تمت ق
جريدة الرياض | آفة التبذير.. ومظاهرها الكذّابة
بدر بن عبدالكريم السعيد
بدر بن عبدالكريم السعيد
التبذير من العادات السيئة التي ابتلي بها كثير من الناس في جميع أمور حياتهم حتى أصبح نوعاً من التفاخر والتقليد الأعمى وجميعها مظاهر كذابة مبالغ فيها نراها في كثير من المناسبات سواء أكانت حفلات زواج أو عند التخرج من الجامعة وغيرها من المناسبات. إنها مشاهد يطغى عليها مظاهر الإسراف والبذخ والتفاخر بِلا وازع ديني أو خُلقي يحد من ذلك، ومنه التنافس والتحدي على أفضل وأفخم وليمة متعددة الأصناف من الأطعمة ناهيك عن المبالغ الطائلة التي تنفق على الولائم المتنوعة لإكرام الضيف، فالمضيّف يبذل قصارى جهده خشية أن ينتقص عند الآخرين فيحاول أن تكون مائدته متميّزة بكثرة الأصناف من الأطعمة وتجده يردد هذا ليس بحقكم بل تستأهلون أكثر! لماذا أكثر؟ لم تُقصّر فقد وجّبت الضيف وقدّرته هل عندما تبذر بالنعمة أكثر سيرتفع قدرك أيها الرجل الكريم؟ فالضيف يتنقل من منزل لآخر ومن وليمة لأخرى وكل ذلك يقع بين عينيه من بذخ وإسراف لا يعير ذلك أي اهتمام وكأنه من المسلّمات، وبالمثل عندما يقيم هو مأدبة غداء أو عشاء فإنه يقدم أكثر مما قُدم له من ولائم وهكذا ديدن من لا يقدّر النّعمة.
إن هذه العادات الممقوتة التي اعتاد عليها كثير من الناس إنها لم تأت إلاّ بسبب التفاخر والتباهي بين بعضهم البعض، فالله قد نهى عن الإسراف في قوله تعالى: "وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" وأصبح الأبناء يقلدون آباءهم بتلك العادات فأي قدوة تلك؟.
والمؤسف أن مشكلة الإسراف أصبحت ظاهرة فالكثير يشاهد بقايا الأطعمة المتنوعة والاستهانة بها وكيف أنها ترمى مع النفايات، وهناك من الناس من يتحاشى قبول الدعوات للمناسبات المتنوعة وذلك لما قد رأوه من قبل لأنهم لا يحبذون التبذير ويخشون العقوبة من الله ولكي لا يكونوا سبباً بتلك الصور المشينة، هؤلاء يقتصدون في المعيشة دون إسْراف أو تقتير على النَّفْس "عيشةً وسطًا بين ذلك" ويشكرون الله على النعمة ويحافظون عليها ويقومون بصرْفها واستعمالها فيما يُرضيه، فإنه سبحانه وتعالى يحفَظ النِّعمة مِن الزوال «« وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا»» وأحدهم اشتهر بتعامله الحسن مع جيرانه وزملائه في العمل وكان يدعى للحضور والمشاركة في المناسبات ويرفض دوماً إلاّ أن أحد جيرانه أصر عليه وبإلحاح حتى قبل دعوته وعندما رأى سفرة الطعام وما بها من تكلّف عندها استأذن أن يغسل يديه لكي يتناول الأكل علما بأنه قد قام بغسل يديه من قبل وإذا به يغادر المنزل على عجل ولحق به المضيّف طالباً منه أن يرجع ليتناول الطعام مع بقية المدعوين إلاّ أنه رفض وبرر موقفه هذا أنك قد أسرفت في إعداد الوليمة وأعتبرك قد طردتني ولا أستطيع مستقبلاً أن أدعوك إلاّ أن "أولم" مثلك أو أزيد وفي كلتا الحالتين تبذير في تبذير ومضى عائداً إلى منزله، وقد لقّنه درساً في احترام النعمة.
ومن المحزن أنه ليس هناك تقدير للنعمة وهذا التساهل الكبير برمي بقايا الأطعمة مع النفايات حتى أنها بلغت عشرات الأطنان من اللحوم والأرز وأصناف الأطعمة الأخرى وهي غالباً ما تكون من فائض الولائم وحفلات الزواج والمطاعم والفنادق والشقق المفروشة وغيرها. وأصبح الإسراف عند البعض أمراً طبيعياً فالتبذير والإسراف مِن الأمراض الخطيرة، التي تُهدِّد الأمم والشعوب وعواقبهما وخيمة وسيئة للغاية، وقد توعد الله الذين لا يقدّرون نعمه وفضائله بأنّ لهم العذاب الأليم فهناك مشاهد من حولنا من الدول من يعاني من ويلات الفقر ومن الكوارث ومن خوف وتفرّق وشتات، نستعيذ الله منها فهل من معتبر؟.
إنّ للبلديات خدمات كبيرة تقدمها للمواطن في جميع أوجه الحياة وأبرزها المحافظة على سلامة وصحة البيئة ومراقبة المواد الغذائية والقيام بأعمال الوقاية الصحية، نتمنى من أمانات المناطق "وفقهم الله" بتوجيه البلديات وفروعها بأن تلزم أصحاب قاعات الأفراح والفنادق، بأن يكون هناك اتفاق مسبق مع الجمعيات الخيرية وإبلاغ أصحاب المناسبات أيضاً بذلك بإعطائهم فائض الأطعمة مع الحث على الاقتصاد في كمية الطعام الذي سيقدم للمدعوين وعدم رمي بقاياه في الحاويات وأن تضع البلديات فرض عقوبات مقابل ذلك، وأن تعمل على تكثيف التوعية في المجتمع ووضع لوحات إرشادية عند قاعات الأفراح والفنادق تبيّن أهمية حفظ النعمة وعدم الإسراف والتبذير.