تم ق
جريدة الرياض | فجوة تربوية
يوسف القبلان
كيف نحول القيم الإسلامية الجميلة مثل الصدق، والوفاء، والتكافل، والتسامح، والإخلاص، وإتقان العمل وغيرها إلى فكر يسيطر على قلوبنا وعقولنا ويؤثر بشكل إيجابي في سلوكنا.
ننتظر من المدرسة القيام بدور أساسي في هذا الجانب التربوي بالغ الأهمية.
ننتظر منها الدور التربوي أكثر من الدور التعليمي، ننتظر تعزيز وبناء الاتجاهات السلوكية الإيجابية، وبناء شخصية الفرد مما يعزز الدور التربوي للمدرسة.
وإذا كان في تقييم المدرسة لطلابها عناصر تتعلق بالانضباط، والمشاركة، وأداء الواجبات فإنها عناصر غير كافية لتقييم الآثار التربوية.
في مفهوم التقييم التقليدي - الذي نأمل أنه لا وجود له الآن - ينظر إلى الطالب الهادئ الصامت نظرة إيجابية ويقال عنه إنه طالب شاطر أي أن الصمت والهدوء، وعدم طرح الأسئلة هي علامات إيجابية تدل على شخصية يؤمل منها النجاح في المستقبل.
تلك بالتأكيد نظرة غير علمية وغير تربوية فالمدرسة الحديثة هي المدرسة التي تستطيع تحفيز الطلاب على طرح آرائهم، وإعلان أفكارهم، وتحفزهم على المشاركة بالقول والعمل، وتشجيعهم على طرح الأسئلة، والتعود على القيام بالأعمال التي تكسبهم الثقة بالنفس وتكون نواة لبناء خبرات وتجارب تساهم في تشكيل شخصياتهم بل إن أحد التربويين يشجع الطفل على طرح الأسئلة بقوله! اسأل فالسؤال الغبي هو السؤال الذي لم تطرحه حتى الآن!
نعود إلى السؤال الأول، وهو سؤال كبير والإجابة عليه بسيطة وهي أن تأثير التعليم في سلوكنا وتحويل القيم إلى ممارسة لن يتحقق من خلال المحاضرات، والخطب، والنصائح المباشرة، ولن يتحقق والمدرسة معزولة عن المجتمع، فإذا افترضنا أن بيئة المدرسة بيئة مثالية من حيث النظام، والتعاون، والانضباط، فإن الطفل بعد أن يتعدى أسوار المدرسة إلى الشارع قد يشاهد مواقف كثيرة مناقضة لما كان يسمعه في المدرسة، وتثير في نفسه الكثير من التساؤلات والإحباطات وقد يندمج في سلوكيات غير منضبطة خارج أسوار المدرسة، وهو داخل أسوارها يتصنع المثالية لساعات محدودة مجاملة لنظام المدرسة أو خوفاً من سلطتها.
وعندما يحدث ذلك فإن الطفل يعيش بشخصيتين أو يكون له شخصية مزدوجة تكبر معه فتصبح خاصية لا يستطيع التخلص منها فإذا سيطرت الازدواجية على سلوك الأفراد فإن الحديث المستمر عن القيم لن يكون مؤثراً ما لم يرتبط بالممارسة الحقيقية على كافة المستويات.
في المدرسة والجامعة يسمع الطالب عن الإخلاص، وجودة الأداء، واحترام النظام، وأهمية المحافظة على البيئة، وعندما يتعدى أسوار المدرسة وقبل أن يبتعد عن أسوارها سيشاهد المفحطين بسياراتهم، وفي أماكن العمل سيلاحظ التسيب وسوء الخدمة، وعدم ملاءمة بيئة العمل، سيلاحظ عدم احترام الوقت، وعدم احترام البيئة، وعدم احترام الناس وسوف يلاحظ كذلك أن قيمة إتقان العمل وهي من القيم التي يحث عليها الإسلام لا تحظى بما تستحقه من اهتمام في أدبياتنا وممارساتنا.
نحن إذن أمام فجوة بين المدرسة والمجتمع لن تحل بالمحاضرات ولكن بالاندماج التفاعلي بين المدرسة والمجتمع، وبالعمل الجاد للتخلص من الأساليب التقليدية في التربية والتعليم لكونها أساليب من صنع البشر وحان الوقت لتطوير دور المدرسة وتغيير المفهوم التقليدي إلى مفهوم جديد يتجه إلى بناء الشخصية بكافة جوانبها وعندها سيكون الطالب قادراً بما لديه من معرفة ومهارات واتجاهات أن يكون عضواً فاعلاً في المجتمع وسوف يشارك بدافع الرغبة لا الرهبة وسوف تكون له شخصية واحدة.
نتذكر هنا أن الناس إذا أرادت أن تشيد بشخص تقول عنه إنه خريج مدرسة الحياة، وهذا يعني في ظني أن المدرسة الرسمية بأساليبها التقليدية المكررة غير المتطورة هي تنظير ومعارف لا تؤثر في الحياة الفعلية فكأن الذهاب اليومي إليها هو واجب يومي روتيني وتقليد راسخ من أجل الشهادة والوجاهة الاجتماعية.