لستُ تويترياً، وليس لي أي حساب فيه، ودخولي إلى عالمه لن يزيده إلا بمقدار ما يرفع سقوط قشة في المحيط منسوب مياهه، كما أن غيابي عنه لن ينال من مكاسبه إلا بمقدار ما يخسر أكسجين الغلاف الجوي من جرّاء تنفس عصفور، ولكن مع هذا فهنالك من يتطوع من بعض الأخوة والأصدقاء ليزودني ببعض ما يعتقد أنه يمكن أن يلفت نظري من التغريدات. ورغم أن ما يصلني لا يمنحني الحق ولا يخولني لإصدار الأحكام لضيق زاوية الرؤية، إلا أن هذا لن يمنعني، ولو من باب (اللقافة) لقول رأيي.
في هذا المنبر قد تجد كل شيء، تجد الحقيقة العارية، كما تجد الدجل، وتجد الجد كما تجد الهزل، وتجد النفاق كما تجد الصدق، في تويتر ينبغي ألا تندهش لو قرأت تغريدة لنتنياهو وهو يقول: إن الاستيطان هو أقذر وسيلة يرتكبها محتل لنهب حقوق الشعوب الأخرى، ولا ينبغي أن تندهش لو وجدت من ينتحل أقوال الآخرين أو ينسبها لغير أصحابها، هنا كل شيء يجوز، في تويتر ينبغي ألا تندهش لو وجدت من يتوهم أنه قد أوتي مجامع الكلم والحكمة، والذهاب إلى ما هو أبعد بتصور أن هذه التغريدة التي كتبها ستبقى خالدة تتداولها الأجيال، وتجري على الألسنة مجرى الأمثال، وبمجرد أن يعقب عليه أحدهم بالثناء، تكاد تشعر من عبارات الشكر التي يُسبغها على من يُطريه أنه سينام ملء جفونه عن شواردها، ويسهر الخلق جرّاها ويختصم، (ويخسى المتنبي) كما يقول الأشوام.
أعلم أنه ليس من حقي ولا من حق غيري مصادرة هذا الادعاء على أحد، حتى لو وجدنا في بعض تلك التغريدات أعزكم الله نهيقاً من أنكر الأصوات، ينفث غثاء خاوياً، لأن (كلُ بعقله راضي) كما كان يقول الأولون. فكل شيء في هذا المنبر مشروع حتى لو وجدت من يتحدث نقداً وتشنيعاً وتبشيعاً لخصلة تعرف أنت، ويعرف غيرك أنه أحد أساتذتها، وخبيرها الفذ.. وقد تريد أن تقول: ألا يخجل ؟، لكن سرعان ما يُسعفك الهندي طاغور، عندما يُذكرك بتغريدته الخالدة مما قبل النت، وهو الذي فتح حسابه في بنك الحكمة، و(رتوت) الناس أشعاره وحِكمه قبل أن يُطلق الأمريكي (جاك دروسي) عصفوره الشهير.. يقول طاغور الذي لو أراد أن يعود اليوم إلى ساحة الحكمة، لتعرّض لمئات الآلاف من الأكتاف غير القانونية التي ستخرجه منها رغم أنفه: "الذين يُكثرون الحديث عن الصفات الحسنة.. ليس لديهم الوقت لممارستها". أنا شخصياً أعتقد أن (ما عنده سالفه)، أو أنه قالها من باب الغيرة بعد أن كشفت عنه الحجب لما سيحدث في عصر الحكمة التويترية العارمة، مما أفقده توازنه، وأسقط كافة حظوظه في الصمود في ذاكرة الناس، المهم أنه قالها وحسب. وكم كنتُ أتمنى لو توصلنا إلى طريقة أو آلية لمعرفة (الفلورز) الذين تابعوا طاغور، ذلك الهندي الذي كلما هزّ رأسه سقطت منه حكمة، وما إذا كان يستطيع أن ينافس حكماء الزمن التويتري، أو يبلغ مدّهم أو نُصيفهم، أشك في ذلك، لأن متابعي تغريداته قرأوها كأسطر ميتة في كتب صفراء قديمة، ولم يتسنّ للمسكين أن يعرف ردود فعلهم التي تقول له: جميل.. جميل ياطاغور، ليُعلّق قائلاً بتواضع جم كما يفعل حكماء اليوم: (هذا من جمال عيونكم)، حتى وإن كانت عيونهم في واقع الأمر تشبه بيض العيون في (قلاية) سوداء!، ألا يستدعي هذا شيئاً من الشفقة ليس على طاغور وحده، وإنما على كل أرباب الحكمة الذين خلّدهم التاريخ، إلى ما قبل الربع ساعة الأخير من انطلاق عصفور "دروسي" في كل فضاءات الكون؟.. حيث تمّ دفنهم بعد تنفيض أكفانهم وسرقة أو انتحال تغريداتهم.
جريدة الرياض | طاغور وحكماء تويتر
==========
فيها تشبيهات جميلة ..