الازدواجية
تمت ق ن
جريدة الرياض | الازدواجية
يوسف القبلان
أتعامل شخصياً مع نماذج من البشر يظنون أن الرجولة هي أن تكون في البيت رجلاً يهابه الجميع، ويتعامل مع زوجته، وأولاده، وأخواته بأسلوب يتسم بالقوة، والعنف، والسيطرة، وفرض القيود ومسالك الانضباط ليظهر أمام الآخرين بصورة الرجل القوي المسيطر ويقدم للمجتمع حسب رؤيته صورة مثالية.
هذا الإنسان سواء كان زوجاً أو أخاً، أو أحد الأقارب كالخال والعم الذي يدير المنزل بطريقة الإدارة الديكتاتورية، يتحول مع أصدقائه في المقاهي والاستراحات إلى رجل مثالي يحترم المرأة، والرأى الآخر، ويظهر أمام أصدقائه بشخصية مختلفة عن شخصيته في المنزل فهو مع أصدقائه شخص اجتماعي، مرن، يناقش كافة الموضوعات، ويطرح النكات، ويتقبل مختلف الآراء، ويتحاور بطريقة مثالية، ويقدم الآراء التي تتسم بالموضوعية.
هو باختصار شخص آخر يختلف في كل شيء عن (نسخته) في المنزل فإذا كان في المنزل يعارض مثلاً خروج المرأة إلى العمل، أو سفرها من أجل الدراسة، أو قيادتها للسيارة فإنه مع أصدقائه من أنصار المرأة ومن أقوى المدافعين عن حقوقها. وإذا كان يمنع أخته من الخروج إلى السوق حتى لا تتعرض للمعاكسات فإنه في الاستراحة مع أصدقائه يتباهى بمغامراته في الأسواق وقدراته الخيالية في المعاكسة!!
هذه شخصية ازدواجية قد تنتقل من رجل إلى آخر بعدوى (الرجولة) بما يهدد المجتمع كله بمرض الازدواجية ومن أعراض هذا المرض تلك الممارسات السلوكية لبعض الأشخاص الذين يخالفون الأنظمة والقوانين داخل البلاد، ويحترمونها في الدول الأخرى وانظر كيف يتعامل صاحب الشخصية الازدواجية مع المرأة خارج الحدود مقارنة بتعامله معها في الوطن. الرجل هناك إذا كان برفقة زوجته فإنه سوف يرافقها في كل مكان، ويسير بجانبها، ويفتح لها باب السيارة، ولكن نفس الرجل عندما يكون هنا فإنه يتحاشى السير في مكان عام وهو يمسك بيد زوجته، ولو ابتسم لها فقد تظن به الظنون، بل إن البعض منا يخجل من ذكر اسمها، ويتهرب من مرافقتها في الأسواق أو دعوتها إلى وجبة عشاء.
ثم انظر إلى الرجل كيف يتعامل مع المرأة من جنسية أخرى مقارنة بتعامله مع زوجته أو أخته، وحاول أن تفهم، وأن تدرس، وأن تبحث، وتتعمق أيها الرجل في هذه المشكلة إن كنت تراها مشكلة، وقل لنا ما هي أسبابها وما هي حلولها؟
أما المرأة فهي تعاني من ازدواجية الرجل. تعاني من الرجل المكتئب داخل البيت المبتهج مع أصدقائه. تعاني من الرجل الصارم الذي يفرض قوانين جائرة داخل البيت ويتحول مع أصدقائه إلى إنسان مثالي يتسم بالمرونة والعدالة والموضوعية.
إن خطر الازدواجية هو أن تتحول إلى عادة راسخة يصعب تغييرها، وتصبح من البدهيات التي يُنظر إليها بشكل طبيعي وكأنها سمة تطبع شخصية الرجل ولا يجوز الاعتراض عليها ولا الحديث عنها ناهيك عن محاولة تغييرها!!
إذا اعترف الرجل أننا أمام مشكلة فإن الحل يبدأ بالمؤسسات التربوية أما إذا كان الرجل يرى أن تلك الممارسات الازدواجية شيء طبيعي فعندها نكون أمام معضلة، والبحث عن حلول أخرى.