عرض مشاركة واحدة
  المشاركة رقم: 1  
قديم 23 / 01 / 2022, 30 : 10 AM
الصورة الرمزية SALMAN
SALMAN
مؤسس الموقع
المنتدى : سواليف أدبــاء
تاريخ التسجيل العضوية الدولة المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
14 / 03 / 2005 1 المكتبة 7,615 1.06 يوميا 392 10 SALMAN is on a distinguished road
SALMAN غير متصل

«ديكتاتورية العقل البلاغي عند العرب» (1).....

«ديكتاتورية العقل البلاغي عند العرب» (1)-سهام القحطاني
https://www.al-jazirah.com/2022/20220121/cm31.htm

هل البلاغة هي المعادل الموضوعي للأدب؟ بمعنى أن كل كلام يتلزم بفنون البلاغة ومعاييرها هو أدب، وبالمقابل فكل كلام متجرد من تلك فنون البلاغة ومعاييرها هو بالحتمية ليس بأدب، والاتفاق على متلازمة الضرورة السابقة يعني أن الأدب هو «تطبيقات فنون البلاغة ومعاييرها من خلال نسق لغوي» وليس كل نسق لغوي هو نسق فكري، وهو خلاف ما رسخته ديكتاتورية العقل البلاغي عند العرب؛ بأن محور قيمة الجودة والتقدير هو النسق اللغوي،هذا التقديس للشكلانية هو الذي أسقط بالتقادم والإغراق قيمة البلاغة في زمن العصور المظلمة للأدب العربي. عندما تحوّلت البلاغة إلى أنساق لغوية خالصة لفنون البلاغة ومعاييرها دون الاهتمام بالبنية الفكرية لذلك النسق اللغوي، فمقياس المهارة كانت مُقيّدة بالصياغة البلاغية وتمثيلاتها هذا التطّرف المهاري هو ما أدى إلى استقلاليتها وتفريغها من أي خطاب فكري، وإحلال التأثير محل الإقناع في عصر الانحدار الأدبي الذي سيطرت عليه البلاغة الأسلوبية، فأصبح الإبهار البلاغي ميدان تنافس بين شعراء العرب.

وبذلك تحولت البلاغة من كونها مُساند لنشأة الخطاب الأدبي وتطويره إلى غاية في ذاتها ومهارة يتفنن الأدباء فيها فحلت محل المعنى، وهذه الازدواجية وهو ما جعلها شكلاً مجرداً من أي مضمون خاضع لأي حيثية فكرية.

وهذه القيمة المتعالية للبلاغة التي سيطرت على النص الأدبي وقائله خلقت ديكتاتورية العقل البلاغي وجعلته الوصي التوجيهي للنص الأدبي والمتحكم في تقدير قيمته بداية من خيم لجان التحكيم في الأسواق الأدبية قبل الإسلام مروراً بصراع الأدباء واللغويين في ظل الإسلام بعصوره المختلفة.

فقبل الإسلام كانت «الذائقة البلاغية للجنة التحكيم التي عادة ما كانت تتمثَّل في فرد» هي التي تقرر مراتب الشعر والشعراء، معتمدة لجنة التحكيم تلك على «الأنساق اللغوية والأسلوبية والبلاغية المتوارثة» ولذلك وضع العرب على اختلاف قبائلهم نموذجاً نقدياً ممعيراً ومّنمّذجاً لا بد أن يلتزم به الشاعر ليحظى بشهرة ومكانة شعبية عند جميع العرب على اختلاف قبائلهم وهو «نموذج لغة قريش»، وبذلك كان معيار جودة الشاعر وشعره لا يتحقق إلا من خلال المطابقة التامة بين قوله وبين تلك الأنساق في مستوياتها المختلفة، وعليه فكان أي تجديد لتلك المستويات أو تمرد على النموذج الممعير من قِبل الشاعر يعني مصادرة قيمته وقيمة إنتاجه، ولتجاوز الشعراء غضب تلك «ديكتاتورية العقل البلاغي» كان الشاعر يخضع لقوانين تلك النمذجة ومعاييرها، وكان التجديد في أي مستوى من مستويات ذلك النموذج يدخل ضمن» عيوب النص الأدبي وجهل صاحبه بالبلاغة»، وهذه «النمذجة المسكوكة للنص الأدبي قبل الإسلام وخاصة في الشعر؛ سهّل بعد ذلك نشوء أخطر قضية أدبية وهي الانتحال الشعري؛ لسهولة القياس والنمذجة.

وفي ظل العصور الإسلامية ومع انفتاح العرب على ثقافات الأمم الأخرى وظهور طبقة من الشعراء مالوا إلى التمرد على النمذجة المسكوكة المتوارثة، ظهرت أهم القضايا النقدية وهي قضية «الحديث والقديم»، والقديم كان يعني «النمذجة الشعرية المتوارثة» والحديث كل يعني «الشكل الشعري الجديد» المتجاوز لتلك النمذجة سواء في شكلها أو مضمونها.

واستطاعت هذه القضية أن تُعيد «نمذجة ديكتاتورية العقل البلاغي» التي سيطرت على النص الأدبي في العصر الجاهلي» بثقل ظلها وظلالها إلى القرن الثالث للهجرة من خلال «ابن سلّام الجمحي» الذي أعاد تمثيل «خيم التحكيم» من خلال مقاييسه التذوقية وصنع من خلال كتابه «طبقات فحول الشعراء» معايير نقدية لتقدير قيمة النص الأدبي وأهميته وفق «المعيار الزمني الذي يبدأ من العصر الجاهلي حتى القرن الثاني الهجري» للشاعر و المعيار المكاني» للشاعر وهو بذلك استثنى بعض القبائل العربية التي يرى أنها أقل بلاغة وفصاحة، وهذا المعياران عند ابن سلاّم أعادا إحياء ديكتاتورية العقل البلاغي والتمييز القبلي الذي ساد عند العرب قبل الإسلام.

ولا شك أن المعيار «الذوقي» الذي أسسه ابن سلاّم الجمحي» لنفسه في تصنيفه وترتيبه للشعراء بداية من العصر الجاهلي إلى القرن الثاني للهجرة لا ينتمي للموضوعية النقدية؛ لأن معيار الزمان والمكان هما معياران ظرفيان وليسا ثابتين وبالتالي فاعتبارهما مصدر تحكيم هو اعتبار يناقض الموضوعية وسلامة الحكم، ويُجل القياس؛ مما يُرسخ الأبوية البلاغية وعقلها الديكتاتوري ويجعل كل تجديد وجديد مصدر تجاوز للأصولية البلاغية باعتبار تلك الأصولية أصل التراث ونموذج الكمال ومعيار قيمة الجودة المطلقة.







توقيع : SALMAN
إذا خسرناك عضو فلا تجعلنا نخسرك زائر


الإرادة بركان لا تنبت على فوهته أعشاب التردد

حيــــــــــــــــــــــــــــــاكم الله في حسابي على تويتر :
SALMANR2012@
رد مع اقتباس مشاركة محذوفة