وللألم ضفافه..

تم ق
جريدة الرياض | وللألم ضفافه..
نجوى هاشم



تسترخي لا إرادياً على ضفاف الألم، تفقد صلتك بالواقع الطبيعي، يبدو الألم وكأنه يؤويك في إحدى زوايا عينيه التي لا يمكن أن تنفذ منها إلا إذا أراد هو، تحمل هم الحياة فتمنحك أيامها آلاماً تغسلك حتى تسقط كل مضاداتك في بحر تُهزم فيه دون مقاومة.
تتألم أحياناً ولكن ليس بإمكانك أن تراجع الطبيب، لأنك أنت نفسك عاجز عن تشخيص مرضك، لا تعرف ما هو؟ وإن قررت الذهاب لتفكيرك في قدرة الطبيب على اكتشاف الألم لن تعطيه جواباً حقيقياً عن ماذا تشعر به؟ أو ماذا يؤلمك؟
الأهم من ذلك من هو الطبيب الذي ستطرق أبوابه، وما تخصصه؟ لأنه لا يوجد
بالمعنى الحرفي طبيب آلام بلا اسم..
الألم هو الألم لا أحد بإمكانه أن لا يعيش داخله مع اختلاف الفترة والظرف.
هو خلاصة لدواخل قد لا تكون هشة ولكنها طبيعية. وقد لا يكون الألم جسديا، بل في الغالب الألم الأكثر صرامة هو الذي يعبث بالأيام والليالي ويحيلها إلى فراغ ولا تعرف كيف تخرج منه؟
إحداهن تألمت إلى أن تشبعت من الألم، فقررت اجتياز النفق بالذهاب إلى طبيب نفسي بذاكرة قديمة أنه سوف يشفيها، ويكتشف ما لديها وما لا تعرفه هي، ظل يسألها عدة أسئلة ثم وبطبيعة عمله كتب لها أدوية لم تستعملها، لأنه اكتشف كما قال لها أنها ليست مريضة، وهي كما تقول أعاني آلام الكون كله.
هذا على مستوى الألم الذاتي أو الداخلي الذي لا علاج له إلا من خلال قدرتك على إيجاد ما يسعدك أو يثير سخطك، وبراعتك في النفاذ الدائم من الاوجاع.
لكن ماذا عن تلك الآلام الحقيقية هل لدينا هنا في المملكة عيادات (علاج الألم)؟
منذ سنوات قرأت لاختصاصي في العلاج الذهني السلوكي الدكتور فلاح العنزي أن عيادات (علاج الألم في السعودية تعاني من تخلف خدماتها عن نظيراتها في الدول المتقدمة 30 عاماً. وقال (بلا شك أن تأخر هذه الخدمات له تبعات مؤلمة لفئة من المرضى التي يعاني أفرادها من عذاباتهم بصمت)، وأضاف: (هذه الفئة من الناس لا تعاني فقط من آلام جسدية تعطل حياتهم فقط، فمعاناتهم تمتد لشعورهم بعدم تعاطف الآخرين معهم، ففي الغالب يواجهون بإنكار مشكلاتهم من المحيطين بهم، وأحياناً حتى من الأطباء الذين لا يملكون معرفة كافية بطبيعة الألم المزمن، فالفكرة الشعبية أن الألم يعني وجود ضرر جسدي واضح، وهنا تكمن المعاناة، فالألم المزمن لا يرتبط غالباً بضرر جسدي واضح ومحدد، كون الإصابات الجسدية قد تشفى تماماً، كما تشفى آثار العمليات الجراحية، لكن يبقى المريض يعاني من آلام تمنعه من العيش بشكل طبيعي).
وأشار العنزي إلى أن أسباب تأخر هذه الخدمات في مستشفيات السعودية، هي غياب آلية تطبيق معايير الجودة في الرعاية الصحية لفئة مرضى الألم المزمن (لعدم توفر المؤهلين في بعض المجالات الجوهرية لفريق عمل رعاية هذه الفئة، إضافة إلى سيادة مفاهيم مغلوطة عن مرض الألم المزمن ومرضاه).
ويرى الدكتور العنزي أن المستشفيات في الدول المتطورة تتبع معايير جودة متعارف عليها عالمياً، إذ تعتبر (وحدة إدارة الألم) وحدة قائمة بذاتها، وتستقبل المرضى من جميع وحدات المستشفى ومن خارجه، على العكس مما هو موجود في السعودية، (فمرضى الألم المزمن يحولون إلى وحدات التخدير أو الطب النفسي للعلاج الدوائي أو إلى أقسام أخرى للفحص وتنتهي خدمتهم عند هذا الحد، وهذا يوضح الفرق الشاسع بين النموذج الذي تتطلبه معايير الجودة العالمية، وبين ما يمارس في مستشفياتنا).
وأوضح أن وحدة الألم التي تطبق معايير الجودة تضم فريقاً يتكون من أطباء متخصصين، وأخصائيين اجتماعيين، وأخصائي علاج طبيعي وممرضين متخصصين في مجال الألم المزمن. (ومن المؤسف أن عيادات الألم لدينا لا يتواجد فيها هذا الفريق، ولم أجد عيادة ألم واحدة تضم أخصائيين نفسيين مدربين في هذا المجال، علماً بأن الجانب النفسي يشكل ركيزة مهمة في برامج الرعاية الدائمة لمرضى الألم المزمن).
وأكد ان الدراسات أثبتت محدودية فائدة علاج الألم المزمن بالدواء، إذ بينت أن 30 في المئة من المرضى يستفيدون فائدة ملحوظة لكن (محدودة) ولا تتعدى غالباً خفض الألم ومعاناته بنسبة لا تزيد على 30 في المئة.
ولا أعتقد أن الأمر قد تغير، لأن المستشفيات لاتزال تعتقد أن علاج الألم المزمن رفاهية للمريض الذي استكمل علاجه..