عندما تعطل المكيف
تمت ق
جريدة الرياض | عندما تعطل المكيف
يوسف القبلان
حدثني أحد الأصدقاء يقول: تعطل المكيف المركزي الموزع على المنزل على شكل وحدات، فعشنا عدة أيام في تجربة يصح أن نقول عنها "رب ضارة نافعة" فقد أصبحت العائلة بكافة أفرادها تتجمع في الغرف التي يعمل فيها المكيف، وتذكرنا وجوه أفراد العائلة، ودارت أحاديث وحوارات وأخبار، وانقطعنا عن التلفزيون وعن الإنترنت والألعاب الإلكترونية وبدأنا نقرأ ونتحاور حول ما نقرأ.
ويواصل الصديق حديثه:
وجدت في تعطل المكيف فرصة تربوية لتذكير الجيل الجديد بحياة الآباء والأجداد ومعاناتهم، ونوعية الظروف التي مرت عليهم. كانت فرصة للخروج من دائرة الترف والروتين وفرصة للعودة إلى الأيام الجميلة التي يتوفر فيها وقت لأفراد العائلة للتحدث مع بعض، وفرصة لتعويد الأطفال على الظروف الصعبة وكيفية التصرف للتغلب عليها، وكذلك الشعور بمعاناة الناس غير القادرين على توفير الخدمات الحديثة.
أنا بدوري أجدها فرصة للاضافة على هذه المسألة فأقول: إن انطباعاتنا عن الجيل الجديد بأنه جيل يركن إلى الترف، والاستهلاك قد لا تتغير إلا إذا وجدنا لهم الفرص المحفزة لقدراتهم، ومنحنانهم الثقة التي يحتاجونها لبناء الشخصية مع الأخذ في الاعتبار أن لكل زمن ظروفه واحتياجاته وأدواته، وإذا كان الحاضر هو امتداد للماضي فهذا يعني أننا إزاء ثقافة تراكمية تمثل التطور العلمي الذي اهتدى إليه العقل البشري بفضل من الله تعالى.
إننا لا نستطيع في العصر الحاضر أن نعود إلى استخدام وسائل النقل القديمة. ولا نستطيع أن نعود إلى (المبرقات) كوسيلة اتصال، ولا إلى (السراج) بدلاً من الكهرباء، ولا إلى الجمل بدلاً من الطائرة، ولا إلى الصحيفة الحائطية بدلاً من الإنترنت، وهكذا بالنسبة لبقية المجالات.
وحين وجدت العائلة فرصة للاجتماع حين تعطل المكيف فهذا يدل على الانشغال، دون وضع تنظيم لإدارة الوقت من خلال جدول واضح يلتزم به الجميع. وهنا أكاد أسمع من يعترض ويقول يا أخي حتى في البيت تريدون منا إدارة الوقت، فأجيب من يعترض بأن أطلب منه أن يراجع مع أفراد أسرته برنامجهم اليومي وأسأله على سبيل المثال: هل يوجد في هذا البرنامج وقت مخصص للقراءة؟
أما عن تعويد الأطفال على الظروف الصعبة وكيفية التصرف للتغلب عليها كفائدة من فوائد تعطل المكيف كما روى صديقنا، فهذا صحيح وهو أمر يذكرنا بأهمية اكتشاف قدرات ومواهب الأطفال، وإطلاق العنان لأحلامهم وخيالاتهم، والاستماع لأفكارهم وأسئلتهم مهما بدت لنا سطحية أو تافهة، وللمدرسة دور مهم في هذا الموضوع، وقد ذكر لي ولي أمر أنه ذهب إلى الاجتماع الذي تنظمه المدرسة لولاة الأمر مع المعلمين، وسأل معلم التربية المهنية والفنية عن ميول ومواهب ابنه فكان جواب المعلم "لا أدري"!!
كيف إذن سيتوصل الجيل الجديد إلى آفاق جديدة إذا كان الكبار يريدون من هذا الجيل أن يكون نسخة منهم، وكيف تتكون لديهم الجرأة على الاكتشاف، وعلى طرح الأفكار والأسئلة إذا كان الكبار يقابلونهم بالإحباط عن طريق تذكيرهم بأن الماضي هو الأفضل والأجمل وأن "الأولين ما خلوا للتالين شيئاً".
نعم لا نريد من الجيل الجديد أن ينفصل عن ماضيه، ولكنه الآن أمام تحديات وطموحات مختلفة في وسط ظروف مختلفة، فقد كان الإنسان يتعلم عن طريق الكتاتيب واليوم يتعلم عن بعد وهو جالس في بيته.
وأخيراً تستطيع العائلة أن تجتمع وتقرأ، وتتواصل، ليس بسبب تعطل المكيف ولكن بسبب توفر الرغبة، والثقافة، والقدوة، وروح المشاركة، وكيف لا تتوفر هذه القيم وهي مبنية على أرضية الحب.