مستحيل...
نجوى هاشم
تم ق ن
جريدة الرياض | مستحيل...
مستحيل أن تتخيل أن هذه الأعداد الهائلة في الأسواق، والمجمعات التجارية الكبيرة، وبالذات المولات الضخمة هم من سكان مدينة جدة في هذه الأيام، التي من الصعب على ساكنيها إن أرادوا غرضا تمكنوا من شرائه، جراء الازدحام المخيف والخانق في كل الأمكنة، وهذه الأسراب من المصطافين من كل مناطق المملكة رغم الحرارة العالية، والرطوبة التي تكاد توقف التنفس في الليل وليس في النهار!

مستحيل... أن تعتقد أن كل سكان حي يلتزمون بالتسوق في أحيائهم، فأبعد مجمع تجاري في جدة، يقصده آلاف بل عشرات الآلاف من مختلف أنحاء المدينة، ولم يعد البعد هو المشكلة في ظل بحث الناس المستمر عن التغيير، وعن التجديد.. وعن الهروب من الحر، وكآبة المكان الواحد، والترويح عن الأسرة في الملاهي والمطاعم، واستغلال هوجة التخفيضات!

مستحيل... أن تجد شيئاً له قيمة في التخفيضات التي تكتسح الأسواق، لأن كل المخفض أردأ البضاعة، وأسوأها، وعندما تنتبه لما هو جيد تد أنه كتب عليه (وصل حديثاً) بمعنى أنه لا علاقة له بالتخفيض!

مستحيل.. أن تقوم (هوشة) في العمل، أو الشارع، دون أن يكون لها مريدون، ويتجمع حولها العشرات من مشعلي الحرائق، ومن الباحثين عن التهدئة، ومن المتفرجين، ومن الملقوفين، الذين يتركون أعمالهم، ويوقفون سياراتهم، ويصرون على معرفة من الذي بدأ؟ وما هي المشكلة؟ ويأتي بعدهم من يحاول أن يغلق الخناقة رغم أنه لم يعرف مسبباتها، أو من هو المخطئ على طريقة (كل واحد يصلح سيارته) ولم ينتبه أن العطل فادح في واحدة، والأخرى لا يتجاوز الخدش.

مستحيل أن يحدث تصادم في طريق ولا يتوقف الملقوفون، رغم أن لدى بعضهم عائلة في السيارة، ولكن لا بأس من معرفة نوعية الحادثة، ومن المتسبب، والمصابين، ومن رحل عن الدنيا، حتى عندما ينقلها وهو واقف أمامها، يكون على علم بتفاصيلها، وينفذ مهمة المراسل الملقوف لمحطات المتلهفين للاستماع، ولم ينتبه أن كثرة المتجمهرين حول الحادث، قد تضاعف الاصابات، وتقلل من وصول الهواء إلى من أُصيبوا، بل ومن الممكن أن يساعد في الإسعاف، رغم أن لا علاقة له بذلك، وقد يزيد الطين بلة بطريقته غير المناسبة في الإسعاف!

مستحيل أن تجد عشرة منازل، متلاصقة، وكل شغالاتها يحملن الإقامة النظامية، ومع ذلك يمكنك تقسيم هذه المنازل على ثلاثة، منها أربعة شغالاتها غير نظاميات وثلاثة نظاميات، وثلاثة غير نظاميات ولكن لاضطرار الأسر أحياناً لهروب من لديهن، ونظام الهروب معروف ولا داعي إلى ذكره «سجل هروب فقط» وادفع ثمن التبليغ!!

مستحيل هذه الأيام أن يتخرج ابنك، أو ابنتك في الثانوية، ولا تحمل الهموم طوال فترة التقديم للجامعة ومعها السؤال أو الأسئلة الأزلية إلى أين هو ذاهب؟ هل حسب رغبته؟ أم رغبات التنسيق؟

مستحيل.. أن يتخلص من لم يعتادوا الطابور من عادات كسره ؛ حيث لابد من ايجاد وسيلة لديهم لتجاوزه، بادعاء المرض، أو وجود أطفال في السيارة، أو الظروف القاسية ومع الأسف يجدون من يسمح لهم بأخذ حقوقه من هذا التجاوز!

مستحيل ان يعتقد البعض أن خريجي كلية الطب تنتظرهم الوظائف في المستشفيات بمجرد استلام الوثيقة!

مستحيل ان تسمع حكاية كما حصلت.. أو حدثت بالضبط.. ومستحيل ايضاً أن تنقلها كما سمعتها أيضا.. فالمؤكد ان الحكاية عندما تتناقل من شخص إلى آخر تنتهي رواية ولا تبقى حكاية في صفحة واحدة!

مستحيل أن تجد شخصاً يقود سيارته مواطناً، كان أو حتى مقيماً، لا يستخدم الهاتف الجوال اثناء القيادة، رغم الغرامات التي أرى أنها لم تنفذ، وليست كافية!

مستحيل أن تعفي مواطنيك من أنهم هم من خربّوا المقيمين من العمال والسائقين بعدم الالتزام، رغم أنهم ملتزمون خارج أوطانهم!

مستحيل ان تجد نصف المسافرين أو أكثر إلى ارجاء المعمورة قد سافروا دون أن يقترضوا، أو يتمتعوا بمميزات البطاقات الائتمانية التي سيعودون بعدها ويكتوون بنيران التسديد طوال العام!

مستحيل أن تحترم النظام طالما أنك لم تتعلمه؟ أو تتربى عليه!