الحكم على الآخرين أمانة، ليست عبارات نطلقها جزافاً، ولا تصوُّرات نستقيها من تأثرنا بما حولنا؛ لكن بعضنا وللأسف الشديد قد منح عقله للآخرين وأسلمهم مفاتيحه دون كراء، فصار عقله في أيديهم كصلصال يشكِّلونه كيفما يريدون ويحددون له المواقف التي يتبنّاها ويتخذها من هذا أو ذاك. كنت مع أحد الأشخاص ودار بيننا حديث عن كاتب له صيته ومواقفه من بعض هنات المجتمع، واستلم هذا الشخص مقود النقاش فانهالت كلمات السخط من كلِّ صوب، وترامت حمم السباب من براكين الغضب الثائرة وسط قلبه، وأرعد وأزبد، حتى أيقنت أن لو كانت جهنم بيده لقذف بذلك الكاتب فيها، وبدأت أراجع حساباتي وأسأل نفسي: هل فهمي غير فهمه؟ وهل كل ما قرأته لذلك الكاتب وبال؟ أم أنّه قد قرأ له ما يجعل منه آفة ساحقة ماحقة؟لكني وفي سيل الاتهامات الجارف أخذت من غصن السؤال الذي ألقيته عليه ملاذا أتقي به غضب بطشه فقلت له: ماذا قرأت له يخرج عن نطاق العقل والقيم؟ ويجعلك تصب جام هذا الغضب عليه؟ فأجابني بإجابة لم أملك معها إلاّ أن أشخص ببصري كأني محتضر رأى مَلَك الموت!! قال: لم أقرأ له ولا يشرفني أن أقرأ له، لقد سمعت عنه!!! لملمت ما بقي من قواي وألقيت عليه السلام وانصرفت، فلم أسلم من شظايا حديثه الذي أصابني بتمتمات سمعته يردِّدها حين انصرفت يلمزني فيها بالانهزام ويمجد ذاته ومنطقه بأنّه قد حاجني!!! تأبطت قول الشاعر:

يزيد سفاهة وأزيد حلما

كعود زاده الإحراق طيبا

ثم رحلت ... لأكتب لكم: عقولكم خير ما أتاكم ربكم ... بها فضَّلكم عن غيركم ... وبها وضع الله لكم هداية التمييز بين النجدين {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ....} وبها تخاطبون ربكم في صلاتكم واتصالكم ... وبها وهبكم الله خلافة الأرض لتعمروها ... عقولكم لكم تميِّزون بها الخبيث من الطيِّب ... لا وصاية لأحد عليها ... عقولكم أشرعة للإبحار لا صلصال للإيجار.


علي أحمد المضواح