الأبناء واتخاذ القرار
جريدة الرياض | الأبناء واتخاذ القرار
تم ق
يوسف القبلان
أريد أن أقدِّم التهنئة للزميل د. عبدالعزيز الجارالله على قرار أبنائه الذهاب إلى المدرسة رغم الغبار، ورغم أوامره هو كولي أمر وتحذيراته من الأخطار الصحية التي يتسبب فيها الجو الترابي كما ذكر في مقاله (الوالي الذي خذله أبناؤه) يوم السبت الماضي 8/4/1427ه.
أما سبب التهنئة فهو أولاً استقلالية القرار، والسبب الثاني هو أن أبناءه يجدون في المدرسة ما يجذبهم والمدرسة الجاذبة هي المدرسة التي تبحث عنها كافة المجتمعات.
وقد تعودنا من الطلاب البحث عن الأعذار التي تسمح لهم بالغياب عن المدرسة، وكانت الأمطار في السابق سبباً قوياً لوقف الدراسة، أما الآن فالطالب يلجأ أحياناً إلى التمارض حتى لا يذهب إلى المدرسة والذين لديهم ملاحظات على النظام التعليمي وعلى بيئة المدرسة بشكل عام، وطرق التدريس، ومستوى التعليم، يجدون أن عدم رغبة الأطفال في الذهاب إلى المدرسة يعني أن هناك خللاً ما في المدرسة، ويرون أن ما يُطرح فيها لا يتفق مع عقلية الطفل، ولا ينجذب إليها فؤاده، وحيث أن الطفل (الطالب) في أي مرحلة تعليمية هو المستهدف، وهو لا ينجذب إلى المدرسة فلابد أن يقودنا ذلك إلى توجيه أدوات التشخيص إلى المدرسة وليس إلى الطفل.
وإذا كنا عرفنا السبب الذي دفع الزميل د. الجارالله إلى اقتراح أن لا يذهب أبناؤه إلى المدرسة كونه برر ذلك بالمخاطر الصحية نتيجة الجو المغبر الترابي فإنني وغيري من المهتمين بالقضايا التربوية نتطلع إلى معرفة الأسباب التي جعلت الأبناء يرفضون الانصياع لرأي ولي الأمر ويختارون الذهاب إلى المدرسة رغم المخاطر الترابية.
هذه الأسباب هي بلاشك مفتاح للتعرف على الواقع، ورغم أن العينة صغيرة جداً ولا تمثل المجتمع فإنها تظل معلومة مهمة يحسن استثمارها لطرح موضوعات بحثية حول بيئة المدرسة، ومدى جاذبيتها للطلاب.
الجانب الآخر المهم في هذا الموضوع هو ما يتعلق بتعويد الأبناء على حرية اتخاذ القرارات، وتدريبهم على تحمل المسؤولية، وأن لا يكون دورهم هو تنفيذ التعليمات وإذا استطعنا تطبيق الأسلوب الديموقراطي مع الأبناء في البيت فهذا سينتقل معهم إلى المدرسة وإلى المجتمع.
إن العلاقة بين الأطفال مع الأمهات والآباء هي قضية تربوية سطرت فيها آلاف الكتب والنظريات، ومن النادر أن يلجأ ولاة الأمر إلى النظريات وإنما هم يجتهدون، وهذا الاجتهاد يعتمد في نجاحه على شخصية ولي الأمر (أم، أو أب) وعلى ما يتوفر لديه من فكر تربوي ومستوى تعليمي.
ومن الأخطار التي يقع فيها ولي الأمر أنه يراقب سلوك الأبناء لا بحثاً عن الجوانب الإيجابية لتعزيزها ولكن بحثاً عن الأخطاء والسلبيات حتى يتمكن من ممارسة سلطاته فينطلق في اللوم والتقريع وربما يلجأ إلى العقاب الجسدي أو المعنوي من أجل تعديل السلوك. القلة من الناس هم الذين يتحاورون مع الأبناء ويتيحون لهم الفرصة للتعبير عن أفكارهم وآرائهم ومشاعرهم.
ومن الأخطاء أيضاً التقرير في مستقبل الأبناء بدون مشاركتهم فالأب يرغب أن يكون ابنه مهندساً أو طبيباً وهذا قرار رسمي صادر من أعلى سلطة في البيت ويجب تنفيذه بدون مناقشة. وهناك أخطاء أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، ولكني أكتفي بهذا القرار مع توجيه الدعوة لأولياء الأمور لتجريب الأسلوب الديموقراطي مع الأبناء فهو أسلوب مفيد للجميع وللمجتمع وآثاره بعيدة المدى وقد يكون تطبيقه فيه بعض الصعوبة ولكن لا بد من التعود عليه انطلاقاً من محبة الأبناء والثقة بهم وتحويلهم إلى شخصيات مستقلة التفكير قادرة على الإبداع واتخاذ القرارات.