بين الواقع والخيال
تم ق
جريدة الرياض | بين الواقع والخيال
يوسف القبلان
يتمشى الرجل في الشارع فيقتل ويسرق ويقترض من البنك ولا يسدد، ويتناول المسكرات، ويهرب من البوليس .. الخ هذه بعض المشاهد التي يمارسها الأطفال في ألعاب الفيديو وتوابعها التي لا تتوقف عن ابتكار برامج يبرز فيها عنصر العنف بشكل جوهري فالعنف هو سيد الموقف في برامج يفترض انها للتسلية ولكنها مع الأسف تسلية تعبث بعقول الصغار وتسوقهم الى متاهات خيالية قد تتحول مع الممارسة المستمرة الى واقع بل إن الطفل لم يعد يفرق بين الواقع والخيال..
واذا كان بعض أولياء الأمور يمنعون أطفالهم من مشاهدة مباريات المصارعة الرحرة خوفا من التقليد فإنهم في سلوك مناقض يوفرون لهم ألعابا أخطر من مباريات المصارعة، وتقدم لهم كهدايا في مناسبات مختلفة مثل الأعياد او النجاح في الدراسة.
الإشكالية ان هذه الألعاب تباع للأطفال وهي غير مناسبة لأعمارهم ولو كانت للكبار لقلنا ان الكبار قد أصبح لديهم مناعة بتأثير مشاهدة نشرات الأخبار ومن الغريب ان دور السينما تصنف بعض الأفلام كأفلام لا يسمح للأطفال بمشاهدتها بسبب ما تحتويه من أعمال عنف وعبارات غير لائقة، وبالمقارنة نجد ان أشرطة الألعاب التلفزيونية أو الالكترونية مليئة بالعنف والعبارات غير الملائمة للأطفال، ولكن تلك الأشرطة متاحة ومعروضة للبيع امام جميع الأعمار!
هناك ايضا مشكلة أخرى وهي مشكلة الوقت، وتوزيع الوقت بين ما هو جاد ومفيد وبين برامج وأنشطة التسلية.
ويلاحظ في السنوات الأخيرة ان العالم يكثف ثقافة التسلية امام الصغار والكبار حتى يكاد يشعر المرء انه يعمل من أجل التسلية وليس لإشباع احتياجاته الإنسانية الأساسية وغير الأساسية، واذا كانت قمة الاحتياجات الإنسانية حسب هرم نظرية ماسلو هي "تحقيق الذات" بعد أن يكون الإنسان قد أشبع احتياجاته الأخرى للطعام والشراب والأمن والانتماء، فإن الاحتياج الذي يتربع على قمة ذلك الهرم هو الحاجة إلى التسلية ونحن بهذه الاضافة نطور تلك النظرية القديمة بحسب تلك الظروف المتغيرة.. هل التسلية مضيعة للوقت أو هدر للمال؟ الاجابة هي النفي، ولكن من الذي قال ان النسبة الأكبر من الوقت يجب ان تذهب الى التسلية؟ وقد لجأ العالم في الآونة الأخيرة الى زيادة الاجازات وتنويعها واختصار ساعات العمل، وهناك من يربط بين كثرة الاجازات ومستوى الإنتاجية فيرى أن كثرتها تؤدي الى زيادة الإنتاجية نتيجة ارتفاع الروح المعنوية وتخفيف ضغوط العمل.
لم نبتعد عن الموضوع المطروح فقضية الأطفال مع الألعاب هي قضية وقت، وقضية تربوية ذات علاقة ببناء شخصية الطفل، واهتماماته، وتنمية قدراته ومواهبه وهواياته فهل يمكن من خلال ألعاب العنف اكتشاف قدرات الأطفال ومواهبهم البناءة؟ وهل توفر تلك الألعاب ممارسة فعلية في الميدان أم هي حالة اندماج خيالية تنتهي بأحلام مرعبة، وذهن شارد في مقاعد الدراسة؟