خـــــــــــدمات الأعضــــــــــــاء

العودة   ملتقى النخبة > النخبة 2011 > سواليف أدبــاء
.::||[ آخر المشاركات ]||::.
 

إضافة رد
 
 
LinkBack أدوات الموضوع
  المشاركة رقم: 1  
قديم 23 / 11 / 2020, 27 : 08 AM
الصورة الرمزية SALMAN
مؤسس الموقع
المنتدى : سواليف أدبــاء
تاريخ التسجيل العضوية الدولة المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
14 / 03 / 2005 1 المكتبة 7,618 1.06 يوميا 393 10 SALMAN is on a distinguished road
SALMAN غير متصل

ملح بطعم العسل

ملح بطعم العسل

حتمت عليَّ الظروف أن أعمل سائقاً لتوصيل عاملة توزع الطعام على المدارس، من الصباح حتى الظهر، وكنت أقف أمام كل مدرسة ما يقارب النصف ساعة أو ساعة حسب حجم المدرسة، وكنت أقتل الوقت بالقراءة أو سماع شيء من الموسيقى. استمر هذه الوضع معي أكثر من شهرين، وفي يوم لا أعلم الساعة كم أو اسم المدرسة، في لحظة لا أعلم كيف ومن أين جاءت استطعمت طعم الشاي، إذ كثيراً ما كان حارس المدرسة التي أقف بجانبها الآن يدعوني للدخول إلى غرفته وشرب الشاي وتناول التمر البلدي، قررت في تلك اللحظة أن أنزل من السيارة وأجلس مع حارس المدرسة الذي تعودت أن أحبه وأحترمه وأخاف أن أجرح مشاعره بكلمة أو موقف.
- كيف حالك يا بني؟
- الحمد لله..
- أين تعمل؟
- صحفي في إحدى الصحف، ولكن الظروف حتمت علي أن أعمل عملاً آخر في الصباح، وبعد الظهر أذهب لعملي الرئيسي.
- بني، العمل مهما كان ليس عيباً، فهو (ملح الرجال). أنا الآن حارس للمدرسة أكثر من عشرين سنة، أعمل إلى الظهر، وفي المساء أيضاً حارس مدرسة لمحو الأمية، ثم في الغروب أذهب لسوق السمك أقوم بتنظيف السمك للزبائن بمقابل مادي.
لدي ثلاثة أولاد وبنت، وكلهم ولله الحمد متفوقون في دراستهم، اثنان من الأولاد والبنت يدرسون الطب في مناطق متفرقة، والابن الثالث يدرس القانون، ويقول إنه يريد أن يكون محامياً، لقد تركت لهم الاختيار والخيار في حياتهم الدراسية، بل في كل قراراتهم مع إعطاء رأي فقط، رأي دون أي ضغط حتى يكون قابلاً للتنفيذ من جهتهم، كررت لهم أكثر من مرة أنا مستعد أن أوفر لكم كل ما تحتاجونه من لباس وطعام وكماليات الحياة حتى لا تكونون أقل من أصدقائكم أو الطلاب الذين تدرسون معهم، لن تكونوا في أعلى مستوى ولكن لن تكونوا في أقل مستوى، وبالمقابل أريد فقط منكم الاهتمام بأمور دينكم والتفوق في الدراسة، وكلا الأمرين راجع لكم في الدنيا والآخرة.
انتهى الوقت بقدوم العاملة التي عليَّ أخذها لمدرسة أخرى، وقد تعلمت من الحارس أشياء لربما تكفي اليوم عن قراءة كتاب، ولربما كان في نفسي شيء، وهو أن ما تراه يختلف عما تسمعه، والحكم على الظاهر خطأ ولكنه يتكرر معنا في الكثير من اللقاءات الأولى مع الأطراف الأخرى.
- يبدو أنك مرتاح مع حارس المدرسة أراك مبتسماً.. تسألني العاملة.
- الحياة تعلمنا كل يوم شيئاً جديداً، لربما يكون قريباً منا أو نراه يومياً ولكننا لا نشعر به ولا ننتبه له في لحظتها، ويرسل لنا الخالق أحداً ينبهنا له.
بعد الانتهاء من توصيل العاملة للمدارس وتوصيلها لبيتها، كان عليَّ العودة لأخذ معلمات من مدرستهن والعودة بهن إلى بيوتهن، وبينما أنا أنتظر خروجهن مع مجموعة بشرية من سعوديين وعرب وآسيويين ينتظرون خروج الطالبات والمعلمات؛ كان الجو حاراً للغاية والرطوبة تغسل الأجساد السمراء، وكان محور الحديث بين المنتظرين الرطوبة وحر الصيف، ازدياد الفقر والفقراء، مشاكل الطلاب الذين ما زالوا يبحثون عن جامعة، المواعيد المتأخرة في المستشفيات، السيارات وأنواعها وقطع الغيار المغشوشة.
كان من بين المنتظرين رجل في الستين، كان يدخن كثيراً ويبتسم أكثر، في إحدى المرات، تحدثت معه حول مواضيع مختلفة، ومنها عمله في المدرسة حارساً، ومقدار حبه للمدير والموظفين الذين يعرضون عليه المساعدة في كل شيء يحتاجه.
يقول لي ماتت زوجته بعد عشرين سنة زواج، وله أبناء ثلاثة بين مهندس وطبيب وطبيبة مع زوجها في مدينة أخرى من مدن الوطن، وكيف تحبه كثيراً، ويتفاجأ بعض الأحيان بمطعم يدق عليه الجوال يخبره بوصول الوجبة وهو لم يطلب ولكنه يعرف بعدها أن ابنته الطبيبة هي من طلبت له، وتتصل لتطمئن عليه: هل وصلك الطعام؟ هل أكلت؟ حاول أن تمارس رياضة المشي عند غروب الشمس، لا تنسَ دواء الضغط وابتعد عن الوجبات التي تحتوي على ملح كثير.
- ما شاء الله أنت في جنة من الحب في العمل والبيت حتى أصبحت جدّاً من ابنتك والدور سيأتي على الأولاد للزواج.
- ممكن سؤال: ألم تفكر في الزواج مرة أخرى؟
رمى السيجارة على الأرض وداسها بقدمه اليمنى، وابتسم:
- لا أبداً أبداً، زوجتي كانت رائعة في كل شيء، هي ليست ملكة جمال أو غنية أو متعلمة، ولكن كانت زوجة وأم وصديقة، كان الوفاء صفة حاضرة في حياتها مع الجميع، سواء في العائلة أو خارج العائلة، ضحت بكل شيء من أجلي ومن أجل الأولاد، هل تعلم يا بني أن الأولاد حاولوا أكثر من مرة في موضوع الزواج، هم يحبونني ويحبون أمهم ولكنهم يريدون أن أعيش سعيداً كما يريدون ويرون. يعتقدون أني غير راغب في الزواج حتى لا أشعرهم بالحزن على أمهم، ولكني حزمت الموضوع بأن موضوع الزواج منتهٍ بالنسبة لي، وقلت لهم إني لا أخاف الوحدة التي تشعرون بها، ولن أكون مسجوناً في الوحدة، أو وحيداً في البيت بعد زواجكم والعيش مع زوجاتكم والانشغال بحياتكم؛ أبداً أبنائي اطمئنوا هناك شيء في البيت يشعرني بأن أمكم معي في مكان جلوسها، مكان حديثها معي، لحظات الغضب من صراخها عليكم أثناء الطعام والنوم وتأخركم من الجلوس من النوم بعض الأحيان، سهركم خارج البيت بعض الأحيان.
قطع الحديث قدوم المعلمتين إلى السيارة، استأذنت منه وذهبت للسيارة.
- يبدو أنك تأقلمت مع السائقين؟ كان هذا سؤالاً من المعلمتين..
- نعم، وتأقلمت أكثر مع نفسي. إن الإنسان ليس لباساً أو شكلاً خارجياً عن بعد؛ بل هو جوهر لامع عند الاقتراب منه، ومسالم عند تبادل التحية معه، تعلمت اليوم أشياء تكفيني عن قراءة الكثير من الكتب: عشْ حياتك ودع الناس يعيشون حياتهم.

حسين السنونة: الدمام
المجلة العربية :: إبداع







توقيع : SALMAN
إذا خسرناك عضو فلا تجعلنا نخسرك زائر


الإرادة بركان لا تنبت على فوهته أعشاب التردد

حيــــــــــــــــــــــــــــــاكم الله في حسابي على تويتر :
SALMANR2012@
Digg this Post!Add Post to del.icio.usBookmark Post in TechnoratiTweet this Post!
رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
 
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 39 : 09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir
ملتقى النخبة 2005