جريدة الرياض | عفواً: فقد أغلقت جميع الأبواب
عفواً: فقد أغلقت جميع الأبواب
نجوى هاشم

ليس كل المتفوقين دراسياً، ناجحون في حياتهم العملية، وبارعون في مواجهة الحياة.

وليس كل الفاشلين دراسياً، عجزوا عن النجاح في الحياة العملية.

وحتى اولئك العاديين من ذوي الفهم المحدود، والذكاء الاعتيادي ليس بالضرورة انهم وقفوا على مشارف الحياة، وفشلوا في اقتحامها.

اتذكر زميلة لي كانت متفوقة جداً في مرحلة الثانوية، وكانت تشدني تماماً أفكارها، وحتى اسلوبها في المذاكرة الذي يتماشى معي، وهو الفهم وليس الحفظ.

كانت ذكية جداً، بل وبالعبارة الدارجة "يشع الذكاء من عينيها"، لا تقف على حدود التفاهة، ولا تلتفت لكل ما لا يعنيها، تركض خلفها الزميلات ليس حباً فيها ولكن لتشرح لهن مادة، أو درساً غير مفهوم.

غابت، وفقدت كل منا الآخرى في رحلة الحياة، وظل سؤال واحد يمتلكني، وتفترسني حيرته، لماذا لم أسألها يوماً ماذا تريد أن تكون؟

ما طموحاتها المستقبلية؟

ما نظرتها للحياة؟ ما حدود مخاطرتها؟

التقيتها منذ سنة شعرت أنها لم تعد هي، داهمني احساس بالبكاء رغم تحفظي، شعرت انها فقدت كل الاشياء مجتمعة، ربما تلك التي في مخيلتي وليس في مخيلتها هي.

ربما لم تشعر هي لانعدام الطموح تماماً لديها في ذلك الوقت.

حاولت ان استعيد ايامنا تذكرت انها كانت متفوقة، ولكن لا تريد، أو تفكر بشيء اقصى احلامها ما تراه تحت قدميها.

كل شيء في حياتها عبر عادياً جداً، بل واقل من العادي، في الوظيفة لم تراوح مكانها، بل ان هناك من ترأسها وكان متخلفاً دراسياً بالنسبة لها، وحتى منعدم الوعي.

وأنا اتحدث معها فوجئت بصورة مختلفة، مليئة بالاستسلام لكل شيء للفشل، للظروف رغم انها لم تكن قاسية بالنسبة لها على الاطلاق.

اختارت الاسهل، والابسط، والذي لا يحمل ملامح، حدثتها عن ذكائها الذي لا تزال ملامحه على محياها، هربت بسرعة، وقالت، لا اتذكر من ذلك أي شيء، بل واغلقت كل مسامات الحديث بأن كل انسان لا يأخذ في هذه الدنيا سوى نصيبه فقط.

وهي تغادرني، أو أنا اغادرها ونحن لانزال معاً، اكتشفت أن كثيراً من البشر ترهبهم مخاطر الحياة، فيختارون الاسهل والابسط فيها، أو منها، وينسى هؤلاء أن مخاطر الحياة هي التي تعطيها قيمتها، وأن الحياة فن في حد ذاتها وتكتيك قد يمر العمر كله ونحن نجهلها كما قال احدهم.

يختارون ما هو في متناول ايديهم ظناً أنه لا يجلب المتاعب رغم انهم لو حاولوا ان يمددوا الايدي قليلاً لنالوا ما هو أفضل مما تحصلوا عليه.

فشلوا في التكيف مع ما هو غامض أو مجهول أو طارئ، أو يحتاج إلى تفكير، أو وفاق مع الذات، والسبب أنهم افتقدوا الإرادة والصبر وإشغال المخيلة بما ينبغي أن تحلم به ووقفوا على ابواب الرضى عن النفس حتى وان لم يكن لديها شيء، رغم انه بالامكان الحصول عليه من خلال تلك القدرات الدفينة لديهم.

في المقابل هناك من استطاع أن يبحث ويركض، ويجد لآماله الطريق، ويندفع إليها طامحاً وراغباً، وباحثاً عن حقائق كانت في الاصل احلاماً من المستحيل الوصول إليها في ظل تلك القدرات المحدودة.