سَفَر اللغة

تم ق ن
جريدة الرياض | سَفَر اللغة
يوسف القبلان
إذا سافرت إلى بلد لا تستطيع التحدث بلغته ولا يستطيع أهل هذا البلد التحدث بلغتك فإنك تفقد ميزة مهمة، وفائدة مرغوبة من فوائد السفر وهي الحوار مع الناس، وقراءة إصدارات البلد الصحفية والفكرية.
ويقال لك إن اللغة الإنجليزية إذا توفرت لديك فإنك لا تحتاج إلى لغة أخرى في أي بلد تسافر إليه، ولكن هذه المقولة غير دقيقة فقد وجدت بالتجربة في بعض البلدان أن اللغة الإنجليزية ليست ذات قيمة إلا في المواقع ذات الصبغة السياحية مثل فنادق الدرجة الأولى، أما إذا كنت تسكن في شقة فإنك سوف تجد أن التلفزيون مجرد صندوق للديكور لا يتضمن أية قناة ناطقة باللغة العربية أو الإنجليزية ثم تكتشف انك حققت فائدة من فوائد السفر لم تكن تخطر على بالك وهي ابتعاد الاجازة عن الصداع التلفزيوني الذي يقدم على مدار الساعة مشاهد مرعبة للصغار والكبار، وأخباراً معبرة عن فشل الإنسان في تحقيق تطلعاته الإنسانية وخططه الاقتصادية، وأهدافه السياسية.
في بعض الدول الأوروبية تتحدث إلى الناس باللغة الإنجليزية فيردون عليك بلغتهم حتى لو كان بعضهم لديه معرفة باللغة الإنجليزية، وفي المكتبات تبحث عن كتب باللغة العربية فلا تجد وتصاب بخيبة أمل ويبرز في ذهنك تساؤلات عن حوار الحضارات، والجسور الثقافية في ظل الانغلاق الذاتي فكل أمة تخاطب نفسها وتقرأ إصداراتها وسوف تصاب بالدهشة لو صادفت أوروبياً في القطار يقرأ كتاباً باللغة العربية أو حتى مترجم إلى لغته لكنك لن تندهش إذا قابلت عربياً يقرأ كتاباً باللغة الإنجليزية.
وأعود إلى المكتبات التي لم نجد فيها كتاباً باللغة العربية، ونبحث عن كتاب باللغة الإنجليزية فلا نجد غير رواية هاري بوتر الخيالية التي ضربت الرقم القياسي في مبيعاتها في كافة أرجاء العالم.
هل هذا يعني ان الحوار الثقافي موجود ولكن في اتجاه واحد فقط؟ في أمريكا - مثلاً - لن يفرحوا إذا كتبت عنهم جريدة عربية، وفي العالم العربي قد تقام الأفراح إذا ورد خبر عن شأن محلي عربي في صحيفة مشهورة مثل الواشنطن بوست أو غيرها.
إنها اللغة لا تسافر، ولا تنتشر إلا بمقومات حضارية وعوامل قوة ليس منها التغزل بجمال اللغة ولكن من خلال المنتجات الثقافية والحضارية الناطقة باللغة العربية وبمعايير عالمية، منتجات يحتاج إليها العالم مثلما يحتاج إلى السيارة، والطائرة، والهاتف وجهاز الحاسب، والأدوية، والأجهزة الطبية ووسائل تقنيات التعليم والمعلومات وغيرها.
اللغة لا تسافر وإنما الانتاج الفكري، ومخرجات المعامل والمصانع، ومراكز الأبحاث هي التي تسبق اللغة، وإذا سافرت اللغة بدون رصيد علمي أو رصيد فكري، فإنها ستكون بلا جواز سفر.