د. أحمد عبد القادر المهندس
تمت ق
جريدة الرياض | رحلة إلى المستقبل القريب
كان والدي خطاطاً محترفاً في الثمانينات الميلادية، كان يقوم بالكتابة وعمل الخطوط الرائعة على كروت الأفراح والإعلانات الكبيرة في الشوارع، أما الآن فهو يعيش متقاعداً يتأمل في سرعة التطور الذي حدث في عالمنا في القرن الحادي والعشرين، وخاصة في عالم الحروف والخطوط والأرقام. لا توجد حالياً في الشوارع إعلانات بخط اليد البشرية، لقد أصبح الحاسوب (الكمبيوتر)هو الخطاط الوحيد في
العالم، بل لقد امتلك هذا الحاسوب إمكانات هائلة لعمل كمية هائلة من الحروف والخطوط، وبمسميات حديثة وقديمة من الخط الكوفي حتى الديواني بالإضافة إلى الخطوط اللاتينية القديمة والحديثة. كما أن عمل الكروت الشخصية وكروت الأفراح وكروت الدعوات أصبحت من ألعاب الأطفال على الكمبيوتر الشخصي. وعندما كان والدي يدخل إلى غرفتي، كان يتعجب من دراستي على شاشة صغيرة تظهر عليها المحاضرات بكل وضوح، وكانت بجانبي شاشة أخرى أكتب عليها ملاحظاتي بقلم يظهر منه شعاع دقيق من ضوء الليزر. كنت أذاكر وأكتب واجباتي بكل يسر وسهولة، وعندما أنتهي من المذاكرة أقوم بتخزين المعلومات في ذاكرة الحاسوب الشخصي.
كنت أستطيع أن أتصل بواسطة الحاسوب بكثير من الشبكات في العالم، وأقوم بإرسال واستلام الرسائل والأفكار مع أشخاص آخرين من جميع أنحاء العالم. وتنهد والدي قائلاً: لقد كانت دراستنا أكثر صعوبة وأكثر عسراً، لقد كنا ندرس كثيراً من المواد مثل الرياضيات، والعلوم، والتاريخ والجغرافيا واللغة الإنجليزية وغيرها من خلال كتب ورقية بعضها قديم جداً.
ثم أردف قائلاً ولكنني أراك لا تدرس إلا مادة واحدة هي الاقتصاد!
قلت لوالدي: نعم، نحن لا ندرس إلا المادة التي سوف نتخصص فيها. الجغرافيا أصبحت موضوعاً سهلاً بلمسة على أزرار الكمبيوتر، والتاريخ أصبح حديثاً من الماضي، فأنت تستطيع أن تعرف أي شيء من خلال الحديث مع الحاسوب عما حدث في أي عصر أو زمن تريده. أما العلوم فقد تشعبت بشكل هائل، وعلى كل طالب أو طالبة أن يتخصص في الفرع الذي يريده عندما يصل إلى سن النضج العقلي وهو سنّ الخامسة عشرة في أيامنا هذه.
ومن الخامسة عشرة إلى الثامنة عشرة من العمر يكون الطالب متخرجاً من الجامعة الإلكترونية، أما إذا أراد أن يستزيد من العلم والمعرفة فيمكنه ذلك من خلال المراسلة الإلكترونية في الجامعة التي يختارها.
إنه عصر جديد لا يمكنني أن أتحدث عنه هنا باختصار، إنه عصر التقنية والصواريخ العابرة للكواكب، استغلال الكواكب، والاستفادة من طاقة لاحدود لها، إنها طاقة الهيدروجين. أما الحروب فقد أصبحت حروباً دبلوماسية سلاحها التفاهم والإقناع والشفافية.
وبينما كنت أتابع الحلم لأعرف المزيد عن عام 2020 إذا بجرس الساعة يوقظني للذهاب مبكراً لمحاضرة الدكتور (س) الذي يعشق الكتابة على السبورة السوداء بدون أن نرى وجهه إلا قليلاً، أما إذا لم يكتب على السبورة فهو يتحدث حديثاً لا نفهمه إلا قليلاً.. كان حلماً من خيال فهوى!