|
خـــــــــــدمات الأعضــــــــــــاء
|
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
|
LinkBack | أدوات الموضوع |
المشاركة رقم: 1
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
«من أحاديث القرى» ناشئ الفتيان..
«من أحاديث القرى» ناشئ الفتيان..
أذكر عندما كنا صغاراً اننا ذات يوم غائم قررنا أن "نتسفر" والتسفر يعني التنزه ، وربما انها مأخوذة من السفر القصير ، وهم يسمونه اليوم "المكشات" أو كشتة .. ولست أدري من أين جاءت الكلمة فهي غير عربية .. على كل حال أردنا "التنزه" وكنا خمسة أطفال أعمارنا لا تتجاوز العاشرة ، جمعنا عدتنا فجاء بعضنا بالأواني والآخر بالأرز ، وواحد جاءنا بالصلصة بعد أن تدبر الأمر في اختلاسها ، بعدما غافل والدته .. سرنا صوب أحد الشعاب وكان به غدير .. كان الجو بارداً ، والسماء ملبدة بالغيوم ، والرذاذ يتساقط فيلسع وجوهنا ... وبعد شيل وحط .. ونزول وارتفاع ، وصلنا إلى المكان المقصود بمشقة ، وأخذنا نجمع الحطب من عروق الشجيرات اليابسة التي لم تبتل وحينما جمعنا الحطب ، ونصبنا القدر ، وأخرجنا الكبريت وجدناه مبتلاً وكلما "شخطنا" به انزلقت "السقوة" من رأسه وهي كتلة الكبريت التي في رأس عود الثقاب ، ووقعنا في حيرة واضطراب ، وخيبة أمل ... غير أن أحدنا وكان شيطاناً مارداً تعلم من والده الكثير من دقائق أمور الحياة .. قفز إلى بطن الوادي وجاء يحمل حجرين أبيضين كنا نسميها "صلابيخ" ثم قال ابحثوا لي عن "جلة" يابسة ، جمعنا له قليلاً منها بعد جهد فقد كان كل شيء رطباً وأخذ يفركها بيده ثم وضعها على حجر منبسط ، وطلب منا أن نتحلق ونمنع الريح والهواء ، وأخذ يصك أحد الحجرين بالآخر فيقدح .. واستمر إلى أن قدح قدحة لها صوت ونغمة ورائحة . فصاح سقطت "العين" لا تتحركوا وظللنا نراقب ونشاهد حيث سقطت الشرارة وسط الجلة المفروكة ، وبعد قليل شممنا رائحة دخان حيث أخذ يتصاعد قليلاً ثم تحول إلى جمرة صغيرة أخذت تكبر وتستدير حتى تحولت إلى كتلة حمراء ثم أنزل رأسه وراح ينفخها بهدوء وقد وضع عليها بعض القش إلى أن اشتعلت وشبت . أوقدنا نارنا بهذه الطريقة العجيبة التي أظن أن جنود صاعقة محترفين لن يتمكنوا من إنجازها ، وطبخنا طعامنا ، وأكلناه كما هو .. وخيل إلينا أنه الذ وأمتع طعام أكلناه ، وانتشينا ، ولعبنا ثم عدنا إلى أهلنا منتصرين على كل شيء : على البرد والرذاذ ، والمخاطرة ، وفوق ذلك على الكبريت الذي خذلنا .. *** أتذكر تلك الرحلة وأقول في نفسي : سبحان الله هل يمكن لأطفالنا اليوم .. بل لشبابنا أن يفعلوا مثل ما فعلناه ؟! أُصاب بخيبة أمل في داخلي ، وأنا أعرف الجواب .. ولا أحملهم العتب والملامة وحدهم فنحن الذين علمناهم الخمول ، والكسل ، والخوف ، قتلنا فيهم روح المغامرة ، والكفاح وقوة التحمل ، والجسارة والصبر ..أخملنا في دواخلهم ذكر وفعل النجابة والفروسية والإبداع وأنشأناهم على الترف وأرضعناهم حليب الميوعة ... وبعضهم الآخر علمناهم اللهو ، والمسْخرات ، والعبث ، اشترينا لهم السيارات ، وتركناهم يتجاكرون ، ويفحطون ، ثم يعودون عند الفجر سالمين ، غانمين ، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .. ولقد صدق فيلسوف المعرة حيث يقول : وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوّده أبوه عبدالله الناصر
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|