عيون.. الكره

جريدة الرياض | عيون.. الكره
تمت ق
نجوى هاشم
في أغلب الأحيان لا يكتمل الجواب إلا بسؤال آخر.. وأحياناً بأسئلة متعددة وكثيرة ومع ذلك لا تصل إلى جواب منطقي أو مقنع كنت تنتظره أو تبحث عنه..!!
في مسألة المشاعر وحريرها الواهم.. وواقعها المرير تبدو حسابات كل شخص معقدة وصعبة ولا تنطبق على الآخر أو تتساوى مع حساباته أو ما يفترض أن يكون أو ماينبغي أن يتم.. لأن لكل شخص تجربة مختلفة وردود فعل مختلفة وثقافة أيضاً مختلفة.. وفهماً للموقف مختلفاً..!!
وبتفصيل المشاعر الحريرية نسحب منها خيط "الكراهية"الأقسى والأشرس فيها.. ذلك الخيط الذي لم أسحبه يوماً في حياتي ولم أعرف كيف يستمر مع الإنسان مدى الحياة رغم أنه خيط رفيع مثله مثل الحب والرحمة والفرح والشقاء والمودة والسعادة.. لكن هو يبدو أكثر ثباتاً عند البعض.. ولا يطوي أوراقه معهم مهما تقدم بهم العمر والأيام..!!
في طفولتي كنت أرى أطفالاً يتقاتلون دون سبب.. وعندما يفكون بينهم يقول أحدهم بمرارة ونظرة لم تكن مقروءة لي في ذلك الوقت أنه يكرهه حتى الموت.. وقد يكون الطرف الثاني مسالماً فيقول له: لماذا تكرهني فأنا لم أفعل لك شيئاً؟
فيرد أكرهك بدون سبب ولا أتقبلك.. ولكن هل يعني أننا لا نحب أحدهم أن نكرهه ونعيش مع هذا الكره إلى الأبد..!!
في تجمعات النساء كنت أسمع امرأة بسيطة وغير متعلمة وأحبها كوالدتي تنتفض من مكانها عندما تحضر فلانة التي "لا تطيقها" وتكرهها وتغادر بسرعة وكنت أستحي أن أسأل وأخاف من عمتي "السيدة هاشمية"الله يرحمها ويغفر لها وهي سيدة المنزل لصغر سن أمي.. أستحي أن أسأل لماذا فاطمة تكره ليلى دون سبب أو أن هناك سبباً غير معروف.. ولماذا تتجنب خديجة محمدية جارتها مريم علية ولا تذهب إلى المكان الذي هي فيه؟
ارتبطت بقضية المشاعر باكراً وكأنها جزء من كينونتي أو اهتمامي وارتبطت بوجوه الناس البسطاء والمقروءة والنظيفة أكثرمن الوجوه المليئة بالرتوش.. ومع ذلك وعندما كبرت قليلاً تفهمت أن خالة ليلى تكره خالة مريم لماذا؟ الإجابة ليست عندي.. ربمالأسباب قديمة وربمالأسباب غير موجودة.. وربما لأسباب تخصها وحدها.. ولكن ماهذه النظرة الرهيبة في عين من يكره؟
ظلّ من يكره أحداً يكرهه إلى آخر عمره وكنت أسمع امرأة تقول إن بيت فلان وبيت فلان"يتكارهون" وهي كلمة قاسية ويشمئز منها الجسد ولكن يبدو أنّ من يكره يورّث الكره لمن حوله ويصدّره له.. الأهم في الصورة أن المكروه يعرف ذلك الإحساس ويصله من الكاره مباشرة.. فكما يعرف الإنسان محبيه يعرف مبغضيه.. هكذا يقول أحدهم.. ومع ذلك قد لا يكرهه لأنه لم يتربَّ على الكره أو البغض وهو أبشع المشاعر..!
يقول نيسلون مانديلا" لايوجد إنسان ولد يكره إنساناً آخر بسبب لون بشرته أو أصله أو دينه.. الناس تعلمت الكراهية وإذا كان بالإمكان تعليمهم الكراهية إذاً بإمكاننا تعليمهم الحب خاصة أن الحب آقرب لقلب الإنسان من الكراهية..!
ولكن هل كل الناس قادرين على تعلم الحب الذي ناضل مانديلا من أجله وحاول زراعته ليحصده الجنوب إفريقيون حتى بعد وفاته؟
وهل الإنسان يستطيع أن يسامح أعداءه ومن أذابوا عمره؟ من الصعب تطبيق ذلك على الجميع خاصة في حالة مانديلا والعنصرية والقضية العامة.. لكن في القضايا الخاصة والفردية والإنسانية يختلف الأمر ففي الحياة أدوار مرسومة للناس أو أنهم هم من رسموها.. لأنفسهم ربما لضعفهم وربما لقلة حيلتهم.. فمثلا ً تجد من يكرهك دون سبب وعلى امتداد حياتك رغم أنه لا يربطك به شيء وقد يصرح أنه يكره فلاناً لماذا؟ لا أعرف أكرهه فقط دون مسببات.. مشاعري وأنا حرّ بها..!
في بداية مشواري الكتابي وانبهاري بمن يكتبون قبلي لسنوات طويلة من الأسماء المعروفة التقيت في مناسبة كاتبة معروفة جداً ومشهورة قياساً باسمي تلك الفترة وأول ماتعرفت عليّ وفي لحظة انبهاري بها كقامة كبيرة فوجئت بها تقول لي"أنت لا تعجبينني ولا أحب كتاباتك رغم أنها هي من طلبت أن تراني ومن ثم نظرت إليّ نظرة قاسية"من أول نظرة تعرف البغيض".. الحقيقة أنني ارتعبت وخفت خاصة أنني ألتقي بهذه الوجوه للمرة الأولى وظللت أفكر ولم أتناول العشاء وأخذت الأمر على محمل الجد ولكن صديقة لي وأستاذة سأظل أدين لها بالفضل مدى عمري على كل المستويات الإنسانية والأدبية أمسكت بي وقالت" نجوى هل أنت خبلة؟ أنا كنت آسمع ما قالته هذه المرأة تكره جميع الناس ولست أنتِ.. فلا تتوقفي عند هذا الأمر.. وفعلا ًعبرت الأيام وعبر الموقف ولكنه ظلّ معي يبحث عن السبب لهذا الكره غير المبرر وكيف لنجم أن يعتقد أن شخصاً لا يزال يتلمس طريقه سوف يأخذ منه السماء كلها..!!
يقول أحدهم "البغض أسهل من الحب لأن البغض لا يعتمد على العاطفة وحسب.. بل يعتمد على الطبيعة البشرية آيضاً.. ومع ذلك قد تجد البعض يجاهرون بكراهيتهم للآخر وهو الأسوأ لأن هذا المجاهر يكره نفسه قبل أن يكره غيره وهو يكره شيئاً في داخله يختبئ فيفرزه عليك.. وآخر يكره بعنف ولكن تجده يجامل ويغطي كراهيته بابتسامة باردة ولكن من القلب إلى القلب رسول ولذلك هو لا يستطيع أن يخبئ بغضه وتكتشفه رغم ابتسامته..!
ومابين الكارهين والمحبين يكون الرابط الأساسي هو"العين" فالحب من نظرة والكره يقرأ من نظرة أيضاً ولكن شتان بينهما فالكره يوحد الناس لشيء مشترك.. بينما الحب فردي وإنساني ومبهج.. وعيون المحبين جميلة وودودة ومشرقة وتمنح من تحبه الرؤية بأعين من يُحب.. لأنها تتغلل في القلب وتنهمر عليه بأضوائها الفضية ورائحة اللافندر لتبقي الجمال محوراً للحياة.
بينما أعين الكراهية كما يقول"هيلارد" مامن عيون حادة كعيون المبغضين.. كفانا الله وإياكم شرها وأبعدنا عن حدتها..!!!