|
خـــــــــــدمات الأعضــــــــــــاء
|
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
|
LinkBack | أدوات الموضوع |
المشاركة رقم: 1
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
«ديكتاتورية العقل البلاغي عند العرب» (1).....
«ديكتاتورية العقل البلاغي عند العرب» (1)-سهام القحطاني
https://www.al-jazirah.com/2022/20220121/cm31.htm هل البلاغة هي المعادل الموضوعي للأدب؟ بمعنى أن كل كلام يتلزم بفنون البلاغة ومعاييرها هو أدب، وبالمقابل فكل كلام متجرد من تلك فنون البلاغة ومعاييرها هو بالحتمية ليس بأدب، والاتفاق على متلازمة الضرورة السابقة يعني أن الأدب هو «تطبيقات فنون البلاغة ومعاييرها من خلال نسق لغوي» وليس كل نسق لغوي هو نسق فكري، وهو خلاف ما رسخته ديكتاتورية العقل البلاغي عند العرب؛ بأن محور قيمة الجودة والتقدير هو النسق اللغوي،هذا التقديس للشكلانية هو الذي أسقط بالتقادم والإغراق قيمة البلاغة في زمن العصور المظلمة للأدب العربي. عندما تحوّلت البلاغة إلى أنساق لغوية خالصة لفنون البلاغة ومعاييرها دون الاهتمام بالبنية الفكرية لذلك النسق اللغوي، فمقياس المهارة كانت مُقيّدة بالصياغة البلاغية وتمثيلاتها هذا التطّرف المهاري هو ما أدى إلى استقلاليتها وتفريغها من أي خطاب فكري، وإحلال التأثير محل الإقناع في عصر الانحدار الأدبي الذي سيطرت عليه البلاغة الأسلوبية، فأصبح الإبهار البلاغي ميدان تنافس بين شعراء العرب. وبذلك تحولت البلاغة من كونها مُساند لنشأة الخطاب الأدبي وتطويره إلى غاية في ذاتها ومهارة يتفنن الأدباء فيها فحلت محل المعنى، وهذه الازدواجية وهو ما جعلها شكلاً مجرداً من أي مضمون خاضع لأي حيثية فكرية. وهذه القيمة المتعالية للبلاغة التي سيطرت على النص الأدبي وقائله خلقت ديكتاتورية العقل البلاغي وجعلته الوصي التوجيهي للنص الأدبي والمتحكم في تقدير قيمته بداية من خيم لجان التحكيم في الأسواق الأدبية قبل الإسلام مروراً بصراع الأدباء واللغويين في ظل الإسلام بعصوره المختلفة. فقبل الإسلام كانت «الذائقة البلاغية للجنة التحكيم التي عادة ما كانت تتمثَّل في فرد» هي التي تقرر مراتب الشعر والشعراء، معتمدة لجنة التحكيم تلك على «الأنساق اللغوية والأسلوبية والبلاغية المتوارثة» ولذلك وضع العرب على اختلاف قبائلهم نموذجاً نقدياً ممعيراً ومّنمّذجاً لا بد أن يلتزم به الشاعر ليحظى بشهرة ومكانة شعبية عند جميع العرب على اختلاف قبائلهم وهو «نموذج لغة قريش»، وبذلك كان معيار جودة الشاعر وشعره لا يتحقق إلا من خلال المطابقة التامة بين قوله وبين تلك الأنساق في مستوياتها المختلفة، وعليه فكان أي تجديد لتلك المستويات أو تمرد على النموذج الممعير من قِبل الشاعر يعني مصادرة قيمته وقيمة إنتاجه، ولتجاوز الشعراء غضب تلك «ديكتاتورية العقل البلاغي» كان الشاعر يخضع لقوانين تلك النمذجة ومعاييرها، وكان التجديد في أي مستوى من مستويات ذلك النموذج يدخل ضمن» عيوب النص الأدبي وجهل صاحبه بالبلاغة»، وهذه «النمذجة المسكوكة للنص الأدبي قبل الإسلام وخاصة في الشعر؛ سهّل بعد ذلك نشوء أخطر قضية أدبية وهي الانتحال الشعري؛ لسهولة القياس والنمذجة. وفي ظل العصور الإسلامية ومع انفتاح العرب على ثقافات الأمم الأخرى وظهور طبقة من الشعراء مالوا إلى التمرد على النمذجة المسكوكة المتوارثة، ظهرت أهم القضايا النقدية وهي قضية «الحديث والقديم»، والقديم كان يعني «النمذجة الشعرية المتوارثة» والحديث كل يعني «الشكل الشعري الجديد» المتجاوز لتلك النمذجة سواء في شكلها أو مضمونها. واستطاعت هذه القضية أن تُعيد «نمذجة ديكتاتورية العقل البلاغي» التي سيطرت على النص الأدبي في العصر الجاهلي» بثقل ظلها وظلالها إلى القرن الثالث للهجرة من خلال «ابن سلّام الجمحي» الذي أعاد تمثيل «خيم التحكيم» من خلال مقاييسه التذوقية وصنع من خلال كتابه «طبقات فحول الشعراء» معايير نقدية لتقدير قيمة النص الأدبي وأهميته وفق «المعيار الزمني الذي يبدأ من العصر الجاهلي حتى القرن الثاني الهجري» للشاعر و المعيار المكاني» للشاعر وهو بذلك استثنى بعض القبائل العربية التي يرى أنها أقل بلاغة وفصاحة، وهذا المعياران عند ابن سلاّم أعادا إحياء ديكتاتورية العقل البلاغي والتمييز القبلي الذي ساد عند العرب قبل الإسلام. ولا شك أن المعيار «الذوقي» الذي أسسه ابن سلاّم الجمحي» لنفسه في تصنيفه وترتيبه للشعراء بداية من العصر الجاهلي إلى القرن الثاني للهجرة لا ينتمي للموضوعية النقدية؛ لأن معيار الزمان والمكان هما معياران ظرفيان وليسا ثابتين وبالتالي فاعتبارهما مصدر تحكيم هو اعتبار يناقض الموضوعية وسلامة الحكم، ويُجل القياس؛ مما يُرسخ الأبوية البلاغية وعقلها الديكتاتوري ويجعل كل تجديد وجديد مصدر تجاوز للأصولية البلاغية باعتبار تلك الأصولية أصل التراث ونموذج الكمال ومعيار قيمة الجودة المطلقة.
|
المشاركة رقم: 2
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رد: «ديكتاتورية العقل البلاغي عند العرب» (1).....
ديكتاتورية العقل البلاغي عند العرب»(2)
سهام القحطاني اتصف العقل البلاغي عند العرب منذ العصر الجاهلي وحتى نهاية العصر الأموي بالقياس، وهذه الصفة الكلية بمشتقاتها كانت المظهر الغالب على فكر هاتين الحقيقتين، مع أن التغير الديني من خلال ظهور الإسلام ودخول عرب الجزيرة العربية إلى الإسلام ودخول غير العرب، كانت فرصة لتجديد العقل البلاغي وإعادة تنظيم تأثيره في صناعة النص الأدبي و الفكري، لكن استمرار ديكتاتورية العقل البلاغي كان طبيعياً في ظل العصور الأولى للإسلام؛ بسبب تراجع النص الشعري وإحاطته بتأويلات الشبهة بعد نزول آية {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} والفهم الخاطئ لها، عزَّز ديكتاتورية العقل البلاغي مقابل تهميش النص الشعر، وليس هذا هو السبب فقط لاستمرار ديكتاتورية العقل البلاغي،فقد حاولت تلك الديكتاتورية استعمار النص القرآني ذاته و تقييده بمسطرة ذلك العقل وفق معاييره الجاهلية. صحيح أن النص القرآني أنزل بلغة قريش «النموذج اللغوي الكامل، إلا أنه ليس محاكياً لذلك النموذج فقط كما فهم العرب، بل هو إعجاز في ذاته، متفرّد في بنائه لا يمكن تقعيده بتنظيرات إنسانية سواء متوارثة أو مبتكرة، ومحاولة العرب ربط النص القرآني بمعايير عقلهم البلاغي قبل الإسلام أدى بعد ذلك إلى ظهور مصطلحات مثل «غريب القرآن» و «الشاذ» في القرآن؛ الشاذ بمعنى ما يخالف الأعراف اللغوية و البلاغية المتوارثة للعرب،و مصطلح «الزائد». فالعرب قبل إسلامهم نظروا إلى القرآن الكريم كنص شعري بسبب الأساليب اللغوية و البلاغية الذي يتميز بها النص القرآني ولذا أُنزلت الآية الكريمة «وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون»-41، الحاقة-. فكرة «شعرية النص القرآني «ظلت في اللا وعي العرب الأوائل حتى بعد إسلامهم ظلوا يفسرون النص القرآني بذات أدوات ومعايير تقويمهم للنصوص الشعرية في أسواقهم الأدبية قبل الإسلام؛ وهو ما يعني أن المسلمين الأوائل تعاملوا مع النص القرآني «الإعجاز الكامل» الذي يفوق قدراتهم الفكرية و التحليلية بأدوات بلاغية متوارثة فما كان منهم حتى يثبتونه في مستوى قدراتهم إلا أن يفرضوا حصارا معياريا على النص القرآني ليظل مقيدا بمسطرة عقلهم البلاغي، تلك المسطرة المقدسة التي أورثت النص القرآني فيما بعد «صراع لا ينتهي بين قضيتي النقل و العقل». ونظرا لتراجع هيمنة الشعراء في صدر الإسلام التي كانت طاغية في العصر الجاهلي تحولت ملكية العقل البلاغي من الشعراء إلى طبقة جديدة ظهرت مع الإسلام وهي «طبقة المفسرين» الأكثر تعصبا وتطرفا لمسطرتهم البلاغية أكثر من الشعراء، وهذه الطبقة لم ترث «ديكتاتورية العقل البلاغي الجاهلي» فقط بل «استعمرت النص القرآني» باعتبارها المالك الجديد للعقل البلاغي. بدأت هيمنة المفسرين على النص القرآني بعد وفاة الرسول الكريم من خلال الصحابة ثم التابعين ثم تابعي التابعين ثم انتقلت ولاية حكم العقل البلاغي بعد تراجع قيمة المفسرين بعد عصر التدوين واكتمال أصول علم التفسير وشيوع التعليم بين المسلمين إلى طبقة جديدة وهي طبقة الفقهاء ثم طبقة علماء اللغة. لقد أرادت طبقة المفسرين الأوائل من المسلمين إحياء «ثيمة الأحبار» على غرار اليهود و النصارى؛ وهم العلماء المفسرون للنصوص الدينية التي أُنزلت على الأنبياء وامتلاك الاستحقاق الكلي لتفسير النص القرآني وفق ذائقتهم البلاغية و اللغوية، دون مراعاة أن النص القرآني هو «نص إعجازي في ذاته» لا يمكن إخضاعه لأي ذائقة بلاغية أو لغوية مهما عظّم شأنها و شأن صاحبها، وهذه الحصرية التي أرهصت لها طبقة المفسرين ثم ورثتها طبقة الفقهاء أدخلت المسلمين في صراعات تأويلية ثم مذهبية ومدونة فقهية لا يزال المسلمون يجنون آثارها من خلاف ورجعية وتطرف. ومن المؤكد الذي لا يعتريه أي شك أن الصحابة ومن اتبعهم بعد ذلك في فكرة «حصرية تفسير النص القرآني» كانت غايتهم تسهيل فهم النص القرآني على المسلمين وتأمين حدوده من أي افتراءات أو مغالطات أو مخالطات، لكنهم وقعوا فيما لم يحسبوا له من حذر وهو تجميد النص القرآني وهو ما أدى بالتقادم إلى فصله عن الواقع المتطور للمجتمع الإسلامي ونشوب الصراع مع العلمانية. وكما لم يؤثّر تغير عقيدة العربي في قيادة حركة انقلابية على العقل البلاغي وتأسيس معايير مختلفة للعقل الجديد انطلاقا من عقيدة الإسلام وأصولها الداعمة لحرية الفكر والتأمل والتجديد، لينتقل العربي من جاهليته إلى الإسلام بحقيبته الفكرية المتوارثة. وقد يكون انشغال المسلمين بالفتوحات والتبعية للأبوية الفكرية التي تعوّد عليها في جاهليته، وعدم إيمانه أو استعداده على الاستقلالية الفكرية التي منحها الإسلام لكل إنسان عندما حرره من عبودية الأصنام المادية والفكرية، لكن يبدو أن العربي المسلم تحرر من الصنم الحجري ولم يتحرر من الصنم الفكري الذي كان يحيط به منذ حُكام خيم الأسواق الأدبية مرورا بطبقة المفسرين ثم طبقة الفقهاء، ففي كل عهد ثمة صنّم فكري يستعمر العقل العربي باسم المعرفة التي تختلف دلالتها من عصر إلى عصر. كما لم يؤثر التجديد السياسي للمسلمين عندما انتقل الحكم من «الخلافة الراشدة» إلى «الدولة العضوية-الدولة الأموية» وما صحبه من اعتراضات سياسية في الانقلاب على العقل البلاغي وتأسيس معايير مختلفة لبناء مرجعية لعقل عربي جديد مُتحرر من قواعد اللغة والبلاغة وينطلق من حرية الفكر والإبداع. لتظل فكرة أن «البلاغة» هي المسطرة المقدسة التي يجب أن ينطلق منها النص القرآني ثم الأدبي» قائمة حتى منتصف العهد الأموي؛ ولعل السبب في ذلك هو استمرار هيمنة الصحابة ومذهبهم البلاغي في التفسير على بدايات العصر الأموي وتأثيرهم الجاذب للجماهير، رغم انفتاح الدولة الأموية على ثقافة الشعوب الأخرى والحركة النشطة للترجمة وتقليدهم لإرث الشعوب المهزومة. https://www.al-jazirah.com/2022/20220128/cm24.htm
|
المشاركة رقم: 3
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رد: «ديكتاتورية العقل البلاغي عند العرب» (1).....
ديكتاتورية العقل البلاغي عند العرب(3)
الجمعة/السبت 04 فبراير 2022سهام القحطاني «هناك إذن، أشياء لم تتغير في الثقافة العربية منذ الجاهلية إلى اليوم تُشكِّل في مجموعها ثوابتَ هذه الثقافة، وبالتالي بنية العقل التي ينتمي إليها» محمد عابد الجابري لقد سعت ديكتاتورية العقل البلاغي إلى إحاطة البلاغة بسياج «التراث» حتى تتحوّل إلى «مسطرة مقدسة» ومسكوكة قياسية كونها أصل النموذج الديني «المُحاكى»، وهذا التوجه حوَّل البلاغة إلى «المقدس المثالي» كونها الأصل المحاكى، وأكرر القول إن هذا الخطأ الذي وقع فيها العقل البلاغي العربي هو حاصل الفهم القاصر للمسلمين الأوائل بأن «النص القرآني» هو «فن قولي يُحاكي النموذج الكامل للغة العرب المتمثلة في لغة قريش»، هذا القصور نزع من النص القرآني إعجازه الفكري، وحصره فيما تعارفوا عليه من «قول فني». وهذا الأمر ينقلنا إلى محطة أخرى في هذا المقام وهي «فكرية البلاغة العربية» قبل الإسلام. المتأمل لمفهوم البلاغة عند كل من اليونان والعرب سنجد أن البلاغة عند اليونان هي معادل للمنطق الفكري الجدالي، فقوانينها أُسست في ظل «الجدلية السوفسطائية»، بالتالي فهي وسيلة إقناع لا غاية في ذاتها. في حين أن البلاغة عند العرب في نشأتها الأولى ارتبطت بالفصاحة حتى أضحت غاية في ذاتها، وظل هذا الارتباط محاطًا بها حتى أصبحت الفصاحة هي المعادل الرسمي للبلاغة، وأصبح الحكم على الرجل في كونه بليغًا بمقدار فصاحته، لا بمقدار ما يحمله من رؤية فكرية مختلفة أو مُضافة، ورغم قوة تأثير البلاغة في تشكيل الأسلوب اللغوي العربي إلا أنها لم تسطع أن تُسهم أو تكون حجر الزاوية في تشكيل خطاب فكري منطقي جدالي عند العرب قبل الإسلام، كما عند اليونان، ولعلنا نُرجع هذا العجز لأسباب عدة، منها: *غياب الديمقراطية الفكرية والاجتماعية عند العرب، خلاف المجتمع اليوناني، إذ ارتبطت البلاغة بالخطاب الديمقراطي اليوناني، ولعل فكرة «النمذّجة الأدبية» عند العرب كانت من أهم أسباب غياب تلك الديمقراطية والتي أفرزت «أحادية منهج القصيدة الجاهلية» والتي أصبحت فيما بعد «رمزية للجودة والإتقان» عبر العصور الأدبية وصولاً إلى عصر «الإحياء العربي» و»صراع العمودي والتفعيلي والنثري»، هذه الأحادية التي البست شعراء الجاهلية ذات القناع وذات اللسان. ولعل المعلقات العشر من أبرز آثار ديكتاتورية العقل البلاغي العربي لأن من خلالها فرض لمقاييس موضوعية وفنية واحدة، من يُخالفها يخرج من دائرة كمال الجودة والحسن والمثالية، وهو ما يعني شيوع الصوت الواحد والرؤية الواحدة، وفي المقابل نبذ لكل اختلاف وتجديد كونه ليس من «باب الفصاحة والسلامة». *غلبة الأسلوب الشفهي على البلاغة، والشفهية هي ذاكرة قصيرة المدى وللحفاظ على حيوية تلك الذاكرة لابدّ من حصرها بالتفخيم والمبالغة والغلو تكثيّف الزينة الأسلوبية للحفاظ على وظائفها الحيوية في الذاكرة الشفهية، حتى وإن جاوزت تلك الخصائص طبيعة الواقع وإحداثياته، ولعل قول عمرو بن كلثوم في معلقته: ملأنا البرّ حتى ضاق عنا **وظهر البحر نملؤه سفينا إذا بلغ الفِطام لنا صبي**تخرّ له الجبابرة ساجدينا. نموج لتلك الخصائص وهنا تتحول البلاغة إلى «مصدر للمخادعة». *غياب الإشكاليات الفكرية عند العرب، إن فكرة الأحادية التي كانت شائعة عند العرب قبل الإسلام بسبب طبيعة النشأة القبلية والتي أورثتهم العصبية، وسلسلة الثأر المتتابعة إضافة إلى التنقل الدائم والنظام الأبوي السائد، كل هذه أسباب أسهمت في غياب الإشكاليات الفكرية عندما العرب. إن نشأة الإشكالية الفكرية مرتبطة بظروف الاستقرار في مستوياته المختلفة، المكان والأمن والاقتصاد، فالاستقرار مُحّفز على التأمل والتفكر ثم الكتابة والمعرفة وهما محفزان على المراجعة والمقارنة والحوار والاكتشاف والإضافة، والعرب بسبب طبيعتهم غير المستقرة هذه الطبيعة التي أفقدتهم البيئة المحفّزة على التفكير وإنتاج الإشكاليات الفكرية، ولعل «العبادة الوثنية» التي غلبت على تفكيرهم عطّلت قدراتهم التأملية والفكرية، ولذا سعى النص القرآني إلى إعادة إحياء تلك القدرات المعطّلة وتنشيطها عندما ربط الوصول إلى التوحيد «معرفة الله والإقرار بوحدانيته» بالتأمل والتفكّر والمقارنة، أي إنشاء مقومات البيئة الفكرية؛ لأن الإيمان مرتبط بالمعرفة المتجردة من المقتضيات الحسية باعتبارها علامة التأكد واليقين إلى «الحيثيات» المبنية وفق علامات المنطق وسنداتها من براهين عقلية. يقارن محمد عابد الجابري بين العقل اليوناني والعقل العربي في مسألة التوحيد أو «توظيف فكرة الله» كمحفز للإنتاج الفكري، ففي العقل اليوناني تم «توظيف فكرة الله» من أجل تبرير مطابقة قوانين العقل لقوانين الطبيعة، وبالتالي من أجل إضفاء المصداقية على المعرفة العقلية؛ أي جعلها يقينية،.. أما في العقل العربي كما تُشكل داخل الثقافة العربية الإسلامية فالطبيعة هي التي تقوم بدور المعين للعقل البشري على اكتشاف الله وتبين حقيقته. هنا في الثقافة العربية ..يطلب من العقل أن يتأمل الطبيعة ليتوصل إلى خالقها: الله، وهناك في الثقافة اليونانية.. يتخذ العقل من الله وسيلة لفهم الطبيعة أو على الأقل ضامنًا لصحة فهمه لها». -تكوين العقل العربي/محمد عابد الجابري،الطبعة العاشرة 2009- كانت «قضية البعث» أول القضايا الجدلية بين الإسلام وكفّار قريش باعتبار أن مفهوم «البداية والنهاية» مرتبط بالواقع، وإن إغلاق ذلك الواقع بالموت هو نهاية سرمدية؛ وبذلك فإن قضية البعث هي فكّ الارتباط بين إن الواقع هو المعادل للحقيقة، وما هو خارج حدود فهم وإدراك الواقع أو غير حقيقي. و مصدر هذه الجدلية هو الإنكار للغيبيات في بنيتها المعرفية سواء الدينية أو غير الدينية في ماهياتها وكيفياتها والذي بدوره هو المكون الرئيس للمحتوى الفكري الذي ينبني في ضوئها العلم الجدلي أو الفلسفي. فقد عاش العربي في جاهليته داخل إطار الواقع فهو اليقين، فكل موجود يستطيع أن يدركه بمستويات حواسه وفق ما تعلمه من الواقع هو يقين، وخارج حدود ذلك الواقع ومعطياته الحسية هو جنون، ولذلك يتكرر وصف كفار قريش للرسول الكريم بعد آيات البعث والحساب بلفظ «مجنون» -تجلى وصفه عن كل سوء-. والأمر الأخطر الذي ارتبط بالعقل البلاغي عند العرب سواء في وعيهم أو اللاوعيهم وهو «الخداع والزيّف» ولذلك كان يُنسب القول الفني عظيم الشأن للسحر والكاهنة فهما-السحر والكاهنة- أرفع مقاييس المسطرة البلاغية عند العرب وهما أيضًا رمزان للخداع والزيّف والكذب. ولذلك لا نندهش عندما يتفاخر العقل البلاغي العربي بمقولة «أعذب الشعر أكذبه». https://www.al-jazirah.com/2022/20220204/cm31.htm
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|