرْبًا بِالسَّوْطِ وَلا قَتْلاً بِالسَّيْفِ وَلَكِنْ قَضَاءٌ بِالْعَدْلِ وَأَخْذًا بِالْحَقِّ .
ثُمَّ انْصَرَفَ إِلى عَمَلِهِ لِيُنَفذَ مَا اخْتَطَّهُ لَهُمْ .
قَضَى عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ حَوْلاً كَامِلاً فِي حِمْصَ لَمْ يَكْتُبْ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ كِتَابًا وَلَمْ يَبْعَثْ إِلى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْفِيءِ وَلا دِرْهَمًا وَلا دِينَارًا .
فَقَالَ عُمَرُ لِكَاتِبِهِ :
اكْتُبْ لِعُمَيْرٍ وَقُلْ : إِذَا جَاءَكَ كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَقْبِلْ وَاتْرُكْ حِمْصَ وَأَقْبِلْ عَلَيْهِ وَاحْمِلْ مَعَكَ مَا جَبَيْتَ مِنْ فِيءِ الْمُسْلِمِينَ .
وَلَمَّا وَصَلَ كِتَابُ عُمَر إِلى عُمَيْر أَخَذَ جِرَابَ زَادِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَحَمَلَ قَصْعَتَهُ وَوِعَاءَ وُضُوئِهِ وَانْطَلَقَ يَمْشِي إِلى الْمَدِينَةِ
فَلَمَّا وَصَلَ الْمَدِينَةِ وَإِذَا لَوْنُهُ مُتَغَيرٌ وبَدَنُهُ مُتَضَعْضِعٌ قَدْ هَزُلَ جِسْمُه وَطَالَ شَعْرُهُ وَظَهَرَتْ عَلَيْهِ وَعْثَاءُ السَّفَرِ وَكَآبَةُ الْمَنْظَر .
وَلَمَّا دَخَلَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَهَشَ وَتَأَلَّمَ مِنْ حَالَتِهِ وَقَالَ :
مَا بِكَ يَا عُمَيْرُ ؟
فَقَالَ :
مَا بِي شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَأَنَا صَحِيحٌ بِحَمْدِ اللهِ أَحْمِلُ مَعِي الدُّنْيَا كُلَّهَا وَأَجُرُّهَا .
فَقَالَ :
وَمَا مَعَكَ مِنْ الدُّنْيَا ؟ ( وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ مَعَهُ مَالاً يَحْمِلُه لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ )
فَقَالَ :
مَعِي جِرَابِي وَقَدْ وَضَعْتُ فِيهِ زَادِي وَمَعِي قَصْعَتِي آكُلُ فِيهَا وَأَغْسِلُ عَلَيْهَا ثِيَابِي وَمَعِي قِرْبَةٌ لِوُضُوئِي وَشَرَابِي .
ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَبَعٌ لِهَذَا الْمَتَاع لا حَاجَةَ لِي فِيهَا غَيْرَ هَذَا .
فَقَالَ عُمَرُ :
وَهَلْ أَتَيْتَ مَاشِيًا ؟
قَالَ :
نَعَمُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
فَقَالَ :
أَمَا أُعْطَيْتَ مِنْ الإِمَارَةِ دَابَّةً تَرْكَبَهَا ؟
فَقَالَ :
هُمْ لَمْ يَعْطُونِي وَأَنَا لَمْ أَطْلُبْ مِنْهُمْ .
فَقَالَ :
وَأَيْنَ مَا أَتَيْتَ بِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ ؟
فَقَالَ :
لَمْ آتِ بِشَيْءٍ .
فَقَالَ عُمَرُ :
وَلِمَ لَمْ تَأْتِ بِشَيْءٍ .
فَقَالَ :
لِمَّا وَصَلْتُ إِلى حَمْص جَمَعْتُ صُلَحَاءَ أَهْلِهَا وَوَلَّيْتُهُم جَمِيعَ فَيئِهم وَكَانُوا كُلَّمَا جَمَعُوا شَيْئًا اسْتَشَرْتُهُمْ فِي أَمْرِهِ وَوَضَعْتُهُ فِي مَوَاضِعِهِ وَأَنْفَقْتُه عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْهُمْ .
فَقَالَ عُمَرُ لِكَاتِبِهِ :
جَدِّدْ عَهْدًا لِعُمَيْرٍ عَلَى وَلايَةِ حِمْص .
فَقَالَ عُمَيْرَ :
هَيْهَاتَ فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لا أُرِيدُهْ وَلَنْ أَعْمَلَ لَكَ وَلا لأَحَدٍ بَعْدَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ .
ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ بِالذِّهَابِ إِلى قَرْيَةٍ فِي ضَوَاحِي الْمَدِينَةِ يُقِيمُ بِهَا أَهْلُهُ فَأَذِنَ لَهُ
لَمْ يَمْضِ عَلَى عُمَيْرٍ إِلا مُدَّةً يَسِيرَةً بَعْدَ ذِهَابِهِ لِلْقَرْيَةِ حَتَّى أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَخْتَبِرَهُ
فَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْ ثِقَاتِهِ يُقَالَ لَهُ الْحَارِثُ :
انْطَلِقْ إِلى عُمَيْرٍ بن سَعْدٍ وَأَنْزِلْ عِنْدَهُ كَأَنَّكَ ضَيْفٌ فَإِنْ رَأَيْتَ عَلَيِهِ آثَارَ نِعْمَةٍ فَعُدَ كَمَا أَتَيْتَ
وَإِنْ وَجَدْتَ حَالاً شَدِيدَةً فَأَعْطِهِ هَذِه ِالدَّنَانِيرِ وَنَاوَلَهُ صُرَّةً فِيهَا مَائِةُ دِينَارٍ .
انْطَلَقَ الْحَارِثُ حَتَّى بَلَغَ الْقَرْيَةَ الَّتِي فِيهَا عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَدُلَّ عَلَيْهِ فَلَمَّا لَقِيَهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَّدَ عَلَيْهِ السَّلامَ ، وَسَأَلَهُ مِنْ أَيْنَ قَدِمَ فَقَالَ الْحَارِثُ :
مِنْ الْمَدِينَةِ .
فَقَالَ :
كَيْفَ تَرَكْتَ الْمُسْلِمِينَ
فَقَالَ :
بِخَيْرٍ .
فَقَالَ :
كَيْفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؟
قَالَ :
صَحِيحٌ صَالِحٌ .
فَقَالَ :
أَلَيْسَ يُقِيمُ الْحُدُودَ ؟
قَالَ :
بَلَى
فَقَالَ :
اللَّهُمَّ أَعِنْ عُمَرَ فَإِنِّي لا أَعْلَمُهُ إِلا شَدِيدَ الْحُبِّ لَكَ .
أَقَامَ الْحَارِثُ فِي ضِيَافَةِ عُمَيْرٍ ثَلاثَ لَيَالٍ فَكَانَ يُخْرِجُ لَهُ كُلَّ لَيْلَةِ قُرْصًا مِنْ الشَّعِيرِ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ لِلْحَارِثُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمَِ :
لَقَدْ أَجْهَدْتَ عُمَيْرًا وَأَهْلَهُ فَلَيْسَ لَهُمْ إِلا هَذَا الْقُرْصُ مِنْ الشَّعِيرِ الذِي يُؤْثِرُونَكَ بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَقَدْ أَضَرَّ بِهِمْ الْجُوعُ وَالْجُهْدُ فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَرْحَلَ عَنْهُمْ فَافْعَلْ .
عِنْدَ ذَلِكَ أَخْرَجَ الْحَارِثُ الدَّنَانِيرَ وَدَفَعَهَا إِلى عُمَيْر فَقَالَ :
مَا هَذِهِ ؟
فَقَالَ الْحَارِثُ :
بَعَثَ بِهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْكَ
فَقَالَ :
رُدَّهَا إِلَيْهِ وَقُلْ لا حَاجَةَ لِعُمَيْرٍ بِهَا .
فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ :
خُذْهَا يَا عُمَيْرُ فَإِنْ احْتَجْتَ إِلَيْهَا أَنْفَقْتَهَا وَإِلا وَضَعْتَهَا فِي مَوَاضِعِهَا فَالْمُحْتَاجُونَ هُنَا كَثِيرٌ فَلَمَّا سَمِعَ الْحَارِثُ قَوْلَهَا أَلْقَى الدَّنَانِيرَ بَيْنَ يَدَيْ عُمَيْرٍ . وَانْصَرَفَ .
فَأَخَذَهَا عُمَيْرُ وَجَعَلَهَا فِي صُرَرٍ صَغِيرَةٍ وَلَمْ يَبِتْ تَلْكَ اللَّيْلَةِ إِلا وَقَدْ فَرَّقَهَا عَلَى الْفُقََرَاءِ وَخَصَّ مِنْهُمْ أَبْنَاءَ الشُّهَدَاءِ
وَلَمَا عَادَ الْحَارِثَ إِلى الْمَدِينَةِ وَوَاجَهَ عُمَرُ قَالَ لَهُ :
مَا رَأَيْتَ يَا حَارِثُ ؟
فَقَالَ :
حَالاً شَدِيدَةً يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ .
فَقَالَ :
أَدَفَعْتَ إِلَيْهِ الدَّنَانِيرَ ؟
فَقَالَ :
نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ .
فَقَالَ عُمَرُ :
وَمَا صَنَعَ بِهَا عُمَيْرُ ؟
فَقَالَ :
لا أَدْرِي وَمَا أَظُنُّه يُبْقِي لِنَفْسِهِ مِنْهَا شَيْئًا مِنْهَا وَلا دِرْهَمًا .
فَكَتَبَ عُمَرُ إِلى عُمَيْرِ يَقُولُ :
إِذَا جَاءَكَ كِتَابِي فَلا تَضَعَهُ مَنْ يَدِكَ حَتَّى تُقْبِلَ عَلَيَّ .
فَتَوَجَّهَ عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ إِلى الْمَدِينَةِ وَدَخَلَ عَلَى عُمَرَ فَحَيَّاهُ وَرَحَّبَ بِهِ وَأَدْنَى مَجْلِسَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ :
مَا صَنَعْتَ بِالدَّنَانِيرَ يَا عُمَيْرُ ؟
فَقَالَ :
وَمَا عَلَيْكَ مِنْهَا يَا عُمَرُ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجْتَهَا لِي عَنْكَ .
فَقَالَ :
عَزِمْتُ عَلَيْكَ أَنْ تُخْبِرَنِي بِمَا صَنَعْتَ بِهَا ؟
فَقَالَ :
ادَّخَرْتُهَا لِنَفْسِي لانْتَفِعُ بِهَا يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٍ وَلا بَنُونَ .
فَدَمِعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ :
أَشْهَدُ أَنَّكَ مِنَ الذِينَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسْهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ .
ثُمَّ أَمَرَ بِوِسَقٍ مِنْ طَعَامٍ وَثَوْبَيْنِ
فَقَالَ :
أَمَّا الطَّعَامُ فَلا حَاجَةَ لَنَا بِهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ تَرَكْتُ عِنْدَ أَهْلِي صَاعَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ وَإِذَا أَكَلْنَاهُمَا يَأْتِي اللهُ لَنَا بِرِزْقٍ
وَأَمَّا الثَّوْبَيْنِ فَآخُذُهُمَا لأُمِّ فُلانِ يُرِيدُ زَوْجَتَه فَقَدْ بَلِيَ وَخلقَ ثَوْبُهَا وَكَادَتْ تَعْرَى .
فَمَضَى عُمَيْرٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي طَرِيقِ الآخِرَةِ وَادِعَ النَّفْسِ وَاثِقَ الْخَطْوِ لا يُثْقِلُه شَيْءٌ مِنْ أَحْمَالِ الدُّنْيَا وَأَمْتِعَتِهَا ، وَلَمَّا بَلَغَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَفَاةَ عُمَيْرٍ حَزِنَ عَلَيْهِ
وَقَالَ :
وَدِدْتُ أَنَّ لِي رِجَالاً مِثْلَ عُمَيْرِ أَسْتَعِينُ بِهِمْ فِي أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ .
انْتَهَى مِنْ صُوَرٍ مِنْ حَيَاةِ الصَّحَابَةِ بِتَصَرُّفٍ .
|