|
خـــــــــــدمات الأعضــــــــــــاء
|
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
|
LinkBack | أدوات الموضوع |
المشاركة رقم: 1
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
نَصِيحَة أَبِي حَازِمٍ التَّابِعِي لِسُلَيْمَانٌ بن عَبْدِ الْمَلِكِ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
نَصِيحَة أَبِي حَازِمٍ التَّابِعِي لِسُلَيْمَانٌ بن عَبْدِ الْمَلِكِ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا حَجَّ سُلَيْمَانٌ بن عَبْد الْمَلِكِ وَدَخَلَ الْمَدِينَةِ زَائِرًا لِقَبْرِ رَسُولِ اللهِ وَمَعَهُ ابْن شِهَابٍ الزُّهَرِي وَرَجَاءُ بن حَيْوَة فَأَقَامَ بِهَا ثَلاثَةَ أَيْامٍ فَقَالَ : أَمَا هَا هُنَا رَجُلٌ مَمَّنْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ ? ؟ فَقِيلَ لَهُ : بَلَى . هَا هُنَا رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ أَبُو حَازِمٍ . فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَجَاءَهُ وَهُوَ أَقْوَرُ أَعْرَجُ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانٌ إزْدَرَتْهُ عَيْنُهُ فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا حَازِمٍ : مَا هَذَا الْجَفَاءُ الَّذِي ظَهَرَ مِنْكَ وَأَنْتَ تُوصَفُ بِرُؤْيَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ? مَعَ فَضْلٍ وَدِينٍ تُذْكَرُ بِهِ . فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : وَأَيُ جَفَاءٌ رَأَيْتَ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ سُلَيْمَانٌ : أَنَّهُ آتَانِي وُجُوهُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعُلَمَاؤهَا وَخِيَارُهَا ، وأَنْتَ مَعْدُودٌ فِيهِمْ وَلَمْ تَأْتِنِي . فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : أُعِيذُكَ بِاللهِ أَنْ تَقُولَ مَا لَمْ يَكُنْ مَا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنِكَ مَعْرِفَةٌ آتِيكَ عَلَيْهَا . قَالَ سُلَيْمَانٌ: صَدَقَ الشَّيْخُ . فَقَالَ: يَا أَبَا حَازِمٍ مَا لَنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ ؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : لأَنَّكُمْ أَخْرَبْتُمْ آخِرَتَكُمْ ، وَعَمَّرْتُمْ دُنْيَاكُمْ ، فَأَنْتُمْ تَكْرَهُونَ النَّقْلَةَ مِنَ الْعُمْرَانِ إِلَى الْخَرَابِ ! قَالَ سُلَيْمَانٌ : صَدَقْتَ يَا أَبَا حَازِمٍ ، فَكَيْفَ الْقُدُومُ عَلَى الآخِرَة ؟ قَالَ : نَعَمْ : أَمَّا الْمُحْسِنُ فَإِنَّهُ يَقْدُمُ عَلَى الآخِرَة كَالْغَائِبِ يَقْدُمُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ سَفَرٍ بَعِيدٍ . وَأَمَّا قُدُومُ الْمُسِيئُ فَكَالْعَبْدِ الآبِقِ يُؤْخَذُ فَيَشُدّ كِتَافُهُ ، فَيُؤْتَى بِهِ إِلَى سَيّدٍ فَظٍّ غَلِيظٍ ، فَإِنَّ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ عَذَبَ ! فَبَكَى سُلَيْمَانٌ بُكَاءً شَدِيدًا ، وَبَكَى مَنْ حَوْلَهُ . ثُمَّ قَالَ : لَيْتَ شِعْرِي مَا لَنَا عِنْدَ اللهِ يَا أَبَا حَازِمٍ ؟ فَقَالَ : اعْرِضْ نَفْسَكَ عَلَى كِتَابِ اللهِ ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ مَا لَكَ عِنْدَ اللهِ . قَالَ سُلَيْمَانٌ : يَا أَبَا حَازِمٍ وَأَيْنَ أُصِيبُ تَلْك الْمَعْرِفَةِ فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: عِنْدَ قوله تَعَالَى:?إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ*وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ?. قَالَ سُلَيْمَانٌ : يَا أَبَا حَازِمٍ فَأَيْنَ رَحِمَهُ اللهُ ؟ قَالَ : « إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ " قَالَ سُلَيْمَانٌ : يَا أَبَا حَازِمٍ : مَنْ أَعْقَلُ النَّاسِ ؟ قَالَ أَبُو حَازِمٍ : أَعْقَلُ النَّاسِ مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهَا النَّاسَ . قَالَ سُلَيْمَانٌ : فَمَنْ أَحْمَقُ النَّاسِ ؟ فَقَالَ : مَنْ حَطَّ فِي هَوَى رَجُلٍ وَهُوَ ظَالِمٌ فَبَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنَيا غَيْرِهِ ! قَالَ سُلَيْمَانٌ : فَمَا أَسْمَعُ الدُّعَاء ؟ قَالَ أَبُو حَازِمٍ : دُعَاءُ الْمُخْبِتِينَ الْخَائِفِينَ . فَقَالَ سُلَيْمَانٌ : فَمَا أَزْكَى الصَّدَقَةِ عِنْدَ اللهِ ؟ قَالَ : جُهْدُ الْمُقِلّ . قَالَ : فَمَا تَقُولُ فِيمَا ابْتُلِينَا بِهِ ؟ قَالَ : اعْفِنَا عَنْ هَذَا وَعَنْ الْكَلامِ فِيهِ أَصْلَحَكَ اللهُ . قَالَ سُلَيْمَانٌ : نَصِيحَةٌ تُلْقِيهَا . فَقَالَ : مَا أَقُولُ فِي سُلْطَانٍ اسْتَوْلَى عُنْوَةً بِلا مَشُورَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلا إجْتِمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَسُفِكَتِ فِيهِ الدِّمَاءُ الْحَرَامُ وَقُطِعَتْ بِهِ الأَرْحَامُ وَعُطِّلَتْ بِهِ الْحُدُودَ وَنُكِّثَتْ بِهِ الْعُهُودَ وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى تَنْفِيذِ الطِّينَة ، وَالْجَمْعِ وَمَاذَا يُقَالَ لَكُمْ ! فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِهِ : بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا أَقْوَرُ !! أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُسْتَقْبَلُ بِهَذَا ؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : أُسْكُتْ يَا كَاذِب ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ فِرْعَونَ هَامَانُ . وَهَامَانُ فَرْعَوْنَ ! إِنَّ اللهَ قَدْ أَخَذَ عَلَى الْعُلَمَاءِ لَيُبِيّنَنُهُ لِلنَّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ ، أَيْ لا يَنْبُذُونَهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ . قَالَ سُلَيْمَانٌ : يَا أَبَا حَازِمٍ : كَيْفَ لَنَا أَنْ نُصْلِحَ مَا فَسَدَ مِنَّا ؟ فَقَالَ : الْمَأْخَذُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ يَسِيرٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . فَاسْتَوى سُلَيْمَانٌ جَالِِسًا مِنَ إتِّكَائِهِ فَقَالَ : كَيْفَ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : تَأْخُذَ الْمَالِ مِنْ حِلِّهِ ، وَتَضَعُهُ فِي أَهْلِهِ وَتَكُفُّ الأَكَفَّ عَمَّا نُهِيتَ عَنْهُ وَتُمْضِيهَا فِيمَا أُمِرْتَ بِهِ . قَالَ سُلَيْمَانٌ : وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : مَنْ هَرَبَ مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَنَبَذَ سُوءَ الْعَادَةِ إِلَى خَيْرِ الْعِبَادَةِ . فَقَالَ سُلَيْمَانٌ : اصْحِبْنَا يَا أَبَا حَازِمٍ ، وَتَوَجَّهَ مَعَنَا تُصِبْ مِنَّا وَنُصِبُ مِنْكَ . فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : أَعُوذُ بِاللهِ من ذَلِكَ !. قَالَ سُلَيْمَانٌ : وَلِمَ يَا أَبَا حَازِمٍ ؟ قَالَ : أَخَافُ أَنْ أَرْكَنُ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَيُذِيقُنِي اللهُ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ . فَقَالَ سُلَيْمَانٌ : فَتَزُورُنَا ؟ قَالَ أَبُو حَازِمٍ : إِنَّا عَهِدْنَا الْمُلُوكَ يَأْتُونَ عَلَى الْعُلَمَاءِ ...وَلَمْ يَكُنِ الْعُلَمَاءُ يَأْتُونَ الْمُلُوكَ ...فَصَارَ فِي ذَلِكَ صَلاحُ الْفَرِيقَيْنِ ثُمَّ صِرْنَا الآنَ فِي زَمَانٍ الْعُلَمَاءُ يَأْتُونَ الْمُلُوكَ ..وَالْمُلُوكُ تَقْعُدُ عَنْ الْعُلَمَاءِ .... فَصَارَ ذَلِكَ فَسَادُ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا . يتبع |
المشاركة رقم: 2
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
رد: نَصِيحَة أَبِي حَازِمٍ التَّابِعِي لِسُلَيْمَانٌ بن عَبْدِ الْمَلِكِ
الَ سُلَيْمَانٌ :
فَأَوْصِنَا يَا أَبَا حَازِمٍ وَأَوْجِزْ : قَالَ : اتَّقِ اللهَ أَنْ لا يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاكَ ، وَلا يَفْقِدُكَ حَيْثُ أَمَرَكَ . قَالَ سُلَيْمَانٌ : ادْعُ لَنَا بِخَيْرٍ . فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ سُلَيْمَانٌ وَلِيًّا فَبَشِّرْهُ بِخَيْرِ الدُّنْيَا والآخِرَة ، وَإِنْ كَانَ عَدُوُّكَ فَخُذْ إِلَى الْخَيْرِ بِنَاصِيَتِهِ . قَالَ سُلَيْمَانٌ : زِدْنِي . قَالَ : قَدْ أَوْجَزْتُ ، فَإِنَّ كُنْتَ وَلِيَّهُ فَاغْتَبِطْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَدِوَّهُ فَاتَّعْظْ ، فَإِنَّ رَحْمَتَهُ فِي الدُّنْيَا مُبَاحَةٌ وَلا يَكْتُبُهَا فِي الآخِرَة إِلا لِمَنِ اتَّقَي فِي الدُّنْيَا ؛ فَلا نَفْعٌ فِي قَوْسٍ يَرْمِي بِلا وَتَرٍ . فَقَالَ سُلَيْمَانٌ : هَاتِ يَا غُلامٌ أَلْفَ دِينَارٍ . فَأَتَاهُ بِهَا . فَقَالَ : خُذْهَا يَا أَبَا حَازِمٍ . فَقَالَ : لا حَاجَة لِي بِهَا ، لأَنِّي وَغَيْرِي فِي هَذَا الْمَالِ سَوَاءٌ ، فَإِنْ سَوَيْتَ بَيْنَنَا وَعَدِلْتَ أَخَذْتُ ، وَإِلا فَلا . لأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لِمَا سَمِعْتَ مِنْ كَلامِي وَإِنَّ مُوَسى بن عِمْرَان عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا هَرَبَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ الْجَارِيَتَيْنِ تَذُودَانِ فَقَالَ : مَا لَكُمَا مُعِينٌ ؟ قَالَتَا : لا فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ : « رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقَيرٍ " وَلَمْ يَسْأَلْ أَجْرًا . فَلَمَّا أَعْجَلَ بِالْجَارِيَتَيْنِ الانْصِرَافَ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُوهُمَا فَقَالَ لَهُمَا : مَا أَعْجَلُكُمَا الْيَوْم ؟ قَالَتَا : وَجَدْنَا رَجُلاً صَالِحًا قَوِيًّا سَقَى لَنَا قَالَ : مَا سَمِعْتُمَاهُ يَقُولُ ؟ قَالَتَا : تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ وَهُوَ يَقُولُ : « رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٍ » . فَقَالَ : يَنْبَغِي لِهَذَا أَنْ يَكُونَ جَائِعًا . تَنْطَلِقُ إِحْدَاكُمَا لَهُ ، فَتَقُولُ لَهُ : إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ، فَأَتَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى إسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ : قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا . فَجَزَعَ مُوَسى مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ طَرِيدًا فِي الْفَيَافِي وَالصَّحَارِي ، فَقَالَ لَهُا : قُولِي لأَبِيكِ إِنَّ الَّذِي سَقَى يَقُولُ : لا أَقْبَلُ أَجْرًا عَلَى مَعْرُوفٍ إصْطَنَعْتُهُ . فَانْصَرَفَتْ إِلَى أَبِيهَا فَأَخْبَرَتْهُ ، فَقَالَ : إذْهَبِي فَقُولِي لَهُ : أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قُبُولِ مَا يَعْرُضُ عَلَيْكَ أَبِي وَبَيْنَ تَرْكِهِ ، فَاقْبِلْ يُحِبُّ فَإِنَّهُ يَرَاكَ وَيَسْمَعَ مِنْكَ . فَأَقْبَلَ وَالْجَارِيَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَهَبَّتْ الرِّيحُ ، فَوَصَفَتْهَا لَهُ وَكَانَتْ ذَاتَ خَلْقٍ كَامِلٍ : فَقَالَ لَهَا كُونِي وَرَائِي وَأَرِينِي سَمْتَ الطَّرِيقِ . فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ قَالَ : اسْتَأْذِنِي لَنَا . فَدَخَلَتْ عَلَى أَبِيهَا ، فَقَالَتْ : إِنَّهُ مَعَ قُوَتِهِ لأَمِينٌ ، فَقَالَ شُعَيْبُ : وَبِمَ عَرِفْتِ ذَلِكَ ؟ فَأَخْبَرَتْهُ مَا كَانَ مِنْ قَوْلِهِ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحُ عَلَيْهَا . فَقَالَ : ادْخِلِيهِ ، فَدَخَلَ فَإِذَا شُعَيْبٌ قَدْ وَضَعَ الطَّعَامَ ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَحَّبَ بِهِ وَقَالَ : أَصِبْ مِنْ طَعَامِنَا يَا فَتَى . فَقَالَ مُوَسى : أَعُوذُ بِاللهِ . قَالَ شُعَيْبُ : لِمَ ؟ قَالَ : لأَنَّي مِنْ بَيْتٍ لا نَبِيعُ دِينَنَا بِمِلْءِ الأَرْضِ ذَهَبًا . قَالَ شُعَيْبٌ : لا وَاللهِ مَا طَعَامِي كَمَا تَظُنُّ وَلَكِنَّهُ عَادَتِي وَعَادَةُ آبَائِي : نُقْرِي الضَّيْفَ ، وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ ؛ فَجَلَسَ مُوَسَى فَأَكَلَ . وَهَذِهِ الدَّنَانِيرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ كَانَتْ ثَمَنًا لِمَا سَمِعْتَ مِنْ كَلامِي فَلَئِنَّ آكُلُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ آخُذُهَا . فَأَعْجَبَ سُلَيْمَانٌ بِأَمْرِهِ عَجَبًا شَدِيدًا . فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِهِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . إِنَّ النَّاسَ كُلُّهُمُ مِثْلَهُ ، قَالَ : لا . قَالَ الزُّهَرِيُّ : إِنَّهُ لَجَارِي مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَة مَا كَلَّمْتُهُ قَط . فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : صَدَقْتَ لأَنَّكَ نَسِيتَ اللهَ فَنَسِيتَنِي وَلَوْ ذَكَرْتَ اللهَ لَذَكَرْتَنِي . قَالَ الزُّهَرِيُّ : أَتَشْتِمُنِي ؟ قَالَ لَهُ سُلَيْمَانٌ : بَلْ أَنْتَ شَتَمْتَ نَفْسَكَ ، أَوْ مَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلْجَارِ عَلَى الْجَارِ حَقًّا ؟ قَالَ أَبُو حَازِمٍ : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا كَانُوا عَلَى الصَّوَابِ كَانَتْ الأُمَرَاءُ تَحْتَاجُ إِلَى الْعُلَمَاءِ ، وَكَانَتْ الْعُلَمَاءُ تَفُرُّ بِدِينِهَا مِنَ الأُمَرَاءِ . فَلَمَّا رُئِي قَوْم مِنْ أَرَاذِلِ النَّاسِ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَأَتَوْا بِهِ الأُمَرَاءَ ، اسْتَغْنَتِ الأُمَرَاءُ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَاجْتَمَعَ الْقَوْمِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ، فَسَقَطُوا وَهَلَكُوا . وَلَوْ كَانَ عُلَمَاؤنَا هَؤلاءِ يَصُونُونَ عِلْمَهُمْ لَكَانَتْ الأُمَرَاءُ تَهَابَهُمْ وَتُعَظِّمَهُمْ . فَقَالَ الزُّهَرِيُّ : كَأَنَّكَ إِيَّايَ تُرِيدُ وَبِي تُعَرِّضَ ؟ قَالَ : هُوَ مَا تَسْمَعُ . قَالَ سُلَيْمَانٌ : يَا أَبَا حَازِمٍ عِظْنِي وَأَوْجِزْ . قَالَ : الدُّنَيْا حَلالُهَا حِسَاب ، وَحَرَامُهَا عَذَابُ ، وَإِلَى اللهِ الْمآبُ عَذَابَكَ أَوْ دَعْ . قالَ : لقد أوجزتَ فَأَخْبَرَنِي مَا مَالُكَ ؟ قَالَ : الثِّقَةُ بِعْدِلِهِ وَالتَّوَكُّلُ عَلَى كَرَمِهِ وَحُسْنُ الظَّنِ بِهِ وَالصَّبْرُ إِلَى أَجَلِهِ وَالْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ . قَالَ : يَا أَبَا حَازِمٍ : ارْفَعْ إِلَيْنَا حَوَائِجَكَ . قَالَ : رَفَعْتُهَا إِلَى مَنْ لا تُخْذَلُ دُونُهُ ، فَمَا أَعْطَانِي مِنْهَا قَبِلْتُ ، وَمَا أَمْسَكَ عَنِّي رَضِيتُ . مَعَ أَنَّي قَدْ نَظَرْتُ فَوَجَدْتُ أَمْرَ الدُّنْيَا يَؤُولُ إِلَى شَيْئَيْنِ ، أَحَدُهُمَا لِي وَالآخِرِ لِغَيْرِي فَأَمَّا مَا كَانَ لِي فَلَوْ احْتَلْتُ عَلَيْهِ بِكُلِّ حِيلَةٍ مَا وَصَلْتُ إِلَيْهِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَحِينِهِ الَّذِي قُدِّرَ لِي . وَأَمِّا الَّذِي لِغَيْرِي فَذَلِكَ لا أَطْمَعُ فِيهِ ، فَكَمَا مَنَعَنِي رَزَقَ غَيْرِي ، كَذَلِكَ مَنَعَ غَيْرِي رِزْقِي ، فَعَلامَ أَقْتُلُ نَفْسِي فِي الإِقْبَالِ وَالإِدْبَارِ ! قَالَ سُلَيْمَانٌ : لا بُدَّ أَنْ تَرْفَعَ إِلَيْنَا حَاجَةً نَأْمُرُ بِقَضَائِهَا . قَالَ : فَتَقْضِيهَا ؟ قَالَ : نَعَم . قَالَ : فَلا تُعْطِنِي شَيْئًا حَتَّى أَسْأَلُكَهُ ، وَلا تُرْسِلْ إِلَيَّ حَتَّى آتِيكَ ، وَإِنْ مَرِضْتُ فَلا تَعْدِنِي ، وَإِنْ مِتُّ فَلا تَشْهَدُنِي . قَالَ سُلَيْمَانٌ : أَبَيْتَ يَا أَبَا حَازِمٍ . قَالَ : أَتَأْذَنُ لِي أَصْلَحَكَ اللهُ فِي الْقِيَامِ ، فَإِنِّي شَيْخٌ قَدْ زَامَنْتُ . قَالَ سُلَيْمَانٌ : يَا أَبَا حَازِمٍ : مَسْأَلَةٌ مَا تَقُولُ فِيهَا . قَالَ : إِنْ كَانَ عِنْدِي عِلْمٌ أَخْبَرْتُكَ بِهِ ، وَإِلا فَهَذَا الَّذِي عَنْ يَسَارِك يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْء يُسْأَلُ عَنْهُ إِلا وَعِنْدَهُ عِلْمٌ ( يُرِيدُ الزُّهَرِيّ ) فَقَالَ لَهُ الزُّهَرِيُّ : عَائِذًا بِاللهِ مِنْ شَرِّكَ أَيًّهَا الْمَرْءُ ! قَالَ : أَمَّا مَنْ شَرِّي فقَدْ عَفِيتُ ، وَأَمَّا لِسَانِي فَلا . قَالَ سُلَيْمَانٌ : مَا تَقُولُ فِي سَلامِ الأَئِمَّةِ مِنْ صَلاتِهِمْ : أَوَاحِدَةٌ أَمْ اثْنَتَانِ ؟ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ لِدَيْنَا قَدْ اخْتَلَفُوا عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ أَشَدَّ الاخْتِلافِ . قَالَ : عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ ؛ أَرْسِيكَ فِي هَذَا بخَيْرٍ شَافٍ . حَدَّثَنِي عَامِرُ بن سَعْدٍ بن أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ أَنَّهُ شَهِدَ رَسُولُ اللهِ ? يُسَلِّمُ فِي الصَّلاةِ عَنْ يَمِينِه حَتَّى يُرَى بَيَاضَ خَدِّهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضَ خَدِّهِ الأَيْسَرِ ، سَلامًا يَجْهَرُ بِهِ . قَالَ عَامِرٌ : كَانَ أَبِي يَفْعَلُ ذَلِكَ . وَأَخْبَرَنِي سَهْلٌ بن سَعَدٍ السَّاعِدِيّ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بن الْخَطَّابِ وَابْنَ عُمَرَ يُسَلِّمَانِ مِنَ الصَّلاةِ كَذَلِكَ فَقَالَ الزُّهَرِيُّ : اعْلَمْ مَا تُحَدِّثُ بِهِ أَيُّهَا الرَّجُلُ ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَعْبٌ شَدِيدٌ إِلا بِالتَّثْبِيتِ وَالْيَقِينِ . قَالَ أَبُو حَازِمٍ : قَدْ عَلِمْتُهُ وَرَوَيْتُه قَبْلُ أَنْ تَطْلَعَ أَضْرَاسَكَ فِي رَأْسِكَ . فَالْتَفَتَ الزُّهَرِيُّ إِلَى سُلَيْمَانٌ ، قَالَ : أَصْلَحَكَ اللهُ ، إن هَذَا الْحَدِيثَ مَا سَمِعْتُ بِهِ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ ? قَط فَضَحِكَ أَبُو حَازِمٍ . ثُمَّ قَالَ : يَا زُهَرِيُّ أَحَطْتَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ ? كُلِّهُ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : فَثَلاثَةُ أَرْبَاعِهِ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : فَثُلُثُهُ ؟ فَقَالَ : أَرَانِي ذَلِكَ ، قَدْ رُويتُ وَبَلَغَنِي . فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : فَهَذَا مِنَ الثُّلُثِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْكَ وَبَقَى عَلَيْكَ إِسْمَاعِهِ . فَقَالَ سُلَيْمَانٌ : مَا ظَلَمَكَ مِنْ حَاجَّكَ . ثُمَّ قَامَ مَأْذُونًا لَهُ . فَأَتْبَعَهُ سُلَيْمَانٌ بَصَرَهُ،يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَعْجَبُ بِهِ . ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ : مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ بَقِيَ فِي الدُّنْيَا مِثْل هَذَا . وَاللهُ أَعْلَمُ . وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّدْ وَآلِهِ وَسَلَّمَ . |
المشاركة رقم: 3
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||
رد: نَصِيحَة أَبِي حَازِمٍ التَّابِعِي لِسُلَيْمَانٌ بن عَبْدِ الْمَلِكِ
جزاكِ الله خير وفي ميزان حسناتكِ
|
المشاركة رقم: 4
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
رد: نَصِيحَة أَبِي حَازِمٍ التَّابِعِي لِسُلَيْمَانٌ بن عَبْدِ الْمَلِكِ
آمين يارب العالمين الف الف شكر على تواصلك المستمر نسمتنا الغالية مودتى |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|