عرض مشاركة واحدة
  المشاركة رقم: 2  
قديم 12 / 02 / 2022, 04 : 09 PM
الصورة الرمزية SALMAN
SALMAN
مؤسس الموقع
كاتب الموضوع : SALMAN المنتدى : سواليف أدبــاء
تاريخ التسجيل العضوية الدولة المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
14 / 03 / 2005 1 المكتبة 7,615 1.06 يوميا 392 10 SALMAN is on a distinguished road
SALMAN متصل الآن

رد: قصيدة النثر: المنابع والمعالم 1-2

يمكن القول إنّ المحطة الأولى من محطات التقاء الشّعر بالنّثر في المدوّنة العربية؛ هي محطة النّثر الفنّي في القرن الرابع الهجري، بهدف «إيجاد نوع إبداعي معادل لقصيدة الشعر (...)، نوع ثالث يأخذ من الشعر ومن النثر معًا ويستقل بذاته في المشهد الإبداعي نسيجًا يجسد شعريته اللغوية الخاصة»(1).

وقد تجسّد، هذا، ابتداءً في بعض كتابات الجاحظ، وبديع الزماني الهمذاني، والصاحب بن عباد، وابن العميد، وأبي عامر بن شهيد، وأبي إسحاق الصابي، وأبي بكر الخوارزمي.

ولا شكّ أن الفنّ الأدبي الذي احتوى ظاهرة النّثر الفنّي؛ هو فنّ المقامة، باستناده على لغة أدبيّة خالصة، تعتمد على الإطناب، والترادف، والتزام السّجع، والحفاظ على التّوازن الصّوتي. ولقد استمر هذا الأسلوب حتى مطلع القرن التاسع عشر لدى المويلحي= (حديث عيسى بن هشام)، وأحمد شوقي= (أسواق الذهب)، حيث تشير الدّلائل إلى أنّ الأخير كان يؤمن بأنّ الشّعر الغنائي المعروف لم يعد كافيًا وحده، ليمنح صاحبه المكان الرفيع الذي يرنو إليه (2).

وفي مطلع القرن العشرين ظهرت تجارب جادّة تحاول عمْدًا إيجاد علاقة تداخل مؤسّسة ما بين الشّعر والنّثر، من خلال ما أضحى يُسمّى لاحقًا (النّثر الشّعري الرّومانسي)، وهو النّثر الذي يعتمد بعدًا في الخيال، وإيقاعًا في التّركيب، ووفرة في المجاز، وقوّة في العاطفة، خاصّة عند جبران خليل جبران، وأمين الريحاني، وخليل مطران، ومصطفى لطفي المنفلوطي، وغيرهم.

وهذا الأمر، أدى إلى بعث الرّغبة الأدبيّة للخروج إلى الشّكل الشّعري الأكثر حرية، والأبعد رؤية؛ وهذا ما نقرأه -مثلاً- في كتابات جبران الموسومة بـ (كآبة وابتسامة)، حيث تعلو لغة الشّعر على لغة النّثر حين يتداخل الكيانان، فيولدان لغة تأسيس جديدة لا هي بلغة الشّعر التّقليدي، ولا هي بلغة النّثر التّقليدي؛ إنّها لغة إيحاء، ورؤيا، وبعث وتأسيس، تتوالد بداخلها إيقاعات القصيدة (3).

ومع ذلك؛ يذكر جمال باروت أنّ «جورجي زيدان أول من أطلق هذه التسمية (الشعر المنثور) عام 1905م، في وصفه لمحاولات أمين الريحاني التي جمعت لاحقًا في ديوان (هتاف الأودية)، ثمّ رد عليه بولس شحادة مؤيّدًا هذا الشعر ومحبذًا إيّاه، فكان أن وجّه جورجي زيدان دعوة إلى الشعراء المصريين ليقودوا حركة في اتجاه هذا الشعر» (4).

وقد اختلفت الآراء حول أسبقية كتابة قصيدة الشّعر المنثور ما بين النّقاد والدّارسين؛ فجمال باروت، وخليل أبو جهجة، وشريف رزق، وعزالدين المناصرة، يقرّون بسبق الرّيادة فيها إلى أمين الريحاني كتابةً وتنظيرًا، معرفًا الشّعر المنثور بأنّه «حركة شعرية جديدة يدعونها بالفرنسية (Free Vers)، وبالإنجليزية (Vers Libre)؛ أي الشعر الحر الطليق، ولقد جاء هذا الشعر نتيجة، للارتقاء الشعري عند الإفرنج بفعل إطلاق شكسبير للشعر الإنجليزي من قيود القافية، وإطلاق وولت وايتمان الشعر من قيود العروض كالأوزان الاصطلاحية والأبحر العرفية» (5).

في حين يسند عبد العزيز موافي ريادة الشّعر المنثور إلى الشاعر اللبناني نيقولا فياض، حيث يرى أنّه «أول من كتب قصيدة الشعر المنثور في نص بعنوان (التقوى)، وقد ضمنه ديوان (رفيف الأقحوان) الذي صدر عام 1890م، ومن بعده كتب أمين الريحاني نصًّا شعريًّا بعنوان (الحياة والموت) عام 1905م، كما كتب خليل مطران نصًّا بعنوان (شعر منثور كلمات أسف)، أوائل عام 1906م» (6).

وفي المقابل يرى ميخائيل نعيمة، أنّ جبران خليل جبران هو أوّل من كتب نموذج الشّعر المنثور، بدءًا من عام 1903م، وحتى 1908م تحت عنوان (دمعة وابتسامة) (7).


وقد استقرّ الشّعر المنثور كنوعٍ شعري قائم بذاته عند الشاعر حسين عفيف، الذي أصدر أحد عشر ديوانًا؛ منها: (مفاجأة)، و(وحيد)، و(الزنبقة)، و(البلبل)، ولم يقتصر دوره على إبداعه فقط؛ بل امتد كذلك ليشمل التّنظير له، مع وضع المفاهيم الجماليّة الممهدة لاستقباله استقبالاً طبيعيًّا خاصًّا (8).

وقد تتبّع عز الدين المناصرة مصطلحات، أو مسميات هذا الشعر حتى وصلت أكثر من عشرين اسمًا، منها: الشّعر المنثور، النّثر الفني، الخاطرة الشعريّة، الكتابة الخاطراتيّة، قطع فنيّة، النّثر المركّز، قصيدة النّثر، الكتابة الحرّة، القصيدة الحرّة، شذرات شعريّة، الكتابة خارج الوزن، القصيدة خارج التّفعيلة، النّص المفتوح، الشّعر بالنّثر، النّثر بالشّعر، الكتابة النّثرية - شعرًا، الكتابة الشِعريّة - نثراً، كتابة خنْثى، الجنس الثّالث، النّثيرة، غير العمودي والحرّ، القول الشّعري، النّثر الشّعري، قصيدة الكتلة، الشّعر الأحد (9).

ومع ذلك؛ يبقى مصطلح قصيدة النّثر مصطلحًا ملتبسًا بالغموض، فبينما توحي كلمة قصيدة بانتماء النّص إلى الشّعر تجئ كلمة نثر فتخرجه من تلك الدّائرة، فلا هي قصيدة شعريّة ولا نثر كامل (10).

- - - - - - - - - - - -

(1) شريف رزق، المفاهيم النظرية للأنواع الشعرية، مجلة نزوي العمانية، ع 15.

(2) ينظر: موفي عبد العزيز، قصيدة النثر من التأسيس إلى المرجعية، (المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2004م)، 109.

(3) ينظر: جبران خليل جبران، المجموعة الكاملة، (دار الجيل، بيروت، 1994م)، 255-254.

(4) جمال باروت، الشعر يكتب اسمه: دراسة في القصيدة النثرية في سوريا، (منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1981م)، 31- 30.

(5) عز الدين المناصرة، قصيدة النثر: إشكاليات التسمية والتجنيس والتأريخ، مجلة نزوي العمانية، ع 29.

(6) عبد العزيز، قصيدة النثر من التأسيس إلى المرجعية، مرجع سابق، 121.

(7) ينظر: المرجع السابق، ص 112-111.

(8) ينظر: كمال نشأت، شعر الحداثة في مصر: الابتداءات ..الانحرافات ..الأزمة، (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998م)، 202.

(9) ينظر: المناصرة، قصيدة النثر، مرجع سابق.

(10) ينظر: عبدالقادر القط، قصيدة النثر بين النقد والإبداع، ط2، (دار الرواق، اللاذقية، 2003م)، 2.

** **
قصيدة النثر: المنابع والمعالم 2-2 - د. ساري بن محمد الزهراني :
https://www.al-jazirah.com/2022/20220211/cm14.htm







توقيع : SALMAN
إذا خسرناك عضو فلا تجعلنا نخسرك زائر


الإرادة بركان لا تنبت على فوهته أعشاب التردد

حيــــــــــــــــــــــــــــــاكم الله في حسابي على تويتر :
SALMANR2012@
رد مع اقتباس مشاركة محذوفة