مواعين امرأة تسمى زينب
زينب بالنسبة إلي ليست مجرد زوجة، إنها حياة، مواعينها ووقفتها في المطبخ ودخولي عليها بكاميرا وتصويرها بعباءة البيت القطنية ذات النصف كم ليست مجرد مواعين، وليست مجرد ابتسامة طفولية هفهافة تطلق في روحي وقيد الحنين الغامر، تلك التي ترسلها عيناها قبل فمها بينما تضع كف يدها القصيرة المكتنزة الرطبة والمبللة بالماء فوق وجهها خجلاً. المطبخ أو ما يظهر منه في الصورة هو وجهها المبتسم الحنون، كنكة معلقة بجوار كوع يدها اليسرى وفوقها شباك صغير يطل منه شفاط المطبخ الكهربائي. أمامها مباشرة حوض الغسيل والماء الهابط من صنبوره المفتوح، على الحوض يظهر الصابون السائل الذي تستعمله وأمام رأسها مباشرة مطبقية بها الأكواب والأطباق، أما في الركن البعيد بجوار المطبقية فهناك بعض برطمانات التوابل مرصوصة في المكان المخصص لها.. وما زالت ضحكتها الخجول تملأ الصورة نوراً.
كنت أعرف أن مطبخنا ضيق وأنه يضج بشتى أنواع المواعين وأنت تغسلينها كل يوم. ها أنا ذا أفعل مثلك. جاء الأولاد لزيارتي اليوم يا زينب، استعملوا الأطباق المرصوصة طوال الأسبوع دون أن تمس، ثم تركوني وعدت لوحدتي مرة أخرى، وها هو ذا البيت يعود كما كان، هادئاً موحشاً، يشبه أطباقاً متراصة بعضها فوق بعض تنتظر يدك لتمشط عنها الدهون وتعيدها إلى سابق عهدها، نظيفةً لامعةً مبتهجةً تشبهك وتشبهينها. يكون المطبخ مثلك وهو نظيف يوم الجمعة، يلمع ويبرق كالفضة الذائبة. ياه على جمال هذا اليوم! إنه الأجمل، مثل سائل صابوني برائحة الليمون ذي قدرة على سحق أي هموم قد تطول قلبي المسكين الرهيف طوال الأسبوع. زارني اليوم الأولاد يا زينب، ملؤوا البيت فرحة وسعادة، وهي كما تعرفين سعادة ناقصة من دونك. ليس علي أن أفعل سوى ملء عيني بصورتك المعلقة بجوار المطبقية وأرى ضحكتك البريئة تمحو معي ما علق بالأطباق من دهون وما علق بقلبي من حزن منذ يوم الفراق.
شيماء عبدالناصر حارس: مصر
المجلة العربية :: إبداع