إعادة النظر في المفاهيم
منسوخ
جريدة الرياض | رجال بيض أغبياء
تم ق
يوسف القبلان
لتكن ثقتك أكثر بأولئك الذين يطرحون الأسئلة وليس الذين يقدمون الإجابات. إن طرح الأسئلة هو من أكثر الأساليب في بناء الشخصية، والنمو الثقافي، والوصول إلى المعرفة، وهذه حقيقة تنطبق على كافة ميادين الحياة.
في التربية، وفي الإدارة ليس منالمناسب أن يقدم الكبار الحلول الجاهزة دائماً لأن هذا يحرم الأبناء والموظفين من الاعتماد على النفس ويجعلهم دائماً بحاجة لمن يقدم لهم الحلول.
في التربية، يمارس الأب أو الأم بنية طيبة، أسلوب الإملاء على الطفل، وتقديم الحلول بحكم عامل الخبرة، والتجربة، وهذا الأسلوب من شأنه أن يحرم الطفل من لذة الاكتشاف وطرح الأسئلة والبحث عن إجاباتها والاعتماد على النفس.
ولايقتصر هذا التقييد على تقديم الحلول بل يتعدى ذلك إلى إحاطة الطفل بسور التوجيهات والأوامر والتحذيرات التي تجعله أسيراً، وتحت المراقبة القاسية طوال الوقت، فالأب يريد من ابنه أن يسير على نفس الخط الذي سار عليه، وان يكون مثله في كل شيء معتقداً أنه بهذا الأسلوب يحافظ على شخصية طفله من الانحرافات.
أما في العمل، فإن المدير يقيد المرؤوس بالتوجيهات والأوامر، والتعليمات، والإجراءات التي سار عليها العمل منذ تاريخ طويل ولايجوز تجاوزها، وإذا تجرأ المرؤوس على طرح الأسئلة فإن الرد قد يكون من نوع (هكذا نعمل منذ سنوات، وأنت جديد على العمل وتحتاج إلى خبرة حتى تكون مؤهلاً لطرح الأسئلة).
وفي كتاب بعنوان (يمكنك أن تفعلها) لمؤلفه بول حنا يستشهد في أحد الفصول بتلك المقولة الصينية الشهيرة "أعطني سمكاً تطعمني يوماً وعلمني الصيد تطعمني دوماً" ويسرد في هذا الفصل القصص الواقعية التي يستخلص منها أننا عندما نقدم الحلول لشخص فإننا نسلبه قدرته، وكيف تجعل من حولك مستقلين عنك وليسوا معتمدين عليك، وأنه إذا كانت تدفعنا رغبة شديدة لإعطاء الحلول لمشاكل الآخرين إذا كانوا يقلون عنا خبرة من ناحية المسألة المطروحة، فإن هذا يعني أن الشخص الذي يتلقى الحلول سوف يعتمد علينا ولن يعتمد على نفسه، وهذا المبدأ صحيح سواء كانت المشكلة خاصية بالعمل أم بموضوع آخر. إذا أعطينا الآخرين الحلول فسوف يستمرون في العودة إلينا.
في بيئة العمل نجد أن المدير الناجح يطلب من العاملين معه تقديم الحلول وليس المشكلات، وهذا النوع من المديرين تتوفر لديه خاصة الثقة بمن يعمل معه وبالتالي تجده يفوضهم الصلاحيات التي تمكنهم من أداء العمل واتخاذ القرارات دون الرجوع إليه.
وفي صورة مغايرة تجد المدير المركزي الذي يحرم العاملين معه من النمو الوظيفي، ويجعلهم يرجعون إليه في كل صغيرة وكبيرة تماماً مثل الأب الذي لايسمح لأبنه بالإقدام على التجارب الجديدة وشق طريق مغاير لطريقه.
المشكلة كما قلنا نلاحظها في المنزل، والمدرسة، وبيئة العمل، وهذا يعني أن الحل لا يأتي بالقرارات، والأوامر والتعليمات، وإنما هي عملية تتطلب إعادة النظر في كثير من المفاهيم والأساليب والممارسات التي تحكم علاقاتنا بالأبناء، والطلاب، والعاملين.