[size=3]وفاء الرشيد الحياة - 13/08/05//
قد يكون الصمت عند البعض هو قمة الضوضاء، وقد يكون عند البعض الآخر هو اللا شيء الذي نرتمي في أحضانه هرباً من وحشية الاصوات الزاعقة من كل مكان، الاصوات التي قد يكون زعيقها – غالباً - شكلاً من اشكال الصمت لأنه مجوف!... عندما يكون المحيط يتكلم لغة واحدة سئمنا من سماعها، وعندما نكون نحن تعبنا من القيود والنواهي التي تحدد لنا هويتنا مسبقاً وترسم لنا خطوط حياتنا، عندما نكون سئمنا ممن يحدد لنا من هم الآخرون وكيف نتعامل معهم مسبقاً...
من الصعب أحياناً علينا أن نكون «نحن»... «نحن» تلك التي تفرض علينا من مجتمعات مبرمجة لا تعترف بالتفرد، مجتمعات توارثت العرف ولم يسألوا في يوم من الذي كتبه وحدده لهم، ومن الصعب كذلك علينا ان نسبح دائماً ضد التيار بلا أنيس وبلا ونيس يتجرأ ان يقول انا معهم. فبلحظات تتكشف عنا الأقنعة ولا نستطيع ان نعيدها إلى الوجوه بهذه السرعة، فللحرية ثمن وللسعي وراء التفرد الفكري ثمن اكبر، وللخروج من شرنقة الجماعة والاحتفاظ بخصوصيتي وذاتيتي ألم لا يعرفه الا من يعيش في مجتمعات «محافظة» وأنا واحدة منهن... فهناك نوع من انواع الهيمنة الخفية الذي يمارس داخل هذه المجتمعات لا يعلن عنه ولا تجده يناقش داخل دهاليزها، عبودية تجعلك في كثير من الأحيان تفقد توازنك وتعيش في غربة مع ذاتك، غربة تدفعك في لحظة من لحظات التمرد والبحث الإنساني المطلق عن الحرية الذي تنهار فيه القيود من حواليك وتتحرر فيه من طبقات الجلد التي تراكمت على ظهورنا ونحن لا ندري، تتحرر فيه من طبقات العزل التي بنيت على عقولنا ونحن لا نفقه، نخرج من القوقعة الى الحياة بلحظة تحرر جميلة نتمرد فيها على الذات المملة لنراقب الحال من بعيد بين الفصل والوصل لتتبدى لنا حقيقة الأشياء ونحن نراقب من بعيد، ويا لها من أشياء ويا لها من حال مؤلمة. والويل في تلك اللحظات لسجان النفوس ولمعلب الافكار من الحريات المنفجرة المتمردة.
أنا في حال من حالات التحرر، هذه حالات التحرر من المكان ومن النفس، انا في إجازة من الهيمنة الخفية الى مكان بعيد أعيشه انا وحدي في حال من العقل أستلذ بكل لحظة فيها، وأمارس حريتي بكل تمرد، بكل تفرد، بكل إنسانية، وبكل وفاء، بعيداً من ان تغتصب ضجة الحياة يومي وبعيداً من ذاك الزحام الذي يدفعني الى الجري واللحاق بركب مفروض عليَّ وليس باختياري، فأنا هنا أقف وحدي بعيداً من ان يساومني أحد على نهجي ويسائلني آخرون عما يخطه قلمي. فليس هناك أبشع من المحروم من فسحة الروح وقدرتها على الانطلاق من سجن الاحساس والأفكار الجاهزة، وليس هناك ابشع من الركض المزمن وراء الحياة التي هي غالباً منا، ولكنها ليست فينا بلا لحظة ترقب أو تأمل من بعيد او قريب، فالصمت احياناً هو انيس ونيس يقطع بنضجه العزلة التي يفرضها علينا الزحام بلحظات نحاول ان نعثر على وصف يختزل الحال الذهنية التي عشناها فيه طوال العام، بكل ما انطوت عليه من حروب وكوارث وحالات انتحار جماعي من افراد تفردوا بفكرهم الذي فرضوا كوارثه علينا فيه وبكل ما يقابل ذلك الفكر من انتهاك للمثل والمبادئ الإنسانية وبما نعيشه اليوم من محيط بشع لا يمارس فيه الا إذلال الشعوب والدول، في وقت سقطت فيه كل التماثيل، بينما نحن ما زلنا نبحث فيه عن بطل.
أحاسيس متضاربة بعدما تكشفت الوجوه واتضحت اللعبة الدولية بجلاء على الملأ، وبينما اتضح كذلك ان لنا فيها جزءاً كبيراً ولأجيالنا القادمة فيها أجزاء اكبر، وبالصمت نعيد التفكير بجهلنا المزمن وبفكرنا المعلَّب، نعيد النظر في تلك الهيمنة التي حدثتكم عنها والى اين نحن ذاهبون. الصمت هو اليوم سلاح المثقفين الذين لا يفقهون إلا بسرد الشروط والتوصيات على الحكومات بعدما يأتمرون، وكأن الحكومات المطلوب منها ان تنفذ مطالبهم من غير ان يكون لهم دور مباشر في التغيير فقد أعفا المثقفين انفسهم من المسؤولية تاركين للدولة حق المنع والمنح والاباحة والتحريم. وهذا هو أس البلاء والتخلف في مجتمعاتنا التي هي بالاجدر لها ان تتبنى الصمت علانيةً، لأنها بالحقيقة وبالواقع لم تعرف غيره. فهي طوال حالها خرساء لأن مثقفينا، سادتي، هم عجلات للسياسية وليسوا من مدبريها...
ودعوني أعود وأحدثكم عن اجازتي وصمتي وحريتي وتمردي وتفردي بكل انسانية بذاك المكان البعيد الذي لا تتحقق لي متعته الا بلحظات أكون بعيدة فيها من تلك الهيمنة الخفية...
كاتبة سعودية.[/size]